ما حدث مع الكربولي يمثل هزة للمشهد السياسي ونقطة لفتح ملفات فساد وقتل
أحمد السهيل مراسل @aalsuhail8
يعود الحديث عن لجنة مكافحة الفساد التي أنشأها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إلى الواجهة مرة أخرى، بخاصة بعد عملية اعتقال زعيم حزب “الحل” جمال الكربولي، التي تؤشر إلى تصاعد ملحوظ في عمليات الإطاحة بالمتهمين في قضايا فساد.
وتعد عملية الاعتقال تلك، نقلة نوعية في سياق عمل اللجنة، إذ إنها المرة الأولى التي يطاح بها بشخصية سياسية من زعماء الصف الأول للنظام العراقي، بعد أن كانت تقتصر عمليات إلقاء القبض على مديرين عامين ورؤساء هيئات ومؤسسات، من دون المساس بأي شخصية سياسية وازنة، في بلاد تتذيل بشكل دائم سلم الشفافية والنزاهة.
وشكلت لجنة مكافحة الفساد نهاية أغسطس (آب) 2020، برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف المسؤول البارز في وزارة الداخلية العراقية، ونفذت عمليات اعتقال عدة بحق متهمين بقضايا فساد.
هزة للمشهد السياسي
يرى مراقبون أن ما حدث مع الكربولي يمثل هزة للمشهد السياسي، وناقوس خطر يهدّد عديداً من الشخصيات البارزة، وربما تمثل نقطة شروع في فتح ملفات فساد وقتل تتهم فيها أطراف وازنة في النظام السياسي.
وحاصرت قوة خاصة تابعة للجنة مكافحة الفساد منزل الكربولي في الساعات الأولى من فجر الأحد 18 أبريل (نيسان)، بهدف اعتقاله.
وقامت القوة الأمنية أيضاً باعتقال نجل شقيق زعيم حزب الحل لؤي الكربولي بتهم فساد، الذي تربطه صلات بحسب التسريبات برجل الأعمال بهاء الجوراني والمدير العام في وزارة الكهرباء رعد محمد.
وتشير التسريبات إلى أن عملية الاعتقال جرت وفق مذكرة قضائية مستندة إلى اعترافات أدلى بها الجوراني، وترتبط بقضية فساد تتعلق بوزارة الصناعة التي يديرها منهل عزيز الخباز وزير الصناعة مرشح الكربولي للوزارة.
وقالت وسائل إعلام محلية نقلاً عن مصادر بتورط الجوراني بملفات فساد بمليارات الدولارات خلال الفترة التي كانت فيها وزارة الصناعة في عهدة الكربولي وعائلته”.
وتوضح التسريبات أن زعيم حزب “الحل” جمال الكربولي حاول الحصول على وساطات سياسية بهدف منع عملية الاعتقال، إذ تم تداول معلومات تشير إلى وساطة فاشلة قام بها زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري.
في المقابل، نفى العامري تدخله في القضية، وقال في بيان “ننفي نفياً قاطعاً المزاعم التي تداولتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن تدخل العامري بقضية اعتقال شخصية سياسية”.
وتابع “نؤكد أن زج اسم زعيم تحالف الفتح في هكذا مواضيع يندرج ضمن حملات التسقيط السياسي، لا سيما مع اقتراب الانتخابات”.
ولم تتمكن “اندبندنت عربية” التواصل مع النائب محمد الكربولي شقيق زعيم حزب “الحل” حول تلك القضية.
تمهيد لفتح ملفات أكبر
ولعل استمرار محاصرة منزل زعيم حزب “الحل” لثلاث ساعات قبل إلقاء القبض عليه، يمثل تأكيداً على التسريبات التي تحدثت عن وساطات سياسية لشخصيات رفيعة بضمنها زعماء كتل شيعية، في محاولة لعرقلة تنفيذ أمر إلقاء القبض.
ويمتلك الكربولي كتلة برلمانية من 12 نائباً، بينهم شقيقه محمد الكربولي، فضلاً عن امتلاكه قناة “دجلة” الفضائية، التي تعرضت العام الماضي للحرق والإغلاق.
وحتى أيام قليلة كان الكربولي جزءاً من تحالف القوى العراقية الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، إلا أنه انسحب قبل نحو أسبوع لينضم إلى تحالف جديد باسم “عزم” ويتزعمه السياسي البارز خميس الخنجر.
ويعتقد مراقبون أن الدافع الأبرز للوساطات السياسية في قضية الكربولي، مخاوف ساسة الصف الأول من أن تكون ممهدة لاعتقالات أوسع قد تطال زعماء آخرين في الفترة المقبلة.
في غضون ذلك، تؤكد مصادر رفيعة أن “قائمة طويلة يجري إعدادها في لجنة مكافحة الفساد ترتبط باتهامات لوزراء ومسؤولين سابقين بقضايا فساد”.
وتشير المصادر لـ “اندبندنت عربية”، إلى أن “الملاحقات في تلك القضايا لن تتوقف عند هذا الحد، وستستمر في ملاحقة قضايا الفساد مهما كان حجمها”.
تفاؤل غير متحقق
في المقابل، يقول الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، إن عملية اعتقال الكربولي تمثل “نقلة نوعية في نسق ملاحقة المتهمين بقضايا فساد، إلا أن فيها عديداً من المحاذير”.
ويوضح أن “توقيت العملية مع اقتراب موعد الانتخابات وتأثيرها على الرأي العام العراقي، فضلاً عن نوع وطبيعة المستهدف يبينان أن البعد السياسي حاضر في القضية”.
وبحسب الشريفي، فإن “عدم تحريك ملفات فساد لشخصيات أخرى من الصف الأول، يعطي انطباعاً بوجود دوافع سياسية”، مردفاً “كان على لجنة مكافحة الفساد أن تكون بعيدة عن المؤثرات السياسية”.
ويشير إلى أن “عنصر التفاؤل في إمكانية أن تكون تلك العملية ممهدة لعمليات تسقط رؤوساً أكبر غير متحقق على المستوى العراقي”، مبيناً أن “الشارع العراقي يعتقد أن تلك اللجان تخضع للمؤثرات الحزبية خصوصاً مع عدم تمكنها من الإطاحة بشخصيات تنتمي لأحزاب كبيرة، ولها امتدادات إقليمية قوية”.
ويبدو أن المؤثر الإقليمي ما يزال حاضراً في تحريك تلك الملفات، كما يعبّر الشريفي الذي يلفت إلى أن، هذا الأمر بالإمكان الاستدلال عليه من خلال “صياغة شكل المرحلة السياسية على مقاسات الأحزاب من خلال قانون الانتخابات والمفوضية وغيرها، ما يعني أن تحريك ملفات تمس مصالح اللاعبين الإقليميين لا يزال صعباً”.
مخاوف واحتمالات ترتبط بالسباق الانتخابي
وفي مقابل طيف من المتفائلين بإمكانية أن تكون تلك العملية مقدمة لعمليات أخرى ستطال كبار الفاسدين في البلاد، يبدي مراقبون تخوفهم من احتمالية أن تكون تلك العملية على صلة بالسباق الانتخابي ومحاولات إخلاء الساحة من المنافسين.
ويقول الكاتب الصحافي محمد حبيب إن “لجنة مكافحة الفساد عادت إلى الواجهة من جديد بعد فترة هدوء، بعد إثارة تساؤلات عن مدى مواجهتها مصاعب سياسية تمنعها من العمل”.
وعلى الرغم من الحديث بإيجابية عن قضية اعتقال الكربولي، يشير حبيب إلى “مخاوف عدة عبّر عنها سياسيون تتعلق بالتساؤلات حول ارتباط الشخصيات المستهدفة بالتنافس السياسي”، مبيناً أن “الحلبوسي يخوض منافسة شديدة لتثبيت حزبه الجديد، الأمر الذي يعزز تلك التساؤلات”.
ويضيف “أي عمليات لمكافحة فساد يجب أن تدرس لتكون محايدة وبعيدة عن خدمة طرف دون آخر، بخاصة مع صعوبة الحديث عن براءة غالبية الأطراف النافذة من الفساد”.
ويلفت أنه “في مقابل تلك التساؤلات، هناك من يقول، إن القضية لا علاقة لها بالتنافس الانتخابي وتمثل استمراراً في متابعة خيوط قضايا فساد فتحت العام الماضي، وأدت التحقيقات إلى الإطاحة بشخصيات بهذا الحجم”.
كسر الحاجز
ويبدو أن لقضية اعتقال الكربولي أكثر من رسالة، إذ يرسم مراقبون مسارات عدة تتعلق باحتمالية أن تكون محاولة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لكسر حاجز ملاحقة زعماء الصف الأول.
في السياق ذاته، يقلل الصحافي العراقي مصطفى المسعودي من إمكانية أن تكون تلك الملاحقات ذات أبعاد انتخابية.
ويقول، إن “عديداً من الشخصيات التي عليها ملفات فساد قائمة وتتنافس مع الحلبوسي لم يتم استهدافها، على الرغم من سهولة ذلك”.
ويرجح المسعودي أن يكون هذا النسق المتصاعد في ملاحقة المتورطين بقضايا فساد يحتمل مسارين، يتمثل الأول في “محاولة الكاظمي إثبات قوته أمام العراقيين في حسم تلك القضايا قبل الانتخابات”، أما الآخر فيتعلق باحتمالية أن يكون هذا الملف “ممهداً لعمليات أوسع قد تطال في المرة المقبلة قادة شيعة من الصف الأول”.