دبلوماسي سعودي سابق يوجه رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي


علي عسيري طالب بايدن بأن يتعامل مع المنطقة وتعقيداتها وتحدياتها المزعجة كما هي لا كما يتمنى أن تكون

زياد الفيفي صحافي

أسماها “رسالة مفتوحة من مواطن سعودي”، إلا أن ما كتبه علي عواض عسيري، كانت رسالة دبلوماسية اعتاد السفراء أن يسلموها يداً بيد، إلا أنه لسبب ما اختار أن يقرأها للرئيس الأميركي جو بايدن على مسمع العالم أجمع.

نشرت مجلة “ذا ناشونال إنترست” الأميركية، مقالاً بقلم الدبلوماسي السعودي الذي سبق وأن عمل سفيراً للرياض في إسلام أباد وبيروت، خاطب فيها الرئيس الأميركي عن مستقبل العلاقة بين البلدين، مروراً بماضيها في فترة الرئيسين السابقين.

كان عسيري في رسالته، كمن يجالس حاكم البيت الأبيض ويبادله الحديث، يحاول من خلال ذلك أن يكتشف نقطة جديدة تنطلق منها العلاقة التاريخية بين البلدين بعد “الخلل” الذي أصابها، نتيجة ما وصفه بـ”الحادث المأساوي، الذي تلاشى وبات حدثاً حزيناً على هامش التاريخ”، فالنقطة التي اختارها بايدن لتكون منطلقاً لإعادة تقييم علاقة بلاده بالرياض، رآها الدبلوماسي السعودي المتقاعد فرصة للانطلاق إلى مستوى جديد من العلاقة.

تآكل مصداقية واشنطن

ليس واضحاً السبب الذي اختار لأجله المسؤول السعودي السابق هذه الطريقة للتواصل مع سيد البيت الأبيض، إلا أن مطلع رسالته التي نادت في الرجل السبعيني خبرته السياسية الممتدة لقرابة نصف قرن، طالبته بأن يتعامل مع المنطقة وتعقيداتها وتحدياتها المزعجة كما هي، لا كما يتمنى أن تكون.

وقال عسيري “بصفتك كنت نائباً للرئيس في إدارة أوباما، فقد ساعدت في نزع فتيل الفتنة الطائفية في العراق، وفي أعقاب الربيع العربي، ساهم صوتك الحذر في إقناع مؤيدي أجندة الديمقراطية الليبرالية، بمراعاة الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية لأزمة الشرق الأوسط في المقام الأول”، مضيفاً “لكن لسوء الحظ، منذ ذلك الحين، أدت التناقضات السياسية والافتقار إلى العزيمة من قبل إدارتي أوباما وترمب إلى تآكل مصداقية الولايات المتحدة إلى حد كبير كشريك موثوق للدول العربية”، مطالباً إياه بتبني نهج مختلف يعالج من خلاله الإرباك الذي تسببت فيه الإدارتان السابقتان.

مرارة “الحليف المزعوم”

لم تغفل الرسالة وجهة النظر التي رأت في بايدن نسخة أكثر حداثة من باراك أوباما، وإن لم يقلها بشكل مباشر، بخاصة وأنه قلّب أوراق تلك المرحلة التي كان فيها الرئيس الجديد ظلاً ونائباً لباراك.

إذ أكد أن بلاده لا تزال تشعر بمرارة وصفها بـ”الحليف المزعوم” من قبل الرئيس الديمقراطي الأسبق، وخطته “غير العادلة” لحل أزمة الصراع بين العرب وإيران، باقتراح “مشاركة المنطقة مع طهران، على الرغم من أنها كانت ولا تزال راعية للإرهاب في نظر واشنطن”.

أثار الاتفاق الذي عقدته إدارة أوباما مع إيران قلق دول الخليج (رويترز)

أثار الاتفاق الذي عقدته إدارة أوباما مع إيران قلق دول الخليج (رويترز)

ولا يمكن الحديث عن حقبة أوباما والخليج، من دون التعريج على الاتفاق النووي، فتيل الأزمة التي أشعلها الرئيس الـ 44 بين بلاده وحلفائها التقليديين في المنطقة، إذ وصفت الرسالة خطة العمل المشتركة مع إيران بـ”الصفقة المعيبة التي استخدمها النظام الثوري الإيراني، كغطاء لدعم وكلائها المتشددين في اليمن وسوريا والعراق ولبنان”.

علاوة على ذلك، فإن التداعيات السلبية لما سمي بـ”الربيع العربي” كانت نتيجة لخطأ “مغازلة قوى التطرف مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وترك ضحايا الصراع في سوريا يواجهون غضب نظام مستبد”، وهي الدول التي لا تزال تواجه صعوبات تلك الحقبة، بحسب الدبلوماسي الخليجي.

العلاقة مع ترمب كانت “مقايضة”

وعلى ما يبدو، فإن العلاقة مع الرئيس السابق دونالد ترمب، بكل ما اعتراها من دفء مقارنة مع فترة سلفه، لم تكن مرضية بشكل كبير بالنسبة إلى السعوديين.

إذ أكد علي عسيري، أن ترمب حوّل العلاقة الاستراتيجية بين السعودية وأميركا إلى “علاقة مقايضة”، على الرغم من إقراره بتحسن العلاقة بين البلدين على المستويين العسكري والدبلوماسي.

لقطات من استهداف منشآت أرامكو في 2019 (رويترز)

لقطات من استهداف منشآت أرامكو في 2019 (رويترز)

كما أشار إلى أن الهجوم الذي تعرضت له منشأتا أرامكو في سبتمبر (أيلول) 2019، كان شبيهاً بهجوم “بيرل هاربور” الذي طال أسطول الولايات المتحدة فترة الحرب العالمية الثانية في المحيط الهادئ، وتسبب في دخول الأخيرة للحرب، إلا أن ردة فعل الرئيس الأميركي قبل سنتين كانت “رمزية”، وعلى الرغم من ذلك طالب الرياض بدفع قيمتها، بحسب عسيري.

وينتهي هذا السرد حول العلاقة بين واشنطن والرياض خلال السنوات الأربع الماضية، إلى أن ما يسمى بالعلاقة القوية بين بلاده والإدارة الأميركية السابقة هو وصف غير دقيق.

انتقاد ولي العهد

ووضعت الرسالة السعودية مقاربة أكثر وضوحاً لما تحاول السياسة الجديدة في الدولة الخليجية فعله، إذ وصفت سردية الإدارة السعودية ونهجها تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأنها تحاول “استبدال الاعتبارات الأيديولوجية بأخرى تنموية، تحدد سلوك البلاد دولياً وسياستها الداخلية”.

وألمح عسيري إلى أن الحملة التي يتعرض لها ولي العهد السعودي، هي نتيجة لعلاقته الشخصية بكبير مستشاري البيت الأبيض الأسبق جاريد كوشنر، وقال “نحن نتفهم الانقسامات الحالية في السياسة الأميركية لكن هذه مسألة داخلية. يبدو أن إدخال القضية السعودية ضمن المصالح السياسية الحزبية في مبنى الكابيتول، وبخاصة اليسار الديمقراطي وتحالفه غير المقدس مع الجماعات الحقوقية التي لم تدخر جهداً في انتقاد محمد بن سلمان في صورة سيئة بسبب علاقته الشخصية مع جاريد كوشنر، كل ذلك تسبب في إلحاق ضرر كبير بعلاقتنا طويلة الأمد التي عادة ما تتجاوز السياسات المحلية أو خيارات القيادة. هذه القوى ذاتها ستلحق ضرراً أكبر إذا لم يتم التغلب عليها في الوقت المناسب”.

عرفت العلاقة بين ولي العهد السعودي وجاريد كوشنر بالقوية (أ ب)

عرفت العلاقة بين ولي العهد السعودي وجاريد كوشنر بالقوية والعميقة (واس)

وأضاف “نحن نتفهم الانقسامات القائمة في السياسة الأميركية الداخلية، لكن على ما يبدو أن العلاقات الدولية والقيادة السعودية باتت محط استهداف في حرب المصالح الحزبية داخل مبنى الكابيتول، بخاصة مصالح الديمقراطيين المتحالفين مع الجماعات الحقوقية، التي لم تدخر جهداً في استهداف الرجل الثاني في مؤسسة الحكم السعودية بسبب علاقته بكوشنر”، الذي لم يكن شخصية توافقية بالنسبة إلى الكتل السياسية في واشنطن.

وحذر الدبلوماسي السعودي أن ذلك من شأنه أن يتسبب بضرر كبير لعلاقة البلدين الطويلة، إذا لم يتم احتواؤها.