تكبير الدور الروسي: مشكلة الاتفاقات والطموحات


غيرت موازين القوى في الحرب وهي عملياً تدير اللعبة في سوريا وتحتاج إلى أميركا وأوروبا لكي تكرس ما ربحته

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

في بدايات حرب سوريا، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “ليست لدينا مصالح خاصة في سوريا، لا نملك قواعد عسكرية أو مشاريع كبيرة، لا استثمارات بالمليارات، ولا يوجد شيء خاص يستحق الحماية، لا شيء على الإطلاق”. لم يلتفت إلى أن سوريا كانت من حلفاء الاتحاد السوفياتي وأعطته تسهيلات في مرفأ طرطوس. وحين حشد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بالتفاهم مع فرنسا لتوجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري، بعدما تجاوز “الخط الأحمر” الذي رسمه الرئيس الأميركي واستخدم السلاح الكيماوي في غوطة دمشق، أصدرت موسكو بياناً أعلنت فيه أنها خارج اللعبة في سوريا. وكانت قد سحبت الضباط الروس المستشارين من دمشق. لكن تراجع الرئيس الأميركي في اللحظة الأخيرة لحماية المفاوضات السرية الدائرة مع إيران في سلطنة عمان، جعل بوتين يرى أن فرصته جاءت، فقام بخطوتين كبيرتين: أولاهما إشغال أوباما بعملية اسمها نزع الأسلحة الكيماوية السورية. والثانية هي استغلال التراجع الأميركي بالإقدام على التدخل العسكري الواسع في حرب سوريا إلى جانب النظام في خريف 2015 بعد مناشدات سورية وإيرانية متكررة له، لأن النظام مهدد بالسقوط خلال أسابيع، كما كشف عن ذلك أخيراً وزير الخارجية سيرغي لافروف. وهكذا استعادت روسيا دورها كقوة عالمية في رد على أوباما، الذي قال إنها صارت “قوة إقليمية”. غيّرت موازين القوى في الحرب. حصلت على قاعدتين عسكريتين: واحدة بحرية في طرطوس وأخرى جوية في حميميم. كما نالت شركاتها عقوداً في مجالات الكهرباء والنفط والغاز. وهي عملياً تدير اللعبة في سوريا بمشاركة إيران وتركيا وقطر وتحتاج إلى أميركا وأوروبا لكي تكرّس ما ربحته.

لكن حسابات موسكو أوسع من ذلك. فهي ضد “الثورات الملونة” التي أضرّت بمصالحها الحيوية في بلدان أوروبا الشرقية ضمن المعسكر الاشتراكي سابقاً، وصارت تهدد حلفاءها في الشرق الأوسط عبر “الربيع العربي”. وهي لا تزال نادمة على وقوعها في ما سمّتها “خديعة الغرب” لها، عبر تمرير قرار في مجلس الأمن سمح للحلف الأطلسي بالتدخل العسكري في ليبيا وإسقاط نظام أو “لا نظام” معمر القذافي ومعه مصالحها الكبيرة هناك. فضلاً عن الرغبة في القضاء على الإرهابيين الذين انضموا إلى “داعش” و”القاعدة” آتين من بعض الجمهوريات في الاتحاد الروسي. كذلك الخشية من إمساك الإسلام السياسي المتشدد بالسلطة في عواصم الشرق الأوسط وتأثيره في جماعات الإسلام السياسي في القوقاز والفولغا الروسية.

وما يحدث حالياً هو تكبير الدور الروسي، سواء بإرادة موسكو أو برغبات في عواصم المنطقة. فالسلاح الروسي مطلوب في دول عدة، وحتى في تركيا العضو في الحلف الأطلسي، بعد تجربة أكثر من “200 طراز حديث” من الأسلحة، بحسب وزير الدفاع سيرغي شويغو. والتدخل السياسي والدبلوماسي الروسي مطلوب في لبنان والعراق والسودان بعد التجربة في سوريا وليبيا. وليس سراً تنظيم “لوبي روسي”عسكري ودبلوماسي في سوريا أبعد من قصة “الفيلق الخامس”، المؤلف من مقاتلين معارضين سابقين بإشراف ضباط روس. ولا استقبال الخارجية الروسية لمدعوين من لبنان وليبيا وبلدان عربية عدة إلى جانب التوسط بين “طالبان” والحكومة الأفغانية. فضلاً عن زيارات الوزير لافروف إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر وبلدان أخرى. أما العلاقات مع إسرائيل، فإنها واسعة وعميقة.

لكن المشكلة أن إمكانات روسيا أقل من طموحاتها والمطلوب لها ومنها. فالاقتصاد ضعيف لأنه يعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز ومبيعات السلاح، وتتحكم به مافيا من رجال الأعمال وزملاء بوتين من الضباط السابقين في جهاز “كي جي بي” أيام السوفيات. و”القوة الناعمة” محدودة جداً. والعقوبات الأميركية والأوروبية بسبب ضم القرم وتسميم المعارضين ودعم التيارات اليمينية الشعبوية في أوروبا وأميركا، قاسية على روسيا. ولا قدرة أو رغبة في التدخل الخارجي إلا حيث تتراجع أميركا.

ولا أحد يعرف مدى تأثير أو لا تأثير “الحرب الباردة الجديدة” بين أميركا وروسيا في سياسات الدول في الشرق الأوسط.