يمكن الاستفادة من الفائض في المحاصيل والخضراوات لسد حاجة البلاد الغذائية
مؤيد الطرفي مراسل عراقي
يسعى العراق إلى إعادة الحياة لقطاع الصناعات التحويلية الذي تضرر كثيراً خلال فترة العقوبات الاقتصادية في تسعينات القرن الماضي وبعد العام 2003، على إثر توقف ما تبقى من المصانع نتيجة سياسة الانفتاح الشامل التي تسببت بخسائر كبيرة، أجبرتها على تسريح عمالها ومغادرة المشهد الاقتصادي لعدم قدرتها على المنافسة.
ويبدو أن وتيرة الاستهلاك الكبيرة التي يشهدها المجتمع العراقي وحاجته المتزايدة إلى صناعات غذائية تحويلية تكفي لسد حاجاته وبكميات كبيرة، حفّزت وزارة الزراعة العراقية والمستثمرين على الدخول بقوة لتفعيل هذا القطاع من جديد.
وتركّزت المساعي العراقية على دعم الصناعات الغذائية التي تعتمد على الفائض من المحاصيل والخضراوات العراقية، وفق خطة تعتمد توزيعها على محافظات ومدن زراعية تكون بعيدة من العاصمة ومن مراكز أبرز المدن العراقية، لإحياء النشاط الاقتصادي في هذه المناطق التي تعاني ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
أكبر معمل لمعجون الطماطم في الشرق الأوسط
وقال وزير الزراعة محمد الخفاجي، في تصريحات للوكالة العراقية الرسمية، إن “القطاع الخاص سيقوم بإنشاء أكبر معمل لإنتاج معجون الطماطم في الشرق الأوسط، في محافظة الديوانية، فضلاً عن إنشاء عدد من المعامل الأخرى في المحافظات المنتجة للطماطم، خلال العام الحالي، للاستفادة من فائض الإنتاج في الصناعات التحويلية”.
أضاف الخفاجي أن الوزارة تعمل حالياً على إعطاء موافقات للقطاع الخاص لإنشاء مراكز تسويقية نموذجية متطورة في المحافظات كافة، تحوي مركزاً تسويقياً ومخازن مبردة متطورة لاستيعاب المنتج الزراعي المحلي.
وتعد الديوانية من أهم المدن العراقية في إنتاج مختلف المحاصيل الزراعية، بخاصة الرز، وتقع على طريق المرور السريع رقم واحد الذي يربط الجنوب العراقي بمحافظة الأنبار مروراً ببغداد، ويوجد فيها أكبر مشروع للدواجن في العراق افتتح العام 2019 وتبلغ كلفته 360 مليون دولار، ويغطي نحو 35 في المئة من حاجة السوق العراقية، كما أنها تشهد تربية النعام والغزلان.
تشغيل الأيدي العاملة
ويشير المستشار في وزارة الزراعة مهدي ضمد القيسي إلى أن مشاريع الصناعات التحويلية تسهم في تشغيل الأيدي العاملة وتساعد في نمو الإنتاج الزراعي.
ويضيف القيسي أن “هناك فائضاً في إنتاج الطماطم، وأن الاستفادة منه في صناعة معجون الطماطم سيسهم في تشغيل الأيدي العاملة والتخلص من التلف الذي قد ينتج من عدم توفر مخازن مبردة”، ويؤكد أن الصناعات التحويلية الغذائية، التي سينهض بها القطاع الخاص، هي الحل الأمثل لنمو الإنتاج الزراعي.
خطة لدعم كل الصناعات
من جانبه، يشير المتحدث باسم وزارة الصناعة مرتضى الصافي إلى وجود قوانين تم تشريعها من الحكومة ساعدت في النهوض بالصناعات الغذائية، مرجحاً أن يتم منع دخول المستورد إذا ما تم تحقيق اكتفاء ذاتي من المعجون.
ويضيف الصافي أن “هناك خطة وضعتها وزارة الصناعة والمعادن بدعم كل الصناعات، من ضمنها مصانع القطاع الخاص والمختلط، وهناك شعار رفعته الوزارة بعنوان صنع في العراق، يتم خلاله تقديم جميع التسهيلات لإنشاء مثل هذه المصانع”.
ويتابع الصافي أن توجه القطاع الخاص للاستثمار في الصناعات التحويلية جاء بعد اهتمام الحكومة بضبط الحدود، ووضع ضريبة على المنتجات الداخلة إلى العراق ومنع الصناعات الرديئة، مبيناً أن خطة وزارة الصناعة تتضمن عدم السماح بدخول أي منتج إذا كان هناك اكتفاء ذاتي منه.
اهتمام بمحاصيل الصناعات التحويلية
ويؤكد رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية حيدر عبد الواحد أن المزارعين باتوا يهتمون بالمزروعات التي تدخل في الصناعات الغذائية، ومن ضمنها التوسع بإنتاج محصول الطماطم وعدد من المحاصيل الأخرى، ويضيف أنه من المقرر أن يتم إنشاء أكبر مصنع بالشرق الأوسط لإنتاج معجون الطماطم، ولذلك ستكون هناك حاجة لتطوير الزراعة المغطاة من قبل الفلاحين، من أجل إنتاج المحصول في فصل الشتاء بكميات كبيرة وتغطية حاجة المصانع.
ويشير إلى أن “الطماطم العراقية تتميز بكمية حموضتها العالية، ولذلك نحن بحاجة إلى استحداث صنف جديد يكون أقل حموضة”، موضحاً أن المستثمر سيجلب صنفاً جديداً لزراعته في البلاد، ويشير عبد الواحد إلى وجود عدد من الصناعات الغذائية، التي بدأ الاستثمار فيها للاستفادة من المحاصيل الزراعية مثل صناعة رقائق البطاطس، فضلاً عن صناعة الذرة لإنتاج الزيوت، قائلاً إن هناك توجهاً للتوسع في زراعة زهرة الشمس لصناعة زيت الطبخ.
المواد الأولية
ويرى المتخصص في الشؤون الاقتصادية صالح الهماشي أن هناك بعض الصعوبات قد تواجه المشروع، لا سيما في مواده الأولية، ويشير إلى أن نجاح المشروع سيجعل العراق مصدراً للدول الإقليمية، ويضيف أن “العراق يملك بنى تحتية لهذه الصناعات، وكان يملك مصنع تعليب كربلاء وبعض المصانع الخاصة لهذه الصناعات، تغطي أكثر من 70 في المئة من السوق المحلية”.
ويشير إلى عدد من المشكلات قد تواجه المشروع منها مشكلة المادة الأولية، فعلى الرغم من وجود وفرة من محصول الطماطم في فصل الصيف، إلا أن الإنتاج ينخفض وتزيد أسعاره في الشتاء، إضافة إلى ضرورة توفر المخازن المبردة الضخمة لتخزين المحصول، ويشدد على ضرورة وضع خطة لزراعة المحاصيل الداخلة بالصناعات لتأمين المواد الأولية، لا سيما أنها من المشاريع الاستثمارية الربحية التي لا يمكن أن تعمل بموسم واحد لأن كُلف الإنتاج سترتفع.
ويتابع أن الصناعات التحويلية الغذائية ستوفر فرص عمل واستصلاح أراض جديدة، وتحافظ على الثروة الاقتصادية، كما أنه من الممكن تصدير الفائض إلى أسواق الدول الإقليمية ومنها الخليج العربي، لتكون منافسة للإنتاجين الإيراني والتركي المسيطرين على صناعة إنتاج معجون الطماطم.