هل تحول استثمارات مرفأ بيروت ألمانيا لـ”لاعب مؤثر” في الشرق الأوسط؟

دراسة المشروع تهدف إلى جعل المرفأ جزءا من العاصمة بمساحة مليون و300 ألف متر مربع

طوني بولس @TonyBoulos

لطالما عرفت ألمانيا بأنها اللاعب الصامت في الشرق الأوسط، رافعة راية “الحياد” تجاه الأزمات والصراعات، حيث نسجت علاقات اقتصادية مع معظم دوله على الرغم من احتفاظها بعلاقات متوازنة بين إسرائيل وباقي الدول العربية، نتج عنها قدرة استخباراتية واسعة النطاق ظهرت بشكل واضح في صفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل من جهة وكل من “حزب الله” وحركة “حماس” من جهة أخرى، كما لعبت أدواراً إنسانية بارزة على ساحة الصراع السوري وقدمت برامج دعم تعليمية وصحية للدول المجاورة الحاضنة للاجئين.

إلا أن السلوك الألماني يبدو أنه يشهد تحولاً من “اللاعب الصامت” إلى “اللاعب المؤثر” في التفاعلات الإقليمية، لا سيما في ملاقاة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، حيث أعلن وزير خارجيتها زيغمار غابرييل، أن بلاده تعتزم مواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط بشكل مشترك مع الأميركيين والدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة، ومن ثم إدراج “حزب الله” على قوائم الإرهاب والتعامل معه أسوة بتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، بعد ما دافعت لسنوات عن سياستها بالتمييز بين الجناح السياسي للحزب وجناحه العسكري.

أول دراسة لإعادة بناء مرفأ بيروت

وما يعزز فرضية الانخراط الألماني على ساحة التجاذبات الدولية لحجز موقع استثماري لها على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، ما كشفته شركة “هامبورغ بورت” للاستشارات ومجموعة من الشركات الخاصة الألمانية أبرزها “رولاند برغر”، “HBC”، “HHLA” و”كوليرز”، عن أول دراسة لإعادة بناء مرفأ بيروت، تقدم بشكل رسمي إلى السلطات اللبنانية، مستبقة معظم الدول الإقليمية والدولية والتي أبدت رغبتها في أكثر من مناسبة عن رغبتها بالمشاركة في إعادة بناء المرفأ وإحياء بيروت التي دمرها انفجار 4 أغسطس (آب) 2020.

ووفقاً لوكالة “رويترز” التي نقلت عن مصدر دبلوماسي مطلع على الخطة، فإن برلين ستطرح اقتراحاً وافق “بنك الاستثمار الأوروبي” على تمويل جانب منه بما قدر بين مليارين وثلاثة مليارات دولار أميركي، وسيتم بموجبه إخلاء المنطقة وإعادة بناء المنشآت، مقدرة قيمة المشروع بمجمله بين خمسة و15 مليار دولار، وأنه سيفتح أكثر من 50 ألف وظيفة، إلا أن هذه الخطة مقرونة بسلسة شروط مرتبطة بتشكيل حكومة ملتزمة بتنفيذ الإصلاحات.

توافق فرنسي ألماني

ووفق مصدر دبلوماسي على صلة بالسفارة الألمانية، فإن العمل على الدراسة المقدمة قد بدأ بعد أسابيع من انفجار مرفأ بيروت، وقد حظي بدعم وزير التعاون الدولي في الحكومة الألمانية، وأن مسألة تبينها رسمياً من الحكومة مرتبطة بالإصلاحات التي تبديها السلطات اللبنانية، مشيراً إلى أن الحكومة الألمانية تسعى لحماية الشركات الوطنية التي تبدي رغبة بالاستثمار في مرفأ بيروت، وبالتالي فإنها تنتظر خطوات من الجانب اللبناني قبل إعطاء الضوء الأخضر غير الملزم لتلك الشركات.

ولفت إلى أن أحد أبرز الممولين لتلك الدراسة سيكون البنك الأوروبي للاستثمار، نافياً أن تكون هناك محاولة ألمانية لقطع الطريق على الدور الفرنسي في لبنان، مؤكداً أن ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية التي تبذل جهوداً لوحدة الموقف الأوروبي، وأن الموقفين الفرنسي والألماني متكاملان في الرؤية الاستراتيجية، وأن فرص نجاح الاستثمار الألماني بحاجة إلى تنسيق بين الدولتين والجانب اللبناني إضافة إلى جهود المجتمع الدولي.

خطة خمسينية

وفي معرض شرحه مواصفات إعادة بناء المرفأ، أوضح أن دراسة المشروع تشير إلى أن الهدف تحويل المرفأ إلى جزء من المدينة بمساحة نحو مليون و300 ألف متر مربع، وبالتالي توسعته شمالاً بحدود 120 هكتاراً لناحية ساحل قضاء المتن شرق بيروت، حيث يتوقع أن يشمل أحياء من بيروت وإقامة أندية ومطاعم ومؤسسات إضافة إلى أرصفة المرفأ، وأنها خطة تطوير متكاملة تتجاوز المرفأ، لتكون مشروع تنمية حضرية تشمل التراث والثقافة اللبنانية.

وكشف أن الدراسة تتضمن إعادة البناء وإدارة العمليات في المرفأ لمدة 50 عاماً، كما تشمل أيضاً إنشاء طريق سريع بين القسم الذي سيضاف على المرفأ الحالي بالمباني التي تضررت بالانفجار والتي سيعاد ترميمها من جديد، والتي ستصبح منطقة عقارية كبيرة تملكها الدولة وتعود بعائدات سنوية للخزينة. 

وأضاف أن المشروع يلحظ دور لبنان السياحي على الساحل الشرقي للمتوسط، وأنه من أجل ذلك يتضمن تحويل قسم منه ليصبح مرفأ سياحياً ومقراً لانطلاق البواخر السياحية بين دول المتوسط إضافة إلى مشروع سكك للحديد تربط المرفأ بشبكة مواصلات بأطراف العاصمة.

وسلم الوفد الألماني برئاسة مدير عام شركة “هامبورغ بورت” للاستشارات سهيل ماهيني، رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب نسخة أولية عن الدراسة التي يتوقع أن يكشف عن تفاصيلها في مؤتمر صحافي لاحق.

معضلة الإفلاس

وكان السفير الألماني في لبنان أندرياس كيندل، قد أعرب في حديث تلفزيوني عن أمله في “أن يكون لدينا تحقيق شفاف لمعرفة أسباب انفجار مرفأ بيروت الذي يعتبر مهماً للبنان والمناطق التابعة له منذ أكثر من مئة عام”.

ولفت إلى أن “ألمانيا تتفهم الآمال التي يعلقها الشعب اللبناني على عملية إعادة بناء المرفأ ولكن البلاد أعلنت إفلاسها المالي والحكومة في وضع تصريف أعمال على مدى الأشهر الثمانية الماضية، ولم يتم تنفيذ أي من الإصلاحات التي اقترحتها الحكومات اللبنانية أو التي تم الاتفاق عليها، ولا يوجد طريق مختصر إذا أرادوا كسب ثقة المستثمرين الدوليين أو المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي، وهناك إجماع دولي على إطار عمل الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، ومن الواضح أنه لن تكون هناك جهود لإعادة الإعمار من دون إصلاحات”.

الصين في المتوسط

ويرى مراقبون للسياسة الألمانية أن الاهتمام بتثبيت موقع للاتحاد الأوروبي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط له بعد استراتيجي في خارطة النفوذ الدولي، لا سيما لمزاحمة النفوذ التركي والروسي على السواحل السورية وسعي تركيا لتوسيع استثماراتها في مرفأ طرابلس شمال لبنان، إضافة إلى الدخول الصيني المتنامي على المتوسط في مرفأ حيفا الإسرائيلي، إضافة إلى فوز الصين في مناقضة كانت ألمانيا تطمح للفوز بها في ميناء “بيرايوس” اليوناني القريب من أثينا، والذي تعتبره بكين نقطة انطلاق للتوسع التجاري في أوروبا.

ووفق هؤلاء، فإن ألمانيا وشريكتها فرنسا يتوجسان من تغلغل خصوم الاتحاد الأوروبي، ما قد يؤدي إلى خسارة المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية في سلم أكبر اقتصاديات العالم لصالح الصين التي توسع اقتصادها في سلسلة استثمارات حول العالم. وبالنسبة لبعض المراقبين فإن توقيع إيران والصين اتفاقية تعاون تجاري واستراتيجي مدتها 25 عاماً في ظل تنامي دور “حزب الله” داخل لبنان يعني وصول الصين عبر تلك الاتفاقية بشكل واسع إلى مياه المتوسط براً وبحراً، خصوصاً إذا استمرت السيطرة الإيرانية على الممر البري الذي يربط طهران ببيروت عبر سوريا والعراق.

قنبلة موقوتة 

ومنذ انفجار 4 أغسطس في العام الماضي، تقوم ألمانيا بمساعدة لبنان على إزالة مواد خطرة وصفها خبراء بأنها “قنبلة موقوتة” يوازي انفجارها لو حصل انفجار مادة نيترات الأمونيوم، وهي عبارة عن 52 حاوية تضم مواد كيماوية شديدة الخطورة كانت مخزنة منذ عام 2009 بطريقة عشوائية، تولت شركة “كومبي ليفت” إعادة تحميلها في مستوعبات خاصة جديدة تتحمل حرارة عالية ونقلها إلى خارج لبنان.

كذلك أزالت الشركة نفسها مواد خطيرة كانت موجودة في محيط مطار بيروت، ومواد قيل إنها مشعة كانت مخزنة في منشآت الزهراني النفطية جنوب لبنان.

اندبندنت