الأسواق المالية تشهد تحولات مهمة وتحاول إخبارنا بشيء ما


المزاج الحالي يرجح ازدهار الشركات الكبرى بغض النظر عن مجريات الأشهر القليلة المقبلة وللقصة بقية

هاميش ماكراي صحافي وكاتب

ثمة أمر ضخم يحدث في الأسواق المالية. وعلى غرار العادة في مسار الأمور حين نكون في خضم بعض التحولات الزلزالية، ليس ما ينطوي عليه الأمر واضحاً إلى حد كبير.

انظروا في ما يلي. شهد الأسبوع الماضي ارتفاعاً غير مسبوق جديد في أسعار الأسهم في أهم سوق مالي على الإطلاق، هو “وول ستريت”. وأقفل مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” عن كبرى الشركات في الولايات المتحدة، فوق أربعة آلاف نقطة. وفي أبريل (نيسان) 2016، تجاوز بالكاد الألفي نقطة. وهكذا تضاعف في خمس سنوات.

لكن، في حين نما الاقتصاد الأميركي في شكل لائق، لم يتضاعف حجمه، حتى مع بلوغ قيمة الشركات الأميركية أعلى مستوى لها، قياساً على نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، خلال نصف قرن من الزمن على الأقل. وتشهد الولايات المتحدة تعافياً قوياً. هل آفاقها أفضل حقاً من السنوات الخمسين السابقة كلها؟

والآن، فلننظر إلى أوروبا القارية. إن التقييمات الحالية قاتمة بالنسبة إلى ألمانيا وفرنسا، مع تشديد الإغلاقات. في الأسبوع الماضي، سجل مؤشر “داكس”، وهو مؤشر فرانكفورت لكبرى الشركات الألمانية، أعلى مستوى له على الإطلاق. وسجل أيضاً “كاك”، المؤشر المكافئ [لـ”داكس”] للشركات الفرنسية، أعلى مستوى له على الإطلاق.

في المقابل، ظهر المؤشر البريطاني مغايراً [لبقية مؤشرات أسواق المال الكبرى]. إذ لا يزال “فايننشال تايمز 100 “عند ستة آلاف و737 نقطة أي أقل بألف نقطة عن ذروته التي بلغها في مايو (أيار) 2018. ويتصل ذلك بالانطباعات السلبية عن المملكة المتحدة. وستستغرق هذه الانطباعات بعض الوقت قبل أن تتلاشى، لكنها في الوقت نفسه تولد فرصة عظيمة للشراء، إذ تقدم أسهم لندن قيمة أفضل بالمقارنة مع تلك المعروضة في أسواق رئيسة أخرى.

إذاً، ماذا تحاول الأسواق أن تخبرنا، بطريقتها غير المتماسكة والمتعثرة المعتادة؟ أفترض أنه بوسع المرء أن يلمس في المزاج الحالي ترجيحاً لازدهار الشركات الكبرى، بغض النظر عما قد يحدث في الأشهر القليلة المقبلة. سنشهد طفرة قوية خلال الصيف والخريف، مدفوعة بمعدلات الفائدة المنخفضة، والطلب المكبوت على البضائع والخدمات، إضافة إلى مزيد من الإنفاق الحكومي.

في المقابل، يشكل ذلك الأمر إحدى قصص الشركات الكبرى. وتتوفر صورة مختلفة تماماً عندما ننظر إلى حدث في أسواق أخرى أكثر اختلافاً عن التيار السائد. ثمة عناصر عديدة في هذا السياق. لقد شهدت الولايات المتحدة تدفقاً مطلقاً للإصدارات الجديدة، جمعت نحو 90 مليار دولار أميركي (65 مليار جنيه إسترليني) من المستثمرين في الفصل الأول من هذا العام. (هل تذكرون كيف اضطر العاملون الشباب في “غولدمان ساكس” إلى العمل ساعات رهيبة في مواجهة تلك الطفرة في الأعمال؟)

وارتبط هذا الاتجاه بارتفاع عدد الشركات المستحوذة ذات الغرض الخاص [اختصاراً، “سباكس” Spacs]. وتمثل “سباكس” شركات مدرجة في أسواق المال تعمل كل منها على جمع المال من المستثمرين بهدف الاندماج ببساطة مع شركة أخرى أو شرائها. ولقد ظلت تلك الفكرة متداولة لبعض الوقت، لكنها بلغت ذروتها في بداية هذا العام. وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، ظهر وَهَنٌ في اندفاعة شركات “سباكس”، فلقد انخفضت الأسعار.

وهناك حدث مماثل في أسواق أسهم التجزئة. إذ شهدت أسعار الشركات الصغيرة تقلبات غير عادية. وتستقطب تلك الشركات مخيلة المستثمرين في قطاع التجزئة، أولئك الذين يلتقطون بعض الأفكار من طريق موقع “ريديت” ويُجرون تداولاتهم المالية عبر منصة شركة “روبنهود”. فقد ارتفعت أسهم الشركات الصغيرة، ثم عادت إلى الانخفاض حين تلاشت الموضة. ويرى محترفو “وول ستريت” أن بعض التوقعات تلوح في الأفق.

ففي حين ظلت سوق صعود أسهم الشركات الكبرى سليمة، هناك شعور في الأسواق الهامشية بأن القشدة الواضحة في الولايات المتحدة بدأت تتلاشى. وكل من شهد النهايات القليلة في أسواق صعود أسعار الأسهم، يدرك ماهية هذا الشعور [الذي يظهر] مع اقتراب نهاية الحفلة. إذ يعني ذلك أن موعد العودة الى المنزل بات قريباً. وفي المقابل، لأن بعض أجزاء الحفلة، كتلك الأسهم المدرجة في “مؤشر ستاندرد أند بورز 500″، لا تزال مستمرة، فقد يكون من السابق لأوانه بعض الشيء أن نغادرها.

ويتلخص شعوري في ما يلي: أنشأ الجمع بين فيض المال الذي ولدته المصارف المركزية ورُهاب الإغلاق جواً غير حقيقي انتشر بين الأسواق المالية. فثمة كثير من المال، وكثير من الإحباط. وأبرز ذلك نفسه في بلدان مختلفة بطرق مختلفة. ففي الولايات المتحدة وجد المستثمرون العديمو الخبرة أنهم قادرون على جمع المال، أو خسارته، وهم يجلسون في شققهم. وفي بريطانيا، يبحث الناس عن عقارات خارج لندن وقدموا دفعة أولى في مقابل كوخ في “يوركشاير” مثلاً، من دون أن يعاينوه، ما لم يسبقهم شخص آخر إليه.

ويعتقد أشخاص آخرون، هم ربما أكثر حكمة، بأن أسهم الشركات القوية التي تحقق أرباحاً جيدة تستحق الشراء، في حين أن أسهم الشركات الجديدة، مثل “ديليفيرو”، التي لم تحقق أرباحاً أبداً وتعتمد على العمالة المؤقتة، لا تستحق الشراء. وإذا صح ذلك، يشكل البيع الفاشل لأسهم “ديليفيرو” الأسبوع الماضي إشارة إلى أن الجمود يتلاشى. إذ أظهر المستثمرون في المملكة المتحدة بعضاً من الحس السليم، بدلاً من تصديق الحملة الدعائية للمصارف الاستثمارية التي بالغت في تسعير الإصدار [لـ”ديليفيرو”].

وعلى نطاق أوسع، إذا شكل ما يحدث عودة ببساطة إلى الاستثمار بالحس السليم، فلربما يحصل سباق في العالم على مغادرة الأسواق الجامدة من دون إلحاق قدر أعظم مما ينبغي من الضرر بالاقتصاد الحقيقي. فلنعقد أصابع الرجاء.

© The Independent