سباق اللاحكومة: يائير وأبو يائير


انحدرت إسرائيل لتكرار انتخاب متورطين بالاغتصاب والرشوة والفساد أمثال كتساف وأولمرت ونتنياهو

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

محنة الفلسطينيين مع إسرائيل تقابلها محنة الأخيرة مع نفسها، آينشتاين كان يعرف مسار الأمور عندما رفض أن يتولى رئاسة إسرائيل، والدولة العبرية قامت بالتجربة التي حذّر منها بالقول، “إن تكرار التجربة على المواد نفسها وتوقع نتيجة مختلفة هو جنون مطبق”. ذهبت هي إلى الانتخابات العامة أربع مرات خلال عامين بحثاً عن نتيجة مختلفة لمصلحة رجل واحد خاضع للمحاكمة بتهم “الفساد والرشوة وخيانة الأمانة” هو بنيامين نتنياهو. والانتخابات الخامسة تبدو على الطريق، من حيث لا أكثرية لكي يشكل الحكومة أبو يائير أو يائير. الأول نتنياهو زعيم “الليكود” كما قدم نفسه للناخبين في الوسط العربي، والأخير زعيم حزب “يش عتيد” لابيد يائير. وليس مجرد حظ يفلق الصخر أن يحكم إسرائيل دجال ديماغوجي مثل “بيبي”، أكثر مما حكمها مؤسسها ديفيد بن غوريون، وليس صدفة أن تنحدر إسرائيل التي تفاخر بالديمقراطية من سجن رئيس الدولة “كتساف” لإدانته بالاغتصاب، ورئيس الوزراء إيهود أولمرت لإدانته بالرشوة الى تكرار انتخاب نتنياهو الخاضع للمحاكمة.

بن غوريون زعيم حزب “ماباي”، الذي صار “العمل”، وهو حزب يسار الوسط، رفع شعار “لا حيروت ولا ماكي”، أي لا اليمين المتطرف بزعامة مناحيم بيغن، الذي صار تكتل الليكود ولا اليسار الشيوعي، لكن ما حدث مع الوقت ليس فقط انحسار اليسار الشيوعي، بل أيضاً يسار الوسط من العمل الى مابام إلى ميريتس، وفي المقابل صار الخيار بين اليمين المتطرف واليمين المتطرف جداً، ولا فرق في التشدد بين اليمين الديني واليمين العلماني، حتى حزب “الصهيونية الدينية” الوارث حزب الحاخام كاهانا وأفكاره العنصرية والداعي الى تهجير الفلسطينيين، فإنه حصل على مقاعد بقيادة بتسلئيل سموترتش وبن غفير، وهذا من طبائع الأمور، فما يبدأ من اغتصاب الأرض وتهجير أهلها أو قتلهم ينتهي بالتعصب العنصري لا بالليبرالية، “الحريديم الذين كانوا 10 في المئة من سكان إسرائيل عام 1948 سيصبحون ثلث السكان عام 2065، بحسب إحصاءات شمويل روزنز المحرر السياسي في “جويش جورنال”.

ومرض العمى اليميني يزداد، فليس في برامج الأحزاب الانتخابية في الدورات الأخيرة شيء عن التسوية مع الفلسطينيين، والأكثرية صارت ضد حل الدولتين وضد حل الدولة الواحدة، وكلما جرى سحب الموضوع الفلسطيني من على الطاولة صار الموضوع الجاذب للناخبين هو الدولة اليهودية والدولة الدينية، وكلما اعتدل الفلسطينيون والعرب في شروط التسوية مع إسرائيل، ازداد الإسرائيليون تصلباً وتطرفاً ورفضاً لأية تسوية.

والمضحك المبكي أن الذين تولوا طباعة 500 مليون ورقة تصويت لكل الأحزاب، ورزموها في 25 ألف صندوق، هم عمال فلسطينيون جيء بهم إلى مستوطنة كرني شومرون، التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.

ومع اغتصاب الأرض كانت السرقة، ويكشف المؤرخ الإسرائيلي آدم رايز بالوثائق كيف سرق الجنود والمستوطنون بيوت الفلسطينيين في حرب 1948. وينقل عن بن غوريون قوله في اجتماع لحزب ماباي الحاكم، “تبيّن أن اليهود لصوص، أقول ذلك ببساطة وبصورة معتمدة لأن هذه هي الحقيقة مع الأسف”.

يروي الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في مذكراته “حياتي” أنه قال لنتنياهو خلال مفاوضات التسوية، “السوريون أظهروا كل المرونة وقدموا المطلوب في التسوية، فلماذا لا تقدم لهم شيئاً بالمقابل؟” وكان جوابه، “لماذا أعيد لهم الجولان ما داموا عاجزين عن استعادته بالقوة؟”.

والحجة الإضافية في هذه الأيام هي “العامل الإيراني”. كيف؟ تحتج إسرائيل بأن الانسحاب من الجولان والضفة الغربية يؤدي الى دخول طهران على الخط، بحيث تصبح عسكرياً مباشرة أو بالواسطة في الجولان، ثم تصبح في الضفة الغربية إذا سيطرت عليها “حماس”.

وقمة السخرية أن تكون الجهة المرشحة لإنقاذ نتنياهو وضمان تأليفه لحكومة يمين متطرف هي الجبهة الإسلامية بقيادة منصور عباس، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يحول من دون ذلك هو رفض الأشد تطرفاً في اليمين المشاركة في حكومة تسندها “جبهة مرتبطة بالإخوان المسلمين على غرار حماس”. والظاهر أن الشرق يطوّع الجميع في النهاية.