كيف اصبح الاسير البرغوثي “صانع الملوك” فجأة في الساحة الفلسطينية؟ وهل سيندم عباس على اليوم الذي دعا فيه لإجراء الانتخابات الثلاثية بعد بروز “حالة التشرذم” التي تعيشها حركة “فتح” وطافت على السطح؟

عبد الباري عطوان

ولماذا لا نستبعد التأجيل وربما الإلغاء والذرائع كثيرة؟

اذا صحت النظرية التي تقول بأن المقدمات تكشف في معظم الأحيان عن النتائج، فان المؤشرات الأولية التي يمكن رصدها بعد اغلاق باب الترشيح لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي من المفترض ان تُجرى في آيار (مايو) المقبل لا تبشر بالخير لحركة “فتح”، ربما تجعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعض أصابع يديه ندما للإقدام عليها.
بالنظر الى القوائم التي جرى الإعلان عنها من لجنة الانتخابات وفاق عددها 36 قائمة، وقبول 13 منها حتى الآن، يمكن القول ان هناك ثلاث قوائم تعكس مأزق حركة “فتح”، حزب السلطة، ويمكن ان تعيد تشكيل العملية السياسية الفلسطينية على أسس جديدة:
  • الأولى: قائمة اللجنة المركزية الرسمية للحركة التي سيتزعمها السيد محمود العالول، نائب الرئيس عباس، وتضم أسماء خمسة من قيادييها.
  • الثانية: قائمة “الحرية” التي جاءت ثمرة تحالف بين الأسير مروان البرغوثي والدكتور ناصر القدوة، عضوي اللجنة المركزية، وحملت اسم “الحرية”.
  • الثالثة: قائمة “المستقبل” التي تمثل “التيار الاصلاحي” الذي يتزعمه النائب محمد دحلان، عضو اللجنة المركزية المفصول من الحركة.

***

خطورة تمثيل الحركة الفلسطينية الام “فتح” بثلاث قوائم لا ينعكس في كونه ظاهرة فريدة وغير مسبوقة في تاريخها، وانما ايضا في تشرذمها وتفتيت وحدتها الداخلية، وتزايد احتمالات خسارة قيادتها “التاريخية” المتمثلة في الرئيس عباس لوحدانية التمثيل، وقيادة منظمة التحرير، والسلطة الوطنية الفلسطينية، ومعظم المؤسسات الفلسطينية التشريعية والتنفيذية الأخرى، مثل المجلسين الوطني والمركزي، اذا لم تحصل على اغلبية مريحة في المجلس التشريعي القادم.
واللافت ان هذا التشرذم الذي “ينخر” العمود الفقري للحركة، ويشتت أصوات قاعدتها الانتخابية، يأتي في وقت تتقدم فيه حركة “حماس” المنافسة لها بقائمة موحدة تحظى بالتفاف جميع قواعدها الانتخابية حولها في الضفة والقطاع المحتلين تحت مظلة الانضباط التنظيمي المحكم.
نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي اجراها مركز خليل الشقاقي اكدت ان قائمة يدعمها الأسير مروان البرغوثي يمكن ان تحصل على حوالي 28 بالمئة من الأصوات، بينما سيكون نصيب القائمة الموالية للرئيس عباس حوالي 22 بالمئة، اما حركة حماس فسيكون نصيبها 22 بالمئة، مما يعني ان أي تحالف بين قائمتي البرغوثي و”حماس” وكتل أخرى، وهذا متوقع، سيعني السيطرة على غالبية المقاعد في المجلس التشريعي الجديد وتشكيل الحكومة، والاهم من ذلك تولي قائد هذا التحالف رئاسة السلطة في حال شغور منصب الرئيس لمدة شهرين ريثما يتم اجراء انتخابات رئاسية، وهاذا ما حصل بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات عام 2005، حيث تولى السيد روحي فتوح الرئاسة مؤقتا لمدة شهرين باعتباره رئيسا للمجلس التشريعي في حينها، تطبيقا لبنود النظام الدستوري الأساسي.
الأسير البرغوثي رفض كل الاغراءات والضغوط من قبل اللجنة المركزية لحركة “فتح” التي يشغل عضويتها، وقرر ان يتحالف مع زميله الدكتور القدوة تحديا للرئيس عباس، واستعدادا لمنافسته في انتخابات الرئاسة التي من المفترض عقدها بعد بضعة اشهر من التشريعية، ورفض كل المغريات التي حملها اليه السيد حسين الشيخ اثناء زيارته له خلف القضبان، مثلما لم ترهبه التهديدات بالفصل من الحركة أيضا على غرار ما حدث مع شريكه ورئيس قائمته الدكتور القدوة.
هناك تسريبات “فتحاوية” تقول ان الرئيس عباس باختياره السيد العالول لترؤس قائمة الحركة في انتخابات المجلس التشريعي، أراد ان يتهرب من استحقاق اختيار خليفه له لرئاسة السلطة للحفاظ على الحد الأدنى مما تبقى من أعضاء قيادته، وان يترك هذه “القنبلة الموقوتة” لما بعد وفاته لا قدر الله، وعلى امل ان تحصل القائمة الفتحاوية الرئيسية على الأغلبية، ويتولى السيد العالول رئاسة المجلس التشريعي، وربما السلطة لاحقا.
هذه التسريبات انتشرت في اوساط الاروقة الفتحاوية قبل حدوث “زلزال” التحالف المفاجئ بين السيدين البرغوثي والقدوة اللذين عقدا العزم فيما يبدو على الإطاحة بالرئيس عباس، والمجموعة المحيطة به، لمصلحة بناء “فتح الجديدة الشابة” حسب توصيف احد المصادر التي تحدثنا اليها اليوم الخميس.
الدكتور نبيل شعث، مستشار الرئيس عباس اعترف في حوار مشترك مع إذاعة “بي بي سي” ظهر اليوم “حديث الساعة” بأن حركة “فتح” تواجه خلافات وانقسامات خطيرة، ولكنه تنبأ بإنسحاب قائمة “البرغوثي القدوة” المنافسة لقائمة الحركة الام، ولكن فرص هذه النبوءة من النجاح تبدو محدودة جدا وتعكس تمنيات صاحبها، بالنظر الى رفض الأسير البرغوثي لقاء حسين الشيخ مرة ثانية، واستمرار المفاوضات بين السيد العالول مبعوث الرئيس عباس، والسيدة فدوى البرغوثي حتى الثالثة فجر الامس لحثها على عدم تقديم كتلة “الحرية” للجنة الانتخابات دون أي نجاح.
***
هناك حالة متصاعدة من التشاؤم في أوساط المتشككين في إمكانية اجراء انتخابات المجلس التشريعي في موعدها، ويذهب احد المتطرفين الى درجة توقع احتمال لجوء الرئيس عباس الذي يعيش حالة من القلق والتوتر غير مسبوقة، ذريعة عدم موافقة نتنياهو على السماح بإجرائها في القدس المحتلة لتبرير تأجيلها او حتى الغائها، اذا شعر بأن فرص كتلته في الحصول على اغلبية المقاعد في التشريعي شبه معدومة.
الأسير مروان البرغوثي اصبح هو “صانع الملوك” في العملية السياسية الفلسطينية لان شعبيته لا تقتصر على حركة “فتح” وانما أيضا الى القاعدة الشعبية الفلسطينية العريضة داخل الوطن وخارجه، باعتباره شخصية قيادية “عابرة للتنظيمات والكتل”، ولهذا بات، وللمرة الأولى، يشكل الخطر الأكبر على الرئيس عباس واحتكاره للسلطة والمجموعة المحيطة به.
التحضيرات لهذه الانتخابات، والحماس الشعبي الفلسطيني لها، جاء بمثابة القاء صخرة كبيرة في بركة راكدة متعفنة، واوشكت ان تحقق معظم أهدافها في اضعاف القبضة الحديدية للسلطة ورئاستها، وضخ دماء جديدة في العملية السياسية الفلسطينية، في يومها الاول سواء اجريت او تأجلت، والقضية الفلسطينية باتت مقدمة على مرحلة جديدة، بقيادة جديدة، ربما يكون عنوانها الأبرز العودة الى الثوابت وعلى رأسها مقاومة الاحتلال بالطرق كافة، وإلغاء كل الاتفاقات التي انبثقت عن اتفاقات أوسلو، والتنسيق الأمني خاصة، وربما حل السلطة أيضا، تفاءلوا بالخير تجدوه.. والأيام بيننا.