التنافس العسكري بين واشنطن وبكين وموسكو يتزايد ومستويات الإنفاق الدفاعي تسجل أرقاماً غير مسبوقة
أحمد عبد الحكيم صحافي
في كتابه المعنون بـ”أزمة الحضارة”، والصادر في نهاية الحرب العالمية الثانية وقبل ثلاث سنوات من نشوب الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقاً، يقول جوزيف كاميللري، إن “الدول حين تشعر بنسبة أقل من الأمان فإنها تتحرك تجاه مضاعفة جهودها لتكديس الأسلحة في ترساناتها إلى الحد الذي لا يكفي لإخافة العدو وردعه وحسب، ولكن (يؤدي) نحو سباق تسلح عنيف ومن دون نهاية”.
على الرغم من مرور السنوات والعقود، وتبدل الأولويات وموازين القوى الدولية والإقليمية من الحرب الباردة، إلى عالم اليوم، لا يزال سباق التسلح المتسارع وغير المسبوق، إحدى السمات الرئيسة المميزة للسياسات والاستراتيجيات العسكرية، لا سيما بين الدول الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا)، صاحبة الإنفاق العسكري الأعلى حول العالم، الذي تتزايد معه بين الحين والآخر المخاوف بشأن الانزلاق في “أتون الحروب”، في ظل زيادة بؤر التوترات العالمية والتنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى.
وعلى وقع تلك المؤشرات المتزايدة والمتواصلة بخصوص سباق التسلح الذي شمل الأسلحة التقليدية، والاستراتيجية، وكذلك النووية والإلكترونية، فضلاً عن الانتشار العسكري في العالم، يحاول المراقبون بحث انعكاسات ذلك التنافس بين واشنطن وموسكو وبكين على معادلات القوة والتأثير في عالم ما بعد الحرب الباردة، حيث انفردت الولايات المتحدة بزعامته، وما إذا كان العالم على موعد جديد مع تعديل موازين القوى وتغير التحالفات التقليدية القائمة؟
سباق التسلح بالأرقام
وفق الأرقام المعلنة في أغلب التقارير الدولية المعنية برصد حالة سباق التسلح عالمياً، تشير الإحصاءات إلى وصول الإنفاق العسكري في العالم إلى معدلات غير مسبوقة، تجاوزت معها تلك التي كانت قائمة في سنوات الحرب الباردة (1947-1991).
ففي تقرير إحصاء الإنفاق العسكري عالمياً لعام 2019، والصادر العام الماضي، ذكر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”، أن العالم وصل لأعلى مستوى للتسلح خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ومنذ الحرب الباردة، إذ أنفقت دوله نحو تريليوني دولار على العتاد العسكري، واحتلت الولايات المتحدة صدارة حجم الإنفاق تلتها كل من “روسيا، والصين، والسعودية”.
الأرقام أوضحت أن الإنفاق عالمياً على العتاد العسكري بلغ عام 2019، 1.917 مليار دولار، أي بزيادةٍ قدرها 3.6 في المئة مقارنة بعام 2018، وهي الأكبر منذ 2010. كما أن هذه القيمة تعادل 2.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، كما تعادل 249 دولاراً لكل فرد على وجه الأرض.
وعن الدول الثلاث الكبرى، الولايات المتحدة والصين وروسيا، أظهر التقرير أن الميزانية التي خصصتها واشنطن للإنفاق العسكري بقيت الأولى في هذا المجال، وقد زادت بنسبة 5.3 في المئة عام 2019 إلى 732 مليار دولار، أي ما نسبته 38 في المئة من الإنفاق العالمي، وهو ما يساوي تقريباً إجمالي ما أنفقته الدول العشر التالية لها في القائمة.
وخلف الولايات المتحدة، جاءت الصين مع 261 مليار دولار، بزيادة 5.1 في المئة على مدى عام واحد، والهند مع 71.1 مليار دولار (بزيادة 6.8 في المئة على مدى عام)، بينما حلت روسيا في المرتبة الرابعة. وبحسب التقرير ذاته، عكس الإنفاق العسكري للصين “رغبة بكين في التنافس مع الولايات المتحدة كقوة عسكرية عظمى”، وذلك في وقت لم تختفِ فيه التوترات بين موسكو وواشنطن أو حلفائها الأوروبيين في عدد من بؤر التوتر حول العالم.
وأظهر تقرير عام 2018 أن “سباق التسلح بات يجتاح العالم مع تجاوز الإنفاق العسكري 1.8 تريليون دولار أميركي، بزيادة 2.6 في المئة خلال سنة. ما يعني أن نصيب كل فرد على مستوى العالم من هذا المبلغ الإجمالي يصل إلى 239 دولاراً للشخص الواحد”، مشيراً إلى أن الإنفاق العسكري يتزايد باستمرار مسجلاً أعلى مستوياته منذ عام 1988 (مع نهايات الحرب الباردة)، وذلك بسبب زيادة حدة التوترات العالمية.
يضيف التقرير نفسه، أن التنافس بين واشنطن وبكين أدى إلى زيادة نسب الإنفاق العسكري حول العالم، مشيراً إلى أن الصين التي ارتفع إنفاقها العسكري بنسبة 83 في المئة منذ عام 2009، باتت تخصص 1.9 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع سنوياً منذ عام 2013. وبلغ إجمالي نفقاتها عام 2018، نحو 250 مليار دولار، أي ما يعادل 14 في المئة من الإنفاق الدفاعي العالمي، كما بات إنفاق الصين والولايات المتحدة يشكل نحو نصف الإنفاق العسكري في العالم.
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب)
إحصاءات مماثلة يرصدها أحدث تقارير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية البريطاني، والصادر في فبراير (شباط) الماضي، والتي أظهرت أن الارتفاعات غير المسبوقة في الإنفاق العسكري لعام 2020 حول العالم لا سيما بين الدول الكبرى (الصين وروسيا والولايات المتحدة)، دفعه تعزيز القدرات البحرية الصينية، ولم يتأثر “كثيراً” بوباء كورونا أو الأزمة الاقتصادية المترتبة عليه.
وفق تقرير المعهد البريطاني، فإن النفقات العسكرية بلغت عام 2020، 1830 مليار دولار بزيادة من حيث القيمة الحقيقية بنسبة 3.9 في المئة مقارنة بعام 2019: “على الرغم من الوباء الناجم عن فيروس كورونا والانكماش الاقتصاد العالمي جراءه”.
ويرجع التقرير ما يقرب من ثلثي هذه الزيادة إلى الولايات المتحدة التي ما زالت تستحوذ على نصيب الأسد، إذ تمثل نفقاتها 40.3 في المئة (أو 738 مليار دولار) من الإنفاق الإجمالي، وكذلك إلى الصين (10.6 في المئة أو 193.3 مليار دولار). كما ذكر المعهد أن الصين هي محرك النمو في الميزانيات العسكرية في آسيا (25 في المئة من الإجمالي)، حيث ظل الاتجاه العام تصاعدياً وإن كان بوتيرة أبطأ إلى حد ما (بزيادة 4.3 في المئة مقابل 4.6 في المئة عام 2019).
ومن التنافس الصيني الأميركي في بحر الصين الجنوبي سجلت أوروبا ارتفاعاً في الإنفاقات الدفاعية بنسبة 2 في المئة، للتعاطي مع روسيا التي تمثل في الاستراتيجية الأوروبية “تهديداً متزايداً” منذ ضم موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014.
ووفق مجلة “إيكونوميست” البريطانية، يعكس السباق النشط في مضمار التسلح العالمي تبني الدول الثلاث (الولايات المتحدة والصين وروسيا) لفكرة “منافسة القوى العظمى”، وهو الأمر الذي يتطلب السعي نحو تطوير وامتلاك أسلحة باهظة الثمن، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه على الرغم من أن بكين باتت المنافسة الأولى لواشنطن من حيث الإنفاق العسكري، فإنها لا تزال بعيدة عنها، إذ تصرف نحو خُمسي ما تصرفه واشنطن، وهو رقم خاضع لتقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، لأن السلطات في بكين تتكتم على ما تنفقه في هذا القطاع.
وقالت “إيكونوميست” إنه رداً على إنفاق الصين المتزايد في فترة رئيسها الحالي شي جين بينغ رفع منافسوها الإقليميون نسبة إنفاقهم الدفاعي، حيث تُنفق الهند أكثر من أي دولة أوروبية على الجيش، فيما كان النمو السنوي للإنفاق العسكري الكوري الجنوبي في عام 2018، الأعلى منذ عام 2005، متوقعة أن يرتفع الإنفاق الياباني في السنوات الخمس المقبلة. وبالمجمل، يُعادل الإنفاق العسكري الآسيوي 28 في المئة من إجمالي الإنفاق العالمي، وفق “سيبري”.
من جانبها، تقول المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية، في تقرير لها صدر في فبراير 2020، إن عوامل أساسية في النظام الدولي الذي حكم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تشهد بعض التحديات التي قادت لذلك السباق المحموم نحو التسلح، وشكلت نهاية المعاهدة النووية للصواريخ المتوسطة المدى المثال الأقوى عليها (وقعت عام 1987)، مضيفة أن القدرات العسكرية في العالم بدءاً من سلاح الجيوش البرية والقدرات الجوية والبحرية والقدرات السيبرانية، أظهرت تفوقاً أميركياً عالمياً بالإنفاق، تليها الصين، في حين احتلت روسيا مرتبة متقدمة.
وفي عام 2019، انتهت معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، والمعروفة اختصاراً بـ”ستارت” بين روسيا والولايات المتحدة، بعد ما تبادل البلدان الاتهامات حول خرقها، إذ وجهت الولايات المتحدة إشعاراً عن عزمها الانسحاب ما لم تمتثل روسيا لبنودها، فيما نفت الأخيرة أي انتهاكات من جانبها، واعتبرت أن واشنطن هي من تتجاوزها.
من الأقوى عسكرياً؟
بجانب التنافس على اقتناء وتطوير الأسلحة التقليدية والاستراتيجية، وكذلك النووية والإلكترونية والمعنية بالفضاء، تبقى قدرة الجيوش وتصنيفها، من بين المؤشرات الرئيسة في أوجه المقارنة العسكرية بين الدول الثلاث، لا سيما في ما يتعلق بعدد الجنود العاملين في الخدمة، إضافة إلى قوات الاحتياط والقوات الجوية وعدد المطارات الصالحة للاستخدام.
وبحسب أحدث بيانات موقع “غلوبال فاير باور” المتخصص في رصد القدرات العسكرية للدول، احتل الجيش الأميركي المرتبة الأولى عالمياً، بينما احتل نظيره الروسي المرتبة الثانية بين أقوى جيوش العالم، وبقي الجيش الصيني، الصاعدة قدراته “بقوة” في المرتبة الثالثة عالمياً.
وفي ما يتعلق بالجيش الأميركي، ذكر الموقع، أن عدد أفراده بلغ 2.245 مليون جندي (إجمالي عدد السكان أكثر من 330 مليون نسمة) بينهم 845.500 في قوات الاحتياط، مشيراً إلى أنه من حيث القوة الجوية يمتلك الجيش الأميركي 13233 طائرة حربية، بينها 1956 مقاتلة، و761 طائرة هجومية، وأكثر من 945 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 2765 طائرة تدريب، و5436 مروحية عسكرية، بينها 904 مروحيات هجومية. كما لدى الجيش الأميركي أكثر من 6100 دبابة، و40 ألف مدرعة، و1500 مدفع ذاتي الحركة، وأكثر من 1340 مدفعاً ميدانياً، إضافة إلى 1365 راجمة صواريخ. ويضم أسطول واشنطن البحري نحو 490 قطعة بحرية منها 11 حاملة طائرات، و92 مدمرة، و68 غواصة، إضافة إلى 8 كاسحات ألغام.
صواريخ توبول البالستية الروسية العابرة للقارات (أ ف ب)
أما عن الجيش الروسي، صاحب المرتبة الثانية، فيقول “غلوبال فاير باور”، إن تعداد قوته البشرية بلغ 3.569 مليون جندي (إجمالي عدد السكان نحو 146 مليون نسمة)، إضافة إلى مليوني جندي في قوات الاحتياط، موضحاً أن الجيش الروسي يمتلك أكثر من 4.144 طائرة حربية بينها 789 مقاتلة، و742 طائرة هجومية، كما يمتلك 1540 مروحية عسكرية، بينها 538 مروحية هجومية.
وعلى صعيد الدبابات يمتلك الجيش الروسي 13 ألف دبابة (أكثر مما تملكه الولايات المتحدة)، وأكثر من 27 ألف مدرعة، وأكثر من 6540 مدفعاً ذاتي الحركة، وقرابة 4465 مدفعاً ميدانياً، و3860 راجمة صواريخ. ومن حيث القوة البحرية يتكون الأسطول الروسي من 603 قطع بحرية منها حاملة طائرات وحيدة، كما يمتلك 64 غواصة، و11 فرقاطة، و48 كاسحة ألغام.
وعن الصين، التي يصنف جيشها في المرتبة الثالثة، فإن عدد جنود قواتها العسكرية العاملين في الخدمة بلغ نحو 3.355 مليون جندي (عدد السكان أكثر من 1.3 مليار نسمة) فضلاً عن 510 آلاف جندي من قوات الاحتياط. ويمتلك الجيش الصيني أكثر من 3260 طائرة حربية، بينها 1200 مقاتلة، و371 طائرة هجومية، و902 مروحية عسكرية منها 327 مروحية هجومية.
وعلى صعيد الدبابات يمتلك الجيش الصيني 3205 دبابات، وأكثر من 35 ألف مدرعة، وأكثر من 1970 مدفعاً ذاتي الحركة، وقرابة 1234 مدفعاً ميدانياً، و2250 راجمة صواريخ. وبحرياً، يتكون الأسطول الصيني من 777 قطعة بحرية بينها حاملتا طائرات، و79 غواصة، و50 مدمرة، و46 فرقاطة، و36 كاسحة ألغام.
وبخلاف تلك القدرات التي تبدو في أغلبها تقليدية، تختلف قدرات الدول الثلاث على الصعيد النووي، إذ يُعتقد أن روسيا تمتلك العدد الأكبر من الأسلحة النووية بـ6370 سلاحاً نووياً، فيما تمتلك الولايات المتحدة نحو 5800، بينما يمتلك الجيش الصيني قرابة 272 سلاحاً نووياً.
مضمار آخر لسباق القدرات العسكرية، عكسه ما يعرف بالطائرات المسيرة المسلحة الـ”درونز”، التي ووفق مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، باتت ساحة مهمة للتنافس بين القوى الكبرى لا سيما الدول الثلاث. وبحسب “فورين أفيرز”، فإن حرب الطائرات المسيرة أصبحت إحدى أبرز تطورات الأمن الدولي للقرن الـ21، ومن المرجح لمعارك هذه الطائرات أن تصبح أكثر شيوعاً في السنوات المقبلة، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الولايات المتحد تمتلك أكثر المسيرات تقدماً في العالم.
أي مستقبل خلف سباقات التسلح؟
مع استبيان حجم التسارع العالمي غير المسبوق نحو تكديس الترسانات الوطنية بالأسلحة التقليدية وغير التقليدية، تتباين تحليلات مراقبين تحدثوا لـ”اندبندنت عربية” بين الأسباب والدوافع التي تقود إلى هذا السباق العالمي لا سيما الدول الكبرى، والتداعيات المحتملة لاستمراره.
فمن جانبه، يقول العميد المتقاعد صفوت الزيات، المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، إن تعدد وتزايد بؤر التوتر والصراع حول العالم دفعت إلى سباق تسلح “خطير” بين الدول الكبرى قد لا نشهد نهاية له في السنوات القليلة المقبلة لتعارض مصالح تلك الدول بشكل مستمر. ويضيف “في ظل حالة عدم اليقين التي تحكم عدداً من اتفاقات خفض التسلح بين الدول الكبرى لا سيما والولايات المتحدة وروسيا، نجد أن التوترات تتصاعد بين الحين والآخر، وذلك في وقت لم تهدأ فيه التوترات النووية كذلك والسباق المحموم نحو تعزيز القدرات النووية ما قد يزيد من مخاطر احتمالات أي مواجهة بين الدول العظمى”.
وفي تحليل مطول نشرته مجلة “فورين أفيرز”، حذرت من حالة عدم الاستقرار الاستراتيجي بين واشنطن وموسكو وبكين، التي تهدد بتحويل أي حادث بسيط إلى كارثة، تؤدي إلى نهاية العالم.
التنافس المتنامي بين واشنطن وبكين وموسكو دفع لزيادة نسب الإنفاق العسكري حول العالم (أ ف ب)
وذكر التحليل، الذي كتبه ستيفن ويرثيم، نائب مدير البحوث والسياسات بمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول والباحث في معهد أرنولد سالتزمان لدراسات الحرب والسلام بجامعة كولومبيا، أن استراتيجية واشنطن ما بعد الحرب الباردة، منحت مكانة للتهديدات والأساليب العسكرية، وبنت شكلاً من أشكال التكامل العالمي الذي يخدم المصالح المباشرة لعدد قليل من الناس، ولكنه يعرض للخطر المصالح طويلة الأجل لكثيرين. وهي أولويات خطأ.
وتابع “الآن وبينما تكافح واشنطن لإنقاذ نفسها يتكثف التنافس الجيوسياسي بين الدول الكبرى في خدمة تعظيم القوة العسكرية، وأن احتمال أن تصبح الصين أكثر عدوانية إذا استمرت في النمو بشكل أقوى، يعد مصدر قلق مشروع”.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2018، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أن وزارة الدفاع (البنتاغون) تضغط بقوة على شركات إنتاج الأسلحة لتحويل العديد من البحوث التقنية في مجال الصواريخ والأنظمة الأسرع من الصوت إلى واقع، للحاق بروسيا والصين في سباق عالمي جديد للتسلح في هذا المجال الخطير، الذي أصبح الهدف فيه ضرب أي مكان في العالم في أقل من ساعة، فضلاً عن بحث مسألة معاودة التجارب النووية، لأول مرة منذ 1992، وهو ما قال عنه مراقبون حينها إن “هندسة الأمن العالمي باتت على وشك الانهيار، وأن سباق التسلح بين القوى الكبرى الولايات المتحدة وروسيا والصين وتطوير أنظمة هجوم جديدة تعتمد رؤوساً نووية أصغر قد تؤدي يوماً ما إلى إسقاط المحرمات المتعلقة باستعمال السلاح النووي”.
من جانبه، وبحسب اللواء أركان حرب صفوت الديب، مدير كلية الحرب العليا الأسبق في القاهرة، فإن انسحاب الدول الكبرى من معاهدات عسكرية لطالما كانت مقيدة لرغبتها في التطوير اللامحدود لقدراتهم العسكرية، مثل الانسحاب من معاهدة “ستارت”، من شأنه أن يخلق بيئة مناسبة للعودة إلى السنوات التي كانت أبرز ملامحها سباقات التسلح.
وذكر الديب أنه في الوقت الذي نشهد فيه سباقاً محموماً على التسلح في كل المجالات، إلا أن تفوق وهيمنة الولايات المتحدة كقوة أولى في العالم، لن يشهد تهديداً حقيقياً على المدى المنظور، إذ لا تزال تستأثر بنحو 40 في المئة من الموازنات العسكرية حول العالم بإجمالي نفقات تتجاوز 700 مليار دولار، وهو الرقم الذي يتجاوز إنفاقات الدول العشرة التالية لها مجتمعة، كذلك تسبق الولايات المتحدة بمسافات طويلة كل من الصين وروسيا في الميادين الحديثة للتنافس الاستراتيجي كالفضاء والأمن السيبراني والأسلحة المتطورة.