الأمل معقود على استخدامه في علاج المرضى داخل منازلهم مع كونه رخيصاً ومتوفراً
سامويل لوفيت صحافي
ثبت أن دواء يؤخذ من طريق الاستنشاق ومستخدم بشكل شائع لعلاج الربو يُخفض فترة تعافي مرضى “كوفيد-19” ممن لا يحتاجون إلى علاج في المستشفى. وقد وُصف هذا التطور بأنه “نقطة تحول مهمة” في مكافحة فيروس كورونا.
وقد اكتشف علماء بريطانيون في “جامعة أكسفورد” أن “بوديزونيد” budesonide، علماً أنه دواء مضاد للالتهابات، في مقدوره مساعدة مرضى كورونا ممن تفوق أعمارهم 50 سنة، على الشفاء بسرعة أكبر، إذ يخفض فترة التعافي ثلاثة أيام. ويتميز الدواء بأنه متوفر فعلاً، ويُعطى في جهاز استنشاق رخيص الثمن مرتين يومياً لمدة قد تصل إلى 14 يوماً، في المستطاع أخذه بناء على وصفة الأطباء العامين، ما يعزز الأمل في أن يتمكن الأطباء من البدء في استعماله علاجاً لمرضى “كوفيد- 19” في المنزل، في مرحلة مبكرة من المرض.
واستناداً إلى ذلك، أصدرت هيئة “الخدمات الصحية الوطنية” (أن أتش أس) NHS توجيهات طبية جديدة تنص على ضرورة أخذ الدواء المذكور في عين الاعتبار لدى علاج المرضى، “وفق كل حالة على حدة”.
وكذلك أشاد خبراء بالنتائج المؤقتة التي خلُصت إليها تجربة نهضت بها شركة “برينسيبال” Principle في المملكة المتحدة، باعتبارها إنجازاً كبيراً في علاج “كوفيد-19” خارج المستشفى. ومن بين أولئك الخبراء، البروفيسورة غيل هايوارد من “جامعة أكسفورد”، وهي باحثة رئيسة مشاركة في التجربة، التي ذكرت في إحاطة إعلامية، “أعتقد أن هذا (التقدم المحرز في تحديد الدواء) يترك انعكاسات مهمة على العالم، ذلك أنه للمرة الأولى يثبت علاج أنه يعود بالنفع على مرضى (كورونا) في مجتمعهم” (بعيداً من المستشفى). وأضافت البروفيسورة هايوارد إن “غالبية المرضى الذين يصابون بـ “كوفيد” موجودون في المجتمع. وأن يتوفر دواء في وسعه أن يساعدهم في الشعور بالتحسن قبل ثلاثة أيام (من فترة التعافي المعروفة)، لهو أمر شديد الأهمية”.
وفي التفاصيل يرد إنه ضمن دراسة “برينسيبال”، عولج 751 مصاباً يعانون أعراض “كوفيد-19” بدواء “بوديزونيد” في المنزل طوال 14 يوماً. وقد عقدت الدراسة مقارنة بين التحسن الذي شهدته الحالة الصحية لهؤلاء المُصابين، والتقدم المُحرز في علاج ألف و28 مريضاً اكتفوا بتلقي العلاجات الاعتيادية المعتمدة لدى “أن أتش أس”.
وكذلك اختير المرضى من مجموعتين عرضة لمواجهة أشكال حادة من “كوفيد”، وتشملان مصابين تجاوزوا الـ 65 عاماً، وآخرين تراوحت أعمارهم بين 50 و64 عاماً ويكابدون أمراضاً مصاحبة [لإصابتهم بكورونا]، من بينها ضعف الجهاز المناعي وأمراض القلب والرئة. وبالنتيجة، أظهرت النتائج أنه من بين المرضى الذين تلقوا عقار الربو، تقلص متوسط الوقت المقدر للشفاء، استناداً إلى تقريرهم الشخصي، 3.01 أيام بالمقارنة مع مجموعة الضبط.
وفي سياق متصل، ذكر البروفيسور كريس بتلر، كبير الباحثين المشاركين في التجربة وبروفيسور في الرعاية الصحية الأولية، إن الدواء “يساعد المرضى المعرضين أكثر من سواهم لخطر معاناة مضاعفات صحية أسوأ جراء “كوفيد-19″، على أن يتعافوا بشكل أسرع، ويبقوا بصحة جيدة عندما يتماثلون للشفاء، فضلاً عن أنه يعمل على تحسين صحتهم العامة”.
وعلى نحو مشابه، لفت البروفيسور ريتشارد هوبز، كبير الباحثين المشاركين في الدراسة، إلى أنه “على عكس العلاجات الأخرى المثبتة، يمتلك “بوديزونيد” فاعلية كعلاج منزلي، خلال المراحل الأولى من المرض. ويشكل ذلك نقطة تحول مهمة في الجائحة وإنجازاً رئيساً للبحوث المجتمعية”. وفي تفاصيل ذات دلالة، تعافى 32 في المئة تقريباً ممن تناولوا “بوديزونيد” في التجربة، مقارنة بـ 22 في المئة من المجموعة التي تلقت الرعاية الصحية المعتادة، وذلك خلال الأيام الـ 14 الأولى من علاجهم، مع العلم أن متابعتهم استمرت 28 يوماً.
ووفق رأي صادر عن العلماء المشاركين في الدراسة، يتوجب المضي في عملية تقويم حالة المرضى الصحية سعياً إلى معرفة إذا كان “بوديزونيد” يمنع أيضاً تطور “كوفيد الطويل الأمد” لدى المصابين بفيروس كورونا. وفي هذا الصدد، أفاد البروفيسور بتلر أن “بياناتنا لا تغطي سوى 28 يوماً من المتابعة. سنتابع هؤلاء الأشخاص في وقت لاحق لفترة أطول، وسنتمكن حينذاك من التحدث بشأن “كوفيد الطويل الأمد” بصورة أشمل”.
وكذلك ظهر في الدراسة أيضاً بعض المؤشرات المبكرة على أن الدواء يحول دون دخول المرضى إلى المستشفى بسبب “كوفيد-19”. ومثلاً، من بين المرضى الذين أتموا 28 يوماً من المتابعة في الدراسة، نُقل 8.5 في المئة من مجموعة “بوديزونيد” إلى المستشفى بسبب تفاقم أعراضهم، في مقابل 10.3 في المئة من المجموعة التي تلقت الرعاية الصحية المعتادة (مجموعة الضبط).
وعلى الرغم من ذلك، يرى الباحثون إنه نظراً إلى أن عدد الأشخاص الذين أدخلوا إلى المستشفى أقل من المتوقع، وفي ظل التراجع المتواصل لإصابات كورونا وحالات دخول المستشفى في المملكة المتحدة، يعجز التحليل المؤقت، المنشور في نسخة أولية، عن أن يثبت قدرة “بوديزونيد” في تقليص خطر دخول المصابين بكورونا إلى المستشفى. وجدير بالإشارة أن التجربة توقفت في 31 مارس (أذار) 2021، حينما بات الباحثون واثقين من أن عقار “بوديزونيد” يخفض فترة التعافي من كورونا.
وفي المقابل، تستند النتائج التي توصلوا إليها من بيانات تغطي حتى 25 مارس، مما يعني أنها لم تُنجز بشكل كامل بعد. واستطراداً، فحالما تنتهي متابعة جميع المرضى المتبقين ويتوصل العلماء إلى تحليل كامل، ستُنشر نتائج تفصيلية بشأن فترة التعافي، ومسألة الدخول إلى المستشفى.
وفي تفاصيل أخرى، طُلب من المرضى الذين عولجوا بـ “بوديزونيد” أن يستنشقوا 800 ميكروغرام منه مرتين يومياً لمدة 14 يوماً، وخضعوا للمتابعة طيلة 28 يوماً. وقد ذكر الباحثون إن بعض المشاركين في دراستهم توقفوا عن تناول الدواء قبل مضي الـ 14 يوماً المقررة، ذلك أن الناس يميلون إلى الكف عن ذلك [تناول الدواء] حينما يشعرون بتحسن.
وفق البيانات، استخدم 80 في المئة من المشاركين في التجربة “بوديزونيد” لمدة سبعة أيام في أقل تقدير. وفي هذا الشأن، أشارت البروفيسورة منى بافاضل من “جامعة أكسفورد”، وهي طبيبة استشارية في أمراض الجهاز التنفسي، إلى احتمال أن تكون خصائص الدواء المضادة للالتهابات ساعدت في تسريع الشفاء من “كوفيد- 19″، مشيرة إلى أنه “من الجائز” أن الدواء يقلص أيضاً من تكاثر الفيروس.
وتحدث في هذا الشأن البروفيسور ستيفن بويس، المدير الطبي الوطني لهيئة “الخدمات الصحية الوطنية لإنجلترا” (إن آتش إس إنغلاند) NHS England. وبحسب كلماته، “يسعدنا أن نشهد هذه النتائج التجريبية عن دواء يمكن أن يساعد المصابين بـ “كوفيد-19″ على التعافي بسرعة أكبر في المنزل، بدلاً من دخول المستشفى”. وتابع البروفيسور بويس، “بينما ننتظر نتائج التجربة النهائية، ربما يرغب الأطباء العامون التفكير في إعطاء مرضاهم دواء “بوديزونيد” الذي يؤخذ بالاستنشاق حينما يرون أنه يعود بفائدة طبية عليهم، بعد التشاور معهم بشأن هذا القرار”.
وفي إطار واسع، تعتبر دراسة “برينسيبال” التي أشرفت عليها “جامعة أكسفورد”، التجربة العشوائية الأكبر في العالم للعلاجات المجتمعية التي تستهدف “كوفيد-19”. وقد ذكر باحثون إنهم يعتزمون الآن البدء في تقويم تأثير “بوديزونيد” في مرضى “كوفيد” ممن تخطوا الـ 18 عاماً ويعانون أمراضاً مصاحبة أو ضيقاً في التنفس.
في مقلب مغاير، ذكرت الدكتورة بيني وارد، أستاذة زائرة في الطب الصيدلاني في “كينجز كوليدج لندن” Kings College London، إنه لا بد من صقل التجربة بهدف خدمة البحوث مستقبلاً. وأوضحت وجهة نظرها، مشيرة إلى أن “دراسة “بوديزونيد” كانت عشوائية [تشكل العشوائية شرطاً مهماً في البحوث العلمية، وتعني عدم انتقاء من تطبق عليهم التجربة بطرق قد تحمل انحيازاً مسبقاً].
وفي المقبل، كانت الدراسة نفسها “مفتوحة التسمية”، بمعنى أن كلاً من الباحثين والمرضى كانوا على علم بالدواء المُعتمد [في التجربة]”. وختمت الدكتورة وارد بالإشارة إلى إنه “في التجارب التي تتضمن نسبة مرتفعة من إبلاغ المشاركين بأنفسهم عن النتائج، يكون هذا الإعداد [التسمية المفتوحة] أقل من المستوى الأمثل. لذا، كان من الأفضل إجراء دراسة منضبطة تتلقى فيها مجموعة الضبط علاجاً وهمياً لا يترك تأثيراً فعلياً لدى المرضى، منعاً لأي تقويم متحيز من جانب المريض والباحث”.
© The Independent