سياسة إسرائيل تجاه إيران بين الملفين النووي والإقليمي


تل أبيب تعتبر طهران تهديداً مباشراً لأمنها القومي بل تهديداً وجودياً لها

هدى رؤوف كاتبة

تّبعت إسرائيل سياسة تجاه إيران قامت على مواجهة الأخيرة في ملفين، الأول هو الملف الإقليمي والثاني هو النووي. ولما كان الملف الثاني هو الشاغل الأول لتل أبيب منذ سنوات طويلة، فقد تراوحت سياستها تجاهه بحسب مراحل تطور طهران فيه وبحسب مواقف الإدارات الأميركية من إيران.

وتنبع مصادر القلق الإسرائيلي مما يعتبره الإسرائيليون النفوذ السياسي والعسكري المتزايد لإيران في المنطقة، لا سيما في لبنان وسوريا والعراق. بالاستفادة من الصراعات الإقليمية والفراغ السياسي، تبني طهران ما تعتبره تل أبيب جسراً برياً لقوى متحالفة معها من العاصمة الإيرانية إلى البحر الأبيض المتوسط، كما أن الخطاب التحريضي الذي يعبّر عن نية محو إسرائيل عن الخريطة، يزيد من حدة الخطر الإيراني لدى الإسرائيليين.

وفي الداخل الإسرائيلي، تتباين الآراء حول مواجهة تهديد طهران، فقد كانت هناك انقسامات داخل المؤسسة الأمنية حول جدوى الخيارات العسكرية، بل إن عدداً من المسؤولين الأمنيين كانوا يؤيدون بقاء الولايات المتحدة في الاتفاقية ويعتقدون أنها تعمل على احتواء التحدي النووي الإيراني. ومع تراجع التهديد النووي حينها، توفر لإسرائيل مساحة لتحويل تحركاتها إلى التحدي الأكثر إلحاحاً الذي تواجهه إيران، وهو نفوذها المتزايد في سوريا.

إن سياسات تل أبيب تجاه طهران أصبحت متماسكة، لا سيما مع وجود إدارة دونالد ترمب المتعاطفة مع إسرائيل والتي عملت على دعم الضغط الاقتصادي والعسكري عليها. وتوافقت الولايات المتحدة مع إسرائيل على أن تستمر في إضعاف قدرات إيران في سوريا مع دعم حملة الضغط الأقصى الأميركية ضدها من خلال العقوبات الاقتصادية والضربات العسكرية في العراق وسوريا واستمرار الحرب السيبرانية.

واعتبر بنيامين نتنياهو أن توقيع الاتفاق النووي مع طهران مأساة لكل من يتطلّع إلى الاستقرار الإقليمي ويخشى إيران نووية. واعتبر كثير من القوى الإقليمية في المنطقة أن الاتفاق النووي عزز من طموحها الإقليمي وأصبحت التحديات في المنطقة مصدر قلق أكبر بكثير من الاتفاق النووي، وبات الوجود الإقليمي الإيراني المتزايد عبر سوريا أكبر مصدر قلق أمني لإسرائيل.

وتعتبر تل أبيب طهران الخصم الإقليمي وتهديداً مباشراً لأمنها القومي، بل تهديداً وجودياً لها. فمنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، رفعت شعار مناهضة الولايات المتحدة وإسرائيل، ودعم المستضعفين والشعوب المضطهدة، لذا وفّرت الدعم المالي والعسكري للتنظيمات المسلحة في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، التي تتخذ موقفاً معلناً من إيران سواء في شأن الملف النووي، أو في شأن وجودها في سوريا.

ففي خصوص الملف النووي، أعلنت حقها في توجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، ودعمت فرض العقوبات الدولية، كما انتقدت تعامل إدارة باراك أوباما مع طهران، بل إن نتنياهو ذهب إلى الكونغرس لإلقاء خطاب ينتقد فيه سياسة أوباما وسياسة التفاوض مع إيران بشأن الملف ولم يكن المسؤولون الإسرائيليون طرفاً في المفاوضات ولهم تأثير محدود في العلمية، واستهدف نتنياهو التأثير في الكونغرس  لعرقلة الاتفاق، ولكنه فشل في ذلك وتم الاتفاق الذي اعتبرته الإدارة الأميركية إنجازاً.

وعندما اندلعت الحرب السورية عام 2011، امتنعت إسرائيل عن التدخل. وخلال السنوات الأولى من الحرب، أبقت تدخلها عند الحد الأدنى، وفرضت خطين أحمرين من خلال الرد عسكرياً على الهجمات على أراضيها وإحباط شحنات الأسلحة المتطورة من إيران وسوريا إلى “حزب الله”.

لكن إدارة ترمب شجعت تل أبيب على اتباع استراتيجية “الحملة بين الحروب”، وهي تعني تمكين الجيش الإسرائيلي من فرض خطوطه الحمراء مع تجنب التصعيد إلى حرب كاملة.

في الوقت ذاته، عملت إسرائيل على الكشف عن الأرشيف النووي الذي استولت عليه من إيران، وعرض نتنياهو معلومات سرية تخص طهران قبل أيام من قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق، ما يعني أنه قد يكون تم بالتنسيق مع الإدارة الأميركية حينها.

وفي 2019، وسّعت إسرائيل قائمة أهدافها خارج سوريا لتشمل أهدافاً إيرانية في العراق، فقد كانت تل أبيب قلقة من التوسع الإيراني في العراق ونقل البنية التحتية للصواريخ للعراق. لذا، عملت على توجيه ضربات إلى بعض أماكن نقل الصواريخ. لكنها توقفت عن مهاجمة إيران في العراق على عكس الموقف فى سوريا. ويرجع ذلك إلى مراعاة الوجود الأميركي في العراق، بالتالي إمكانية تعرّض الجنود الأميركيين إلى ردود فعل انتقامية.

أخيراً، ومع مجيء إدارة جو بايدن التي تنوي العودة إلى الاتفاق، تندلع “حرب البحار” بين إيران وإسرائيل، وآخرها مهاجمة سفينة إيرانية لوجستية تتبع الحرس الثوري في البحر الأحمر وتستخدم لأغراض استخباراتية.

ويتزامن هذا مع المباحثات الجارية في فيينا، ما يعني أن تل أبيب تتحرك في المسارين النووي والإقليمي. الأمر المؤكد أن حادثة الهجوم على السفينة سيقابلها رد إيراني، مما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد مياه الخليج والبحر الأحمر حرب السفن بين الطرفين بعد توقف حرب الناقلات منذ فترة قليلة.

إن تطور سياسة إسرائيل تجاه السياسة الإقليمية لإيران، يشير إلى أنه حتى لو لم يتم تضمين الملفات الإقليمية والصواريخ الإيرانية في أي اتفاق مقبل، لن يتوقف المسار الإسرائيلي المرتبط بمواجهة محاولات تعزيز النفوذ الإيراني. وهو ما يعني استمرار التوترات في المنطقة.

اندبندنت