الاقتصاد العالمي عامر بالفرح من انتعاش مقبل لكن الحذر واجب


ثلاثة مجالات رئيسة تثير القلق من مشكلات ربما ستأتي في ظل التفاؤل بالتعافي العالمي

هاميش ماكراي صحافي وكاتب @TheIndyBusiness

حين تغدو الحياة صعبة، يعمد الأقوياء إلى الشراء. فبدءاً من بداية هذا الأسبوع، أعيد فتح  (معظم) المتاجر في المملكة المتحدة، وستقدم الحانات والمطاعم خدماتها في الهواء الطلق، وستتوافر مجدداً أنشطة أخرى متنوعة. ومن المؤسف أن الندوب التي خلفتها الجائحة ستبقى، لكن متاجر البيع بالتجزئة ستشعر مرة أخرى بأنها أكثر طبيعية بعض الشيء.

إذاً، ماذا بعد؟ سيحصل ازدهار. جربوا الحصول على إحدى طاولات المطاعم في الهواء الطلق أو حجز موعد في صالون تصفيف الشعر وستشعرون بالطلب المكبوت. لكن هذه ليست مجرد ظاهرة بريطانية، بل إنها ظاهرة عالمية، إذ إن كل اقتصاد لجم نشاطه (بسبب كورونا) أصبح الآن على وشك الانطلاق.

لقد فتحت الولايات المتحدة اقتصادها إلى حد كبير، وبدأت شيكات التحفيز تحط في الحسابات المصرفية. وفي أوروبا، هناك حالة تجميد، تتأتى من أن المعدلات المرتفعة لحالات “كوفيد” (بل الوفيات أيضاً، وفق ما أخشى) أدت إلى إلزام فرنسا وألمانيا بفرض قيود صارمة. لكن طرح اللقاحات يتسارع. وفي هذا المعنى، لن تتخلف أوروبا أكثر من ستة إلى ثمانية أسابيع بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وعلى غرار معظم الاقتصادات، تكون الاختلافات أقل أهمية من أوجه التشابه.

إذاً، فقد اتخذت الأسواق المالية قرارها. تسجل الأسهم ارتفاعات غير مسبوقة في أغلب الأحوال، والمملكة المتحدة هي الوحيدة بين الأسواق الكبرى التي تشهد تخلفاً بسيطاً. كذلك تسجل أسعارالعقارات السكنية ارتفاعات قياسية في كل مكان تقريباً، حتى لو أن (مستقبل الطلب على) سوق المكاتب وأماكن التسوق غير مؤكدة للأسباب الواضحة كلها. وترتفع أسعار المواد الخام، لا سيما المعادن النادرة التي تحتاج إليها البطاريات. وتدور التساؤلات التي تقلق مجتمع الاستثمار حول الشيء الذي قد يحصل فيؤدي إلى نهاية هذا الازدهار، ومتى قد يحدث ذلك، بدلاً من التشكيك في صلابة الازدهار ذاته.

وبذا، تحولت الجهات المولجة بوضع التوقعات من كآبة العام الماضي إلى ترجيح أقوى انتعاش منذ 40 سنة على الأقل. إذ توقع “صندوق النقد الدولي” الأسبوع الماضي نمواً عالمياً بنسبة ستة في المئة هذا العام.

وقبل سنة واحدة، لم يكن مألوفاً على الإطلاق أن نتفاءل بقدرة الاقتصاد العالمي على الصمود، وكذلك من غير المألوف الآن أن نتوخى الحذر. فقد فاجأت أولغا بيتل، الخبيرة الاستراتيجية العالمية لدى مؤسسة “ويليام بلير لإدارة الاستثمار” William Blair Investment Management، المزاج السائد عبر تصريح أدلت به على موقع “بلومبيرغ” المهتم بشؤون الاقتصاد، جاء فيه إنه “من المرجح تحديداً أن تشهد الولايات المتحدة وأوروبا، “أم حالات” [إشارة إلى مصطلح “أم المعارك” الشهير] التعافي كلها على مدى السنوات العديدة المقبلة”.

ويشكل ذلك موقفاً قوياً. وفي ضوء هذه النشوة شبه الشاملة، هل تسألون عن الخطأ الذي يمكن أن يقع؟ حسناً، لا أعتقد بأن كثيراً من الأخطاء ستقع هذا الصيف. ولعل الأمر يقتصر على أن الأسواق تفوقت على نفسها وستعود إلى الانخفاض حتى التأكد من الارتفاع الهائل في عوائد الشركات الذي سيتولد عن هذا الازدهار في الطلب. ولعل التضخم يقفز، مع ارتفاع الطلب على كل شيء ومعاناة سوق العرض في تلبية هذا الطلب. ولن تهدأ بسهولة المصاعب المتمثلة في حجز موعد لقصّة شعر أو العثور على منزل للإيجار بهدف قضاء عطلة. في المقابل، سيناضل محافظو المصارف المركزية كي لا يزيدوا معدلات الفائدة، وكذلك لن يزيد وزراء المالية حول العالم الضرائب في أي وقت قريب.

وستأتي المشكلات في وقت لاحق. فكيف ستكون؟ أستطيع أن أرى ثلاثة مجالات رئيسية تثير القلق.

يتمثّل الأول في التضخم. ومن المؤكد أن هذا هو ما أعرب عنه كبير خبراء الاقتصاد في بنك إنجلترا، أندي هالداين، في خطاب ألقاه في فبراير (شباط) 2021. ولا شك في أن الأسعار سترتفع خلال الصيف لكن المسألة الحقيقية تكمن في إمكانية أن يؤدي ذلك الارتفاع إلى تضخم مستدام حتى عندما تنتهي حالة الطوارئ.

ويبرز المجال التالي في تعطل السوق على نحو ما. لا أتوقع انهيار بورصة “وول ستريت” في أكتوبر (تشرين الأول) على هذا النحو، لكني أود أن أذكر الناس ببساطة أن الانهيارات المالية تحدث وأن قيم الأسهم الحالية مرتفعة تاريخياً. لا، قد يأتي التعطل في أي وقت ويتخذ أي شكل من الأشكال. والواقع أنني أكثر قلقاً في شأن أسواق السندات بالمقارنة مع أسواق الأسهم أو العقارات. يتعين علينا أن نتذكر أن حالات الازدهار كلها تنتهي بالفعل، وسيتمثل السر في إنهاء هذا الازدهار على نحو لا يقوض الاقتصاد الحقيقي.

ويتبدّى المجال الثالث في أن نشهد حدثاً سياسياً خارجياً يدفع العلاقة المتوترة الحالية بين الولايات المتحدة والصين إلى شيء أشبه بـ”الحرب الباردة” مع روسيا. ليس هناك أي مكسب في التكهن بما قد يكون عليه هذا الأمر، ولو أن هناك كثيراً من الأوجه المحتملة.

واستطراداً، تتمثّل النقطة المهمة هنا في أن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى تفاهم القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة والصين. وهناك فرصة جيدة بأن يشهد العالم عشرينيات هادرة جديدة [إشارة إلى مرحلة العشرينيات من القرن العشرين التي شهدت نمواً سريعاً أعقب الحرب العالمية الأولى]، لكن هذا لن يحدث إلا إذا استمر العمالقة العالميون في التجارة الودية بما يكفي في ما بينهم.

في هذه الأثناء، دعونا نتمتع بالخطوات الآتية التي سنراها في رحلة العودة إلى الحالة الطبيعية، ولنأمل بأن يستمر “كوفيد- 19” في الانهزام. وحاولوا التصرف في شكل مدروس ولائق خلال هذا الصيف الوعر.

© The Independent