إصلاحيو إيران ومأزق التغيير


تزايد التحديات الداخلية والخارجية على مختلف المستويات والأصعدة

حسن فحص كاتب وصحفي

قبل أقل من ثلاثة أشهر على موعد الانتخابات الرئاسية، يبدو المشهد الإيراني أقرب إلى الغموض في محاولة قراءته أو فك شفيراته والاتجاهات التي يمكن أن يذهب إليها في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل تزايد التحديات الداخلية والخارجية المحيطة به على مختلف المستويات والأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية. 

حالة من الغموض واليأس بدأت تتسلل إلى معسكر القوى الإصلاحية مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، خصوصاً مع ازدياد الشعور لدى هؤلاء بوصولهم إلى حائط مسدود نتيجة لعجزهم عن القيام بأي عمل تغييري حقيقي يخفف من حالة السخط الشعبي المسيطرة على المجتمع والقواعد الشعبية والسياسية التي ينتمون إليها أو يمثلونها. بخاصة وأن هذه القوى وحتى قواعدها الشعبية غير قادرة على توقع أو تصور ما قد يحدث نتيجة للمأزق الذي تمر به إيران داخلياً وخارجياً. فضلاً عن تنامي حالة الإحباط داخل هذه القوى من جدوى الجهود والحوارات التي تقوم بها مع الآخرين لإيصال رؤيتها حول المخاطر التي قد تواجهها إيران ومنظومتها السياسية والسلطوية في حال تنامي حالة العزوف الشعبي والنخبوي عن المشاركة في الحياة السياسية التي بدأت تبرز في صورة جمود وخمول وركون إلى الانتظار والمراهنة على الزمن لإحداث التحول أو التغيير المفترض أن تقوم وتعمل له القوى المجتمعية. 

وفي الوقت الذي بدأت أصوات تحسب على الجناح المحافظ في التيار الإصلاحي أو جناح اليمين الإصلاحي تخرج محذرة من وجود توجهات فكرية وثقافية وسلطوية تعمل على ضرب مفهوم البعد الجمهوري في هوية النظام الإسلامي. ما يعني أن مخاوف المجتمع الإيراني بدأت تتحول إلى حالة من العجز في الدفاع والتمسك بالحقوق والأهداف المعترف بها، ما يساهم في رفع مستوى الإحباط الشعبي بإمكانية تحقيق تغيير ديمقراطي وتداول للسلطة من خلال العملية الانتخابية وصندوق الاقتراع في السلطات أو العقد السياسي الذي توافق عليه الإيرانيون مع انتصار ثورتهم والذي يقوم على مبدأ الانتخاب المباشر في هرمية النظام والسلطة. 

عودة الحديث عن هذه المخاوف، تأتي بالتزامن مع ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ إيران تتمثل في الهجوم الواسع من قيادات عسكرية، آتية من مؤسسة حرس الثورة حصراً، للمشاركة في السباق الرئاسي ومن أجل الاستحواذ والسيطرة على السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية، لتضاف في حال وصول شخصية عسكرية إلى هذا الموقع إلى السلطة التشريعية التي سبق أن سيطر عليها جنرال من الحرس هو محمد باقر قاليباف، في حين أن اختيار السلطة القضائية لا يمر عبر الانتخاب المباشر أو الأخذ برأي الشعب أو صندوق الاقتراع، بل يتم بقرار من المرشد الأعلى للنظام ورضا وموافقة مؤسسة الحرس. ما يجعل التحذيرات التي تتحدث عن مساع يقودها فقهاء ورجال دين وانطلاقاً من عقائد أيديولوجية لإسقاط حق ودور الشعب في تقرير مصيره ومصير الدولة والنظام وفي اختيار من يمثله في موقع السلطة والقرار، وتحويل العملية الانتخابية أو المشاركة في الاقتراع إلى لزوم ما لا يلزم؛ لأن رأس السلطة يُعين من سلطة عليا تمسك بالأمور بالكشف والتعيين لا بالانتخاب، ما يؤدي إلى تحويل السلطة إلى سلطة ديكتاتورية رهيبة، بحسب تعبير عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محمد الصدر، الذي سبق أن شغل منصب نائب وزير الخارجية في رئاسة محمد خاتمي.

ويعتبر الصدر أن الديكتاتورية المذهبية التي تعتقد بها بعض أجنجة التيار المحافظ، والتي لا تقيم وزناً لآراء الشعب، هي ديكتاتورية مخيفة لأن الفرد يلجأ إلى استخدام العنف ويقضي على خصومه بالعنف، وفي الوقت نفسه يعتقد أنه بهذه التصرفات ذاهب إلى الجنة، لاعتقاده أنه بشكل من الأشكال يقوم بتنفيذ حكم الله. من هنا فإن القلق الذي يشغل القوى السياسية الإيرانية، خصوصاً قوى المعارضة- الإصلاحية والمعتدلة والمدنية وحتى العلمانية- أن تتكرس سياسة معسكر السلطة بتحويل عملية الاقتراع إلى مجرد استعراض صوري للديمقراطية، وأن تتكرر في الانتخابات الرئاسية تجربة الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت بحد أدنى غير مسبوق من المشاركة الشعبية، وأن يتمكنوا من إيصال الشخص الذي يريدون إلى رئاسة السلطة التنفيذية والسيطرة على الدولة. بغض النظر إذا ما كان ذلك يضع البلاد أمام خطر حقيقي حول شرعيته الشعبية التي تعتبر الورقة التي يستخدمها بوجه القوى التي تطالب أو تعمل لتغيير النظام سواء كان من ضمن الآليات الإصلاحية الداخلية أو تلك التي تسعى للقضاء عليه بالكامل.

أمام هذه التحديات التي قد تأخذ النظام إلى طريق قد تطيح بالدولة واستقرارها وسيادتها ووحدتها وتصبح مكشوفة أمام الخارج، يتمسك الإصلاحيون ومعهم جزء من القوى المحافظة العقلانية من تيار اليمين بالعمل لمنع الانزلاق إلى حالة من السلطوية تصبح فيها العسكرة أحد أوجهها التي تسرِع وتساعد في الوصول إلى خط النهاية، وهم يدركون أنهم باتوا حاجة لدى المرشد الأعلى والحريصون على بقاء الدولة أو الدولة العميقة لكبح جماح القوى المتطرفة، ومن أجل الحفاظ على ما تبقى من مفهوم جمهورية النظام التي تعتبر الديمقراطية والتعددية المضبوطة تحت سقف سياسات النظام وتداول السلطة من خلال الانتخابات وصندوق الاقتراع أحد مظاهرها التي تشكل ضرورة لشرعية النظام وتسمح للإصلاحيين والقوى المعارضة بالاستمرار على المسرح السياسي.