حرب الشيعة – السنة الكبرى


إلى إيران: كفوا عنا أذى العمائم السود فلن تجلب علينا وعليكم سوى أيام سوداء

سعد بن طفلة العجمي وزير الإعلام السابق في الكويت

هي ما يتمناه أعداء الخير والتعايش والسلام في هذه المنطقة التي لم تعرف بكليّتها السلام ولا التعايش منذ قرون، فكل المؤشرات والتطورات تستخلص أن حربا سنية – شيعية كبرى هي حلم وهدف قوى الشر لتحطيم البقية الباقية من دول الشرق العربي ممثلة في دول الخليج والأردن، فلقد تحطم العراق وتدمرت سوريا وهلك لبنان وأصبح اليمن ذارياً تذروه الرياح، وذلك بفعل ديكتاتوريات الحمق والبطش والاستبداد أولاً، مضافاً إليها عنصر إيراني هو خليط من أيديولوجيات الماضي السحيق البالية، وخزعبلات الدين السياسي لتعبئة العامة ودفع الجماهير ببعضها لاستئناف معارك تاريخية ولّت بمن خاضها من المهزومين والواهمين بالنصر، “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون”.

تستحضر إيران المعارك التي خاضتها بطون قريش على السلطة قبل 14 قرناً، وتعبئ الدهماء والبسطاء واليائسين للثأر انتصاراً لضحايا معارك صار مآلهم إلى ربهم الذي إليه يرجعون، فالخطاب السياسي – الديني الذي تمزجه إيران الرسمية كخلطة للتعبئة الطائفية في منطقتنا، بلغ أوضح وأبشع صوره في تجنيد الفقراء والبسطاء والعامة من باكستان وأفغانستان، وحتى ضِيع الجنوب اللبناني مروراً باليمن التعيس الذي لم يعرف السعادة في تاريخه الحديث، كما في العراق المحطم الذي تعبث به ميليشيات ترفع شعارات الولي الفقيه، وغالبهم كان يدبك ويهوّس بالأمس القريب، “صدام اسمك هز أميركا”! وكذلك في سوريا الخَربة بفضل استبداد أحرق البلاد والعباد، واستنصر بإيران وروسيا لتدمير كل شيء، وحرق كل شيء، وقتل كل نفس فكرت بالتخلص منه أو حتى لو لم تفكر بذلك.

تتهاوى الليرة اللبنانية، ويجوع البشر في لبنان الأخضر، ويتعطل تشكيل الحكومة فيه بسبب ثلث إيران المعطل. هل سمعتم بنظام ديمقراطي يتحكم الثلث فيه بالثلثين؟ هي ولاية الفقيه، ومن يقل بغير ذلك فمصيره كمصير لقمان سليم اللبناني الحر العلماني الوطني ذو الأصول الشيعية، الذي اغتالته رصاصات حزب الله: المجد لكاتم الصوت، والموت لمن يرفع الصوت!

 ومن هنا جاء رفض عصابات الحوثي التابعة لإيران لكل مبادرات السلام وإنهاء الحرب في اليمن، وآخرها المبادرة السعودية يوم الإثنين الماضي والتي تدعو لوقف شامل لإطلاق النار وبدء مفاوضات سلمية بين الأطراف اليمنية، وذلك رفقاً باليمن وأهله الذين يعانون الفاقة والسغب والجوع والأمراض والفقر والتشرد، لكن هيهات، فالولي الفقيه يمضغ دماء الحقد الأسود على كل ما هو عربي باسم “ثارات الحسين” لتحرير مكة والمدينة.

لاحظ أن الأمم المتحدة والعالم كله رحب بالمبادرة السعودية للسلام وإنهاء الحرب باليمن، ما عدا إيران والحوثي بالتبعية فقط!

أعلنت إيران الحرب على السعودية بقصف بقيق وخريص في سبتمبر (أيلول) 2019 بصواريخ انطلقت من إيران نفسها، وصواريخ من العراق من ميليشيا إيرانية، وصواريخ ومسيرات من صعدة على الرياض والأراضي السعودية. اكتمل المشهد، ولا توقفوا الحرب، فنحن سائرون من طهران شرقاً ومن القاعدة البحرية الإيرانية بإريتريا غرباً إلى مكة والمدينة لتحريرها.

وماذا عن القدس؟ الجواب: هو ثالث الحرمين الشريفين وليس أولهما، “وافهم يا فهيم”!

بفيديو انتشر لنائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس يهنؤه فيه أحد مرافقيه بالنصر على “داعش” ويردد: عقبال القدس! فرد عليه المهندس بالفارسية: نا (لا) رياز (الرياض) سَئُودي (السعودية).

يذكر أن المهندس قتل مع قاسم سليماني في غارة أميركية على مطار بغداد في يناير (كانون الثاني) العام الماضي.

يكرر القادة المعممون بطهران مع الأسف خلطة من هذيان التشيع السياسي أغلبه للخارج، وخبل العنصرية الفارسية أغلبه للداخل، كمبرر لاستمرار النظام وسياسات التغول الدموي الخارجية، وكذريعة للقمع وللفقر بالداخل الإيراني، ولا يرى المراقب في الأفق ومضات عقل ومنطق تخرج من طهران، خصوصاً تجاه العرب عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً، فإيران يمكن أن تكون براغماتية مع العالم كله إلا مع العرب، ويمكنها أن تتفاهم مع الشيطان الأكبر (أميركا) وتعقد معه اتفاقاً نووياً، ويمكن أن تشتري منه السلاح عبر إسرائيل نفسها، كما فعلت في صفقة “إيران كونترا غيت” عام 1985، بل ويمكنها أن تتلقى الضربات الإسرائيلية تلو الضربات على أتباعها يومياً في سوريا والعراق بكل جبن وخنوع، لكنها لن تقبل حتى بحقن دماء الشعب اليمني المنكوب، وتستمر في تحريضها للحوثي في جبال مران وصعده.

أطلقت إيران شرار حرب ضروس مع العراق عام 1980، حولها المستبد صدام حسين إلى حرب عدوانية شاملة على إيران، وأصرت إيران على استمرارها ثمان سنوات عجاف، أتت على الأخضر واليابس وقتلت مليوناً وأكثر، وخلفت الجرحى والثكالى واليتامى والمشردين، وأهدرت عبثاً مئات مليارات الدولارات من خيرات فقراء الشعبين، حتى تجرع قائدها الخميني آنذاك كأس السم وقبِل بوقف إطلاق النار عام 1988، بعد خراب البصرة والمحمرة وعبدان وديزفول والفاو، لكن إيران الخمينية لم تنته بنهاية الخميني مثلما انتهت الصدامية بنهاية صدام، بل سرعان ما تعافت من سموم حرب السنوات الثماني لتستأنف حروباً بالمنطقة العربية كلها تجاوزت العراق، هي في غالبها بالوكالة بتعبئة الغوغاء والجهلة بلغة طائفية سَملة تجاوزها التاريخ.

يشهد المراقب اليوم أن الشيعة العرب الذين تحاول إيران تعبئتهم ضد دولهم بشعارات الطائفية ينتفضون ويقاومون بوطنية وعروبة وإسلام وطني ضد التدخل في دولهم، ويرفضون مصادرة قرارهم ورهن مصيرهم في طهران، وذلك على الرغم من الإرهاب الذي يمارسه “حزب الله” بنسخه الإقليمية، وما يفعله في أوساطهم، وهم يدركون ما حل بالمجتمعات الشيعية العربية التي انقادت أحزابها الطائفية لولاية الفقيه بطهران، فقد حل بأوساطهم الفقر والخراب والجوع، وانهارت أوضاعهم المعيشية والتنموية على كل المستويات.

إن علينا في دول الخليج تعزيز مواطنة مواطنينا بمنطقتنا كسد منيع، ودرع حصين في وجه العبث الطائفي الذي تغذيه وتشجعه إيران، إذ إن تعزيز المواطنة التي تضمن حقوق كل المواطنين بيننا بغض النظر على مذاهبهم، هي المؤونة الحقيقية للصوت الشيعي الوطني في أوساط الشيعة من المواطنين بيننا، وعلى العكس من ذلك، فإن أية سياسات تمييز بين المواطنين على أساس مذاهبهم هي الخطيئة التي تلطم إيران على وقعها وآثارها، وهي التي تدفع البسطاء للانحياز الطائفي السياسي الشيعي الذي تتزعمه وتقوده إيران في المنطقة.

إن هذه المقالة هي سلسلة من مقالات مناشدة للعقلاء في إيران، بأن يكفوا عنا أذى العمائم السود، فوالله لن تجلب علينا وعليكم سوى أيام سوداء، وخراباً تنعق فوقه غربان البين السوداء، وكل ما هو مطلوب هو أن تتعامل إيران كدولة مع دولنا كجيران وفق قواعد القانون الدولي وسياسات حسن الجوار، وأن تتخلى عن خزعبلات التاريخ ومآسيه وأيامه التي ولّت بلا رجعة.

 إن استحضار التاريخ وحوادثه كوقود لخطاب الحاضر ومحاولة فهمه، لهو التخلف والرجعية، وهو الذي جلب الخراب على الدول التي تتدخل وتهيمن عليها عمائم الدين السياسي، وأول هذه الدول إيران نفسها.

المقالة تعبر عن راي كاتبها