لماذا رفض الحوثيون المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار؟


السياسة الإيرانية “المعسكرة” تريد تأكيد أنه لا استقرار في المنطقة من دون طهران ووجودها ضمن الترتيبات الأمنية على النحو المتوافق مع مصالحها

هدى رؤوف كاتبة

تتّسم التفاعلات السياسية فى المنطقة العربية والشرق أوسطية بتشابك السياقات والمسارات، لذا لا يمكن فهم موقف جماعة الحوثيين من المبادرة التي أعلنتها السعودية من دون فهم المشهد الإقليمي بصورة أكبر.

فقد اقترحت السعودية يوم الاثنين سلسلة من الخطوات لإنهاء الحرب المستمرة منذ سنوات في اليمن، بما في ذلك وقف شامل لإطلاق النار يبدأ بمجرد قبول الحوثيين، أي بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية في البلاد، بينما ترفض جماعة الحوثي التخلي عن السلاح لتتفاوض.

المبادرة السعودية تضمنت وقف إطلاق النار بإشراف الأمم المتحدة وإجراءات لإعادة فتح مطار صنعاء ورفع القيود التجارية عن ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه الحكومة- تليها محادثات بين الحوثيين والحكومة اليمنية. وتدعو المبادرة السعودية إلى إيداع الضرائب والإيرادات الجمركية من السفن التي تحمل النفط إلى ميناء الحديدة في حساب مشترك للبنك المركزي وإعادة فتح المطار الدولي في العاصمة اليمنية بشكل محدود وبدء محادثات السلام بوساطة الأمم المتحدة. مع ذلك، قوبلت المبادرة بالرفض من جانب الحوثيين، على الرغم من سماح التحالف العربي الذي تقوده السعودية لأربع سفن وقود بدخول ميناء الحديدة المحاصر على البحر الأحمر، في خطوة محدودة نحو وقف مقترح لإطلاق النار مع المتمردين الحوثيين.

المشهد الذي قد يساعد في فهم رفض الحوثيين لسلام سريع ودائم اقترحته السعودية هو مشهد حسم الاتفاق الجديد مع إيران، الذي ما زال في مكانه منذ تولّي جو بايدن الإدارة الأميركية. والمثير للانتباه أن إيران قد تبدو هي من يمارس الضغط على بايدن. يظهر ذلك من مؤشرات عدة، منها اتهامات بإطلاق صواريخ على القوات الأميركية في العراق، واتهامات بشن هجمات صاروخية في أعقاب ضربات أميركية على الميليشيات المدعومة من إيران على الحدود السورية العراقية، إضافة إلى اتهامها بالهجمات المستمرة على السعودية من قبل الحوثيين المدعومين من طهران.

في حين تنفي إيران هذه الاتهامات، وتعتبر أن لا أساس لها على الإطلاق.

لكن، في المقابل، هناك رسالة لطهران تفيد بأنها لا تنوي السماح للمواجهة حول خطة العمل الشاملة المشتركة بإعاقة لعبها في المنطقة، وأن السياسة الإيرانية “المعسكرة” تريد تأكيد أن لا استقرار في المنطقة من دون طهران ووجودها ضمن الترتيبات الأمنية على النحو المتوافق مع مصالحها.

الرفض الحوثي ربما يعود إلى أسباب عدة، منها اعتقاد الحوثيين أنهم في وضع قوي بما يكفي لرفض مقترحات السعودية، فربما تم تفسير رغبة إدارة بايدن إنهاء الحرب الأهلية اليمنية لأسباب إنسانية بشكل خاطئ، إذ قامت الإدارة بخطوات عدة، من بينها إلغاء تصنيفها الحوثيين “منظمة إرهابية” في فبراير (شباط)، بعدما وضعهم دونالد ترمب على القائمة قبل وقت قصير من مغادرته منصبه.

ويأتي الموقف المتعنت للحوثيين بعد زيادة عدد هجماتهم الإرهابية تجاه السعودية نفسها في الوقت الذي يشتبك بايدن مع إيران في شأن كيفية إحياء اتفاق 2015. ويقول المسؤولون السعوديون إن إيران تستخدم الحوثيين للضغط، ما يعني أن ما يحدث هو استمرار لتوظيفها لهم للضغط على الولايات المتحدة.

ويبدو ذلك في الملف اليمني بشكل واضح، من خلال تعامل الإيرانيين معه. فقراءة أحد مقالات وزير الخارجية جواد ظريف فى مجلة “فورين أفيرز” قبل عامين، توضح توظيف إيران للملف اليمني. فقد كتب ظريف أن البيئة الإقليمية المضطربة هي نتاج العلاقات المتدهورة بين إيران والولايات المتحدة، وأن تداعيات الصراع المستمر منذ عقود بينهما، الذي تفاقم نتيجة القضية النووية، وزاد من تعقيد حالة العلاقات بين طهران ومجموعة من جيرانها. وخلال فترة التوترات تلك، حدثت طفرة في أنشطة الجهات الفاعلة المتطرفة والعنيفة في دول مثل أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا. هذه الفقرة يريد منها تأكيد محورية دور إيران لحل أزمات المنطقة، ولاستمرار تأكيده على النفوذ الإيراني وتسويقه للغرب. ويعتبر أنه لا بد للدول الأخرى من قبول حقيقة دور طهران البارز في الشرق الأوسط وما وراءه، والاعتراف باحترام حقوق إيران “الوطنية المشروعة” ومصالحها الأمنية، وأن ما يحتاج إليه الغربيون هو تعديل فهمهم لإيران والشجاعة لاغتنام الفرصة التاريخية للتفاهم معها.

ومن هذا المنطلق، يطرح ظريف المبادرات حول تسوية الصراعات والتحديات الإقليمية في إطار التعاون الإقليمي واستعداد إيران للبدء بالملف اليمني. وهنا يتضح ربط إيران علاقتها بالغرب والسعودية وحل توترات المنطقة عموماً بما ستحصل عليه.

لذا، فالرفض الحوثي الآن، يذكّر بكيف استفادت إيران من تحركات “حزب الله” كأداة للضغط على إسرائيل، وكيف استطاعت إيران توظيف الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل في سياق صراع أوسع مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والضغط لمصلحتها، والتماهي مع السعي لتحدّي مجلس الأمن الدولي في ما يتعلق بمشروعها النووي وصدور قرار المجلس رقم 1696 لعام 2006، الذي ينص على أن تتخذ إيران من دون تأخير التدابير التي طلبها مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في قراره الرقم GOV/ 2006/ 14، والتي لا بد منها لبناء الثقة في الأغراض السلمية لبرنامجها النووي وتسوية المسائل المعلقة، وأن تضع إيران حدّاً لجميع أنشطتها المتصلة بالتخصيب وإعادة التجهيز، بما في ذلك البحث والتطوير، على أن يخضع ذلك للتحقق من قبل الوكالة الدولية. في ذلك الوقت، اندلعت حرب تموز 2006 بين “حزب الله” وإسرائيل واعتبر كثيرون حينها أن الحرب وقعت بدفع من إيران من أجل تشتيت الانتباه عن مناقشة برنامجها النووي في تلك الأثناء، وهو كان على أجندة قمة مجموعة دول الثماني في 2006.

أخيراً، فإن الموقف الدولي المتجاوب مع المبادرة السعودية، يجب ألا يقف عند حد الإشادة بالمبادرة، بل لا بد من الضغط على الحوثيين من أجل تسوية تفاوضية، ولا بد من تبنّي مبعوث الأمم المتحدة نهجاً جديداً وطلب مساعدة الولايات المتحدة في تشكيل مجموعة اتصال دولية جديدة لدعم جهوده. فلدى الرياض الحق في حماية أمنها من معاقل الحوثيين في المناطق الشمالية من اليمن، التي تحدّ الأراضي السعودية مباشرة.