استراتيجية بايدن في التواصل تصيب الجمهوريين بالجنون

وصفها أحد الناشطين في حملات الجمهوريين لمجلس النواب بـ”الكابوس”

أندرو فاينبيرغ صحافي

إذا كانت هناك فكرة مبسطة تُلخص انتصار جو بايدن على التيار التقدمي المتطرف في الانتخابات التمهيدية، فإنها تتمثل في ذلك القول المأثور بأن “تويتر” ليس هو الحياة الحقيقية. فمنذ أن تولى بايدن الرئاسة في يناير (كانون الثاني) الماضي، انتهج استراتيجية اتصالات متثاقلة ومملة للغاية بشكل متعمد تماشياً مع قاعدة مُشابهة لكنها ذات صلة، تفيد بأن الحُكم ليس هو الحضور على التلفزيون.

وحتى صباح 13 أبريل (نيسان)، أفاد متعقبو البيانات الرئاسية في موقع “فاكت بي أي أس إي” (Factba.se)، بأن بايدن نطق بـ 228836 كلمة منذ أدائه اليمين. ولقد جاءت معظم هذه الكلمات في شكل تصريحات جاهزة أثناء ظهوره في مناسبات مرتبة مسبقاً استقبل بعدها مجموعة صغيرة من الأسئلة الثمينة. وحتى بعد إضافة ما أورده في مؤتمره الصحافي الوحيد في الغرفة الشرقية [من البيت الأبيض] وفي لقاء تلفزيوني مفتوح عقده بعد شهر واحد من ولايته، فإن الرجل الذي أطلق على نفسه ذات مرة اسم “آلة زلة اللسان” تمكن من تمضية أيامه الـ83 الأولى في المنصب من دون أي زلة لسان على نحو ملحوظ. وربما يكون أهم تصريح إخباري أدلى به حديثاً هو قوله خلال مقابلة مع قناة “إي أس بي أن” بأنه سيدعم دوري البيسبول إذا اتّخذ قرار بنقل مباراة “كل النجوم” التي تُعتبر موضع فرجة وطنية، بعيداً من “أتلانتا”، بسبب القيود التي فرضتها ولاية جورجيا أخيراً على التصويت.

وبالنسبة إلى الجمهوريين الذين يتطلعون لاستغلال خطأ أو زلة كبيرة، فإن استراتيجية “القليل أفضل من الكثير” التي يتبعها بايدن لا تمنحهم خيارات كثيرة.

ووصف أحد النشطاء الجمهوريين في حملات مجلس النواب، عندما سُئل عن جهود حزبه في جعل بايدن، وبالتالي أجندته، غير مستساغ من قِبَل غالبية الأميركيين، “إنها كابوس”.

وفي معظم الأحيان، جاء رد الجمهوريين على بدايات إدارة بايدن والسيطرة الديمقراطية المصاحبة لها على الكونغرس، من طريق العودة إلى قواعد العمل التي اتّبعوها في عهد أوباما. وهذا يعني رفض تقديم الدعم لأي مبادرة تشريعية رئيسية تطرحها الإدارة، تماماً كما فعلوا مع “قانون التعافي وإعادة الاستثمار الأميركي” في 2009 والتشريعات التي أعقبته.

وآنذاك، عمل الحزب الجمهوري أيضاً على تصوير أوباما وسياساته بغير المستساغة والمتطرفة على نحو غامض، عبر استخدام مصطلحات عنصرية في كثير من الأحيان. ولقد نجح هذا الأسلوب في تشويه صورته [أوباما] وصورة الحزب الديمقراطي في نظر عديد من الناخبين. ومثلاً، حينما أورد أوباما خلال مؤتمر صحافي في يوليو (تموز) 2009 أن ضابط شرطة في “كامبريدج” بولاية ماساتشوستس “تصرف بغباء” باعتقال الأستاذ في جامعة هارفارد هنري لويس غيتس في منزله، أشار النائب الجمهوري عن ولاية آيوا آنذاك ستيف كينغ إلى أن التصريح “أظهر أن (أوباما) لديه آلية مسبقة تنحاز إلى جانب العرق الذي [يفضل] الشخص الأسود”. ولقد حظي تصريح أوباما بتغطية وسائل الإعلام المحافظة على مدى أسابيع إلى درجة أن الرئيس شعر بالحاجة إلى دعوة غيتس وضابط الشرطة إلى البيت الأبيض. وفي مذكراته، “أرض الميعاد”، كتب الرئيس السابق أن استطلاعاً داخلياً للبيت الأبيض في ذلك الوقت أظهر أن تلك الحادثة وحدها كلفته دعم البيض أكثر من أي حادثة أخرى خلال فترته الرئاسية.

لقد أخبرني كورت بارديلا، وهو ناشطُ تواصلٍ سابق في الحزب الجمهوري عمل كمتحدث باسم الجمهوريين في لجنة الرقابة بمجلس النواب خلال إدارة أوباما، أن نجاح بايدن في تجنّب مصائد الحرب الثقافية وزلات اللسان التي يمكن أن تستخدم كسلاح من قبل شخصيات إعلامية محافظة، يُظهر أن بايدن وفريقه “تعلموا دروساً كثيرة من تجربة السنوات الأولى للرئيس أوباما”.

وأضاف بارديلا أن “البيت الأبيض خلال ولاية أوباما كان ساذجاً في نظرته للجمهوريين والضرر الذي قد يسببه الجمهوريون للإدارة،” مضيفاً أنه في رأيه، “انخرط فريق بايدن في هذا [إدارة البيت الأبيض] بعيون مفتوحة على اتساعها”.

أوضح ذلك الاستشاري في الحملات الانتخابية الخاصة بالحزب الجمهوري، وهو مخضرم في سياسة الرئاسة والكونغرس، أن تحفّظ بايدن النسبي، إضافة إلى سنّه وعرقه، يُصعّب على الجمهوريين شنّ هجمات مبنية على الحرب الثقافية ضده.

“لن يعترف أي شخص بهذا بشكل رسمي، لكن من الصعب حقاً الترويج لسلبيات رجل أبيض وودود ولطيف، يورد أشياء لطيفة وإيجابية في معظم الأوقات”.

بدلاً من ذلك، عاد الجمهوريون إلى تكتيك فاشل استُخدِم أول مرة من قبل الرجل الذي هزمه بايدن في 2020. ويتمثل ذلك التكتيك في نعته بالخرف والإشارة إلى أنه دمية.

أحد هؤلاء الجمهوريين، وهو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس جون كورنين، غرّد أخيراً على “تويتر” مشيراً إلى أن اقتصار بايدن في تصريحاته على تلك التي يجري إعدادها مسبقاً وتجنبه المناسبات العفوية، قد أثار تساؤلات حول كونه ممسكاً حقاً بزمام السلطة التنفيذية.

عندما سُئلتْ عن تغريدة كورنين يوم الاثنين الماضي، ردّت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض جين بساكي أنها تستطيع “تأكيد أن رئيس الولايات المتحدة لا يقضي وقته في التغريد بنظريات المؤامرة” لأنه “يقضي وقته في العمل لمصلحة الشعب الأميركي”.

وأوضح بارديلا أنه على الرغم من الظهور المحدود لبايدن منذ صار رئيساً، إلا أنه كان “متواصلاً فعالاً للغاية من حيث مستوى الثقة والصدقية التي يتحدث بها”، حينما يتحدث. وأضاف أن ادعاء كورنين بأن بايدن ليس الذي يمسك بزمام الأمور حقاً لأنه ليس حاضراً بقوة في وسائل الإعلام مثل سلفه [ترمب]، يُظهر أن الجمهوريين “يائسون لفعل أي شيء مجنون حتى لا يضطروا إلى التحدث فعلياً عن جوهر أجندة بايدن، التي تحظى بشعبية ساحقة، حتى مع الناخبين الجمهوريين”.

“البيت الأبيض في عهد بايدن لن ينساق وراء الجمهوريين، ولا ينبغي له ذلك. كلما زاد تذمرهم بشأنها، تعزز اليقين أكثر بأن الاستراتيجية التي يتبعها [بايدن] تشكل الاستراتيجية الصحيحة”.

© The Independent