آمال بتطبيق مشروع “الحريات الأربع” وتشديد على ضرورة تسهيل التبادل التجاري بين البلدين
إسماعيل محمد علي صحافي سوداني
دعا سياسيون وأكاديميون سودانيون دولتي السودان وجنوب السودان إلى الإسراع في حل القضايا العالقة بينهما خصوصاً مشكلة أبيي المتنازع عليها بين البلدين، وغيرها من المشاكل الحدودية التي لم تحسمها اتفاقية السلام (نيفاشا) التي وقعت في 2005، لتهيئة الأجواء لإقامة مشاريع مشتركة تحقق المنافع والمصالح المشتركة للشعبين.
وأشار هؤلاء السياسيين والأكاديميين لـ “اندبندنت عربية”، إلى أن إعادة اللحمة بين الشعبين بتطبيق وحدة “كونفيدرالية” يمكن أن تكون أحد الخيارات المستقبلية بعد حدوث الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتجاوز البلدين مشاكلهما كافة، لكن من الأنسب والأفضل في الوقت الحالي تنفيذ مشروع “الحريات الأربع” مع ضرورة تقنينها، مؤكدين أن انفصال جنوب السودان لم يكن برغبة الشعبين، بل كان بدافع من نظام البشير السابق، وطموح نخبة من السياسيين الجنوبيين مدفوعين بإغراءات دولية لها مصالح معروفة.
قنبلة موقوتة
وقال نائب رئيس حزب الأمة القومي السوداني فضل الله برمة، “العلاقة بين السودان وجنوب السودان تاريخية، تسندها روابط اجتماعية ولحمة دم، صحيح حصل انفصال والآن ظهرت أخطاؤه من قبل الطرفين، لكن نقدر مشاعر شعب جنوب السودان باختياره حق تقرير المصير، إذ أصبح الأمر واقعاً، وعلينا في ظل هذا الواقع أن نعمل على كيفية صون المصالح المشتركة، وفي مقدمها العلاقات الأخوية المتبادلة، وأن نسرع في معالجة المشاكل الأمنية ولا سيما في الحدود بين البلدين، ومؤسف أن يتم الانفصال بهذه الطريقة الخاطئة من دون الاتفاق على رسم وتحديد الحدود بين البلدين، وجعلها قنبلة موقوتة، لكن في اعتقادي أن حرص الدولتين على بقاء العلاقات في أحسن أحوالها يجعل من الممكن تجنب أي نوع من المشاكل مهما حدث من انفصال جغرافي، ليظل التواصل موجوداً على المستويات كافة”.
أضاف “كان الانفصال بالنسبة إلينا حدثاً مؤلماً، إذ فقدنا جزءاً أصيلاً من وطننا الذي كان أكبر وطن في أفريقيا من حيث المساحة، وكان يطلق عليه بلد المليون ميل مربع، وقد تبين بعد تجربة الانفصال صعوبة قطع العلاقات الاجتماعية المتجذرة منذ القدم، بل عرف كل طرف حقيقة وأهمية المصالح والروابط المشتركة، والتي من الصعب الانفكاك منها، لكن بالتفاهم الأمثل يمكن انسياب العلاقات بين مواطني البلدين بشكل طبيعي، مع ضرورة تعميق هذه الأطر بإقامة مشاريع مشتركة تراعي تلك المصالح”.
“الحريات الأربع”
وتابع نائب رئيس حزب الأمة القومي “نحن بحاجة لبعضنا بعضاً حكومة وشعباً، وخير دليل أن السودان كان وسيطاً أمثل في اتفاقية السلام والمصالحة التي تمت بين حكومة جنوب السودان وأطراف المعارضة، وفي الوقت نفسه، رعت دولة جنوب السودان مفاوضات السلام بين الحكومة الانتقالية في السودان والحركات المسلحة، ونعتقد بأن ما حدث من أخطاء أدت إلى انفصال الجنوب لها بعد تاريخي، ولعب الاستعمار البريطاني دوراً أساسياً في التباعد من خلال زرع الفتن وبذور التباعد، لذلك لا بدّ من تقوية الروابط بيننا والعيش في تعاون وتآخ مثل الاتحاد الأوروبي”.
وأكد أنه من الأنسب في الوقت الحالي تطبيق نظام “الحريات الأربع” مع ضرورة تقنينها، على أن تترك مسألة الوحدة “الكونفيدرالية” للزمن، بمعنى أن يتم ذلك مرحلياً حتى تكون هناك قناعة تامة لأي خطوة يتم اتخاذها، والتأكد بأن جنوب السودان تجاوز كل مشكلاته الداخلية، لكن لا بدّ أن نؤمن على علاقة حسن الجوار لأن ما يجمع بين البلدين أكثر مما يفرق بينهما.
خيارات مستقبلية
أوضح عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني صديق يوسف أن “إعادة اللحمة بين السودان وجنوب السودان تظل تستحوذ على وجدان كثيرين من المواطنين خصوصاً السودانيين لأنهم يأملون في عودة هذا الجزء إلى أحضان الوطن في أي وقت، لأنه انفصل خلسة ومن دون رغبتهم، وبالتالي يحدوهم الأمل والتمسك بدولتهم كما كانت سابقاً، لا سيما أن الانفصال كان مرفوضاً من القوى الحية والأساسية في البلاد، وحصل برغبة حزب المؤتمر الوطني المحلول برئاسة عمر البشير الذي أطاحته الثورة الشعبية، للحفاظ على وجوده في الحكم، من دون مراعاة لما خسره السودان من أرض وموارد من أهمها البترول، إذ فقدت البلاد 75 في المئة من إجمالي الإنتاج”.
أضاف يوسف “نحن في الحزب الشيوعي السوداني نرى أن تكون علاقاتنا مع جنوب السودان من خلال تطبيق مشروع “الحريات الأربع” بين البلدين والتي تشمل حرية التملك، وحرية التنقل، وحرية الإقامة، وحرية العمل، فضلاً عن تسهيل عملية التبادل التجاري والسلعي لتغطية حاجة البلدين من مواردهما الطبيعية، خصوصاً في الجانبين الزراعي والصناعي، فمن الأفضل أن تكون علاقاتنا في الفترة المقبلة مبنية على المصالح المتبادلة، ما يسهّل الولوج إلى المشروعات المتقدمة”، ولفت إلى ضرورة التركيز حالياً على حل المشاكل العالقة بين البلدين التي خلفتها اتفاقية (نيفاشا) التي بموجبها منح جنوب السودان حق تقرير المصير واختيار شعبه الانفصال في عام 2011، ومن أبرزها مشكلة أبيي، والمنطقة المتاخمة لولاية غرب دارفور وشمال بحر الغزال، حيث لم يتم التوصل إلى حل لهاتين المنطقتين الحدوديتين، وهو أمر مهم وملح حتى لا تكون هناك مشكلة تعكر صفو العلاقات”.
وتابع يوسف “في نظري، إذا استطعنا أن نحقق قدراً من الاستقرار السياسي والاقتصادي، وحلّ جميع القضايا العالقة بيننا، فإن عملية الوحدة “الكونفيدرالية” يمكن أن تكون أحد الخيارات المستقبلية، وسيكون الزمن كفيلاً أيضاً بالوصول إلى الوحدة الاندماجية، بل هناك من يطرح أن يصبح البلدين قطراً واحداً كما كان في السابق”.
إغراءات دولية
في المقابل، أشار أستاذ العلاقات العامة في الجامعات السودانية النور جادين إلى أنه “لا بد من التنبيه إلى أن فكرة التقارب بين السوان وجنوب السودان قد تتعارض مع مصالح بعض دول الجوار ودول إقليمية ودولية، لأن هذا التوجه قد يهدد مصالح دول وقوى بذلت جهوداً حثيثة تجاه انفصال الدولتين للانفراد بخيرات دولة جنوب السودان، وإضعاف السودان، وتفكيك نسيجه الاجتماعي، وشق وحدته، وتحقيق رغباتها بتقسيمه إلى أكثر من أربع دويلات”، منوهاً إلى أن انفصال جنوب السودان لم يكن برغبة الشعبين، بل كان طموح نخبة من السياسيين الجنوبيين مدفوعين بإغراءات دولية لها مصالح.
أضاف “الدولتان محتاجتان لجهود ضخمة وإرادة مستقلة خصوصاً دولة جنوب السودان للتخلص من نفوذ الاستخبارات الأجنبية وبناء وجهة نظر وطنية مستقلة تدافع عن التقارب مع جارتها السودان، ويعتبر خيار “الكونفيدرالية” مهماً جداً، لكن هذا الخيار لا يمكن طرحه الآن، لأنه لا توجد جهة سياسية في السودان تملك الشرعية السياسية لمناقشة قضايا إستراتيجية ومصيرية تتعلق بمستقبل العلاقات المشتركة، وقد يكون مناسباً طرحه كفكرة على مستوى مراكز البحوث الإستراتيجية والمثقفين والسياسيين في الدولتين كمشروع سياسي مستقبلي”، مشيراً إلى أن تنفيذ “الكونفيدرالية” وطرحها بشكل شرعي وجاد يحتاج إلى برلمان سوداني منتخب وحكومة شرعية منتخبة، وهذا غير متاح إلا بعد الانتخابات المقبلة.
مصالح اقتصادية
وتابع جادين “هناك عوامل عديدة مساعدة لنجاح “الكونفيدرالية” منها معرفة الشعبين ببعضهما بعضاً، من خلال الانصهار والتعايش عن قرب منذ الأزل، فضلاً عن عوامل اللغة والمصالح الاقتصادية المشتركة مثل البترول الذي يصدّر عبر الموانئ السودانية، إضافة إلى الحدود المشتركة الواسعة، والتداخل السكاني، وتبادل المنافع في مجالي الزراعة والرعي”، لافتاً إلى أنه اتضح حالياً للمواطن الجنوبي أنه خدع في مسألة الانفصال، وأنه كان أفضل له السودان الموحد خصوصاً بعد زوال النظام الذي كان يسلب حقوقه التي يكفلها له القانون، في الوقت الذي يعيش الآن المواطن الجنوبي في السودان بحرية كاملة، ومن دون مضايقات، ويتمتع بكل الخدمات المدعومة التي تقدمها الحكومة السودانية لمواطنيها، وهذه من العوامل الاجتماعية والنفسية التي تجعله يفضل خيار “الكونفيدرالية”.
وأكد أن الرأي العام المثقف والشعبي في السودان ليست لديه صعوبات كبيرة لقبول فكرة “الكونفيدرالية”، لكن يبقى التحدي في ضرورة تشكيل رأي عام يهيّء المواطن في دولة جنوب السودان ويبشره بقبول مشروع “الكونفيدرالية” مع السودان، لما لها من فوائد عديدة من النواحي كافة.