وضعت ميليشيات الحوثي أمام خيار صعب إما القبول بالمبادرة فتفقد سلطتها أو رفضها فتخسر موقفها الدولي
وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
بعد أن تتالت ضغوط إدارة بايدن على الرياض منذ الأسبوع الأول من دخولها البيت الأبيض، من تجميد تنفيذ صفقة سعودية لشراء “ذخيرة ذكية”، إلى مطالبة علنية بضرورة وقف العمليات ضد الحوثيين في اليمن، إلى مسعى لإقامة طاولة حوار تؤدي إلى تشريع غير مباشر للميليشيات المرتبطة بإيران، قامت السعودية بخطوة ذكية قد تغير المعادلة المعنوية وربما الدبلوماسية تجاه الحوثي عالمياً.
اللوبي الإيراني
اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة عبأ نظيره بشأن “الاتفاق النووي” منذ سنوات ليركز قصفه ضد مصالح السعودية في المنطقة، كما في واشنطن. وتصاعدت الحملات في أميركا ضد القيادة السعودية منذ تصديها لمحور إيران العسكري في اليمن. وصعد اللوبيان الضغوط بشكل واسع بعد إلقاء الرئيس ترمب خطابه التاريخي في الرياض في يونيو (حزيران) 2017، وبعد تولي ولي العهد محمد بن سلمان موقع ولي العهد وبروزه كقائد إصلاحي ناجح داخل البلاد. وتلخصت خطة مجموعة الضغط المؤيدة لطهران في واشنطن بحمل إدارة بايدن على عزل الملف السعودي عن سائر ملفات المنطقة والتركيز على العلاقات الأميركية السعودية فقط. وترجمة ذلك بدفع الرياض للانسحاب من اليمن، في مقابل “حماية أمن الأراضي السعودية”. وكأن عرض الإدارة يقول اتركوا اليمن كي نعالجه، على ضوء مفاوضاتنا مع إيران، ونحن نلتزم أمن أراضيكم.
ولكن مؤيدي طهران في واشنطن ذهبوا إلى مكان آخر في ضغطهم على السعودية، فقد تعجب المراقبون عندما نُشر تقرير استخباراتي يخلص إلى “مسؤولية معينة لمسؤولين سعوديين في ملف خاشقجي” على الرغم من أن التقرير لم يتقدم بإثبات، بل بتقييم استخباراتي.
والمعلوم أن التقرير كان موجوداً لأكثر من عام، إلا أن توقيت نشره أفصح عن النوايا لدى الدوائر التي تبغي إزالة كل العواقب من أمام العودة إلى الاتفاق النووي.
وشكل نشر التقرير مفترقاً في واشنطن بين مؤيدي الاتفاق النووي “المتشددين” المحيطين بالإدارة، والمسؤولين فيها الذين باتوا على معرفة بالمتغيرات على الأرض في المنطقة. فكما كتبنا سابقاً، التحالف العربي بات واقعاً على الأرض وتبين ذلك مع وقوف مصر، والإمارات، والبحرين فوراً مع الرياض عندما نُشر التقرير. وتضامَنت دول عربية عديدة مع السعودية عندما استهدفها الحوثيون. ضف إلى ذلك ثقل “معاهدة إبراهيم” في المعادلة مع ما يعنيه ذلك من وقوف قاعدة واسعة في الولايات المتحدة مع الدولة التي، وإن لم توقع مباشرة، سمحت لاتفاق كهذا أن يخرج إلى النور.
بايدن يقرأ الواقع
لكل تلك الأسباب المشار إليها أعلاه، انشطرت سياسة الإدارة إلى محورين، محور يستمر بتركيزه على العودة إلى الاتفاق. وآخر براغماتيكي يريد الحفاظ على صداقة السعودية، بسبب الواقع الجديد غير الممكن تبديله بسرعة، أو القفز من فوقه. لذلك تضاربت الأنباء حول ما كان يخرج من واشنطن، بين بيانات تدعو لوقف عمليات التحالف في اليمن، وفي الوقت نفسه بيانات أخرى تلتزم أمن السعودية. أما السياسة العملية للبيت الأبيض تجاه الرياض وصنعاء، فيمكن استخلاصها كما يلي، التزام أميركي بأمن السعودية دون التوضيح كيف؟ في مقابل الدعوة إلى “حل سياسي في اليمن” أيضاً دون التوضيح كيف؟
المبادرة السعودية المفاجئة
وفجأة بين ليلة وضحاها، أعلن وزير خارجية الرياض عن “مبادرة سعودية” لحل الأزمة في اليمن، تبدأ بأمرين، الأول هو وقف شامل لإطلاق النار تحت إشراف دولي. والأخير تحويل مداخيل الحديدة إلى السلطات المصرفية الشرعية في اليمن. وذلك توطئة لخروج الآلة الإيرانية، ونزع أسلحة الميليشيات، ما يقود إلى انسحاب التحالف، وتسلم الشرعية كامل البلاد.
عملياً، تشكل المبادرة السعودية مقدمة لتدويل الأزمة، أي وضع الملف بين أيدي مجلس الأمن، بدلاً من حصريته في أيدي إدارة بايدن. وتشكل أيضاً تحركاً ذكياً للدبلوماسية السعودية، حيث ربطت الرياض بين انسحاب التحالف وإمساك الأمم المتحدة بالملف كاملاً.
الرد الحوثي المحسوب
و كما كان منتظراً رد الحوثيين بالرفض لسببين متوقعين، الأول أن الميليشيات المرتبطة بإيران لا يمكن أن تقبل بأن تقوم الأمم المتحدة بسحب سلاحها لأن ذلك يعني نهاية نفوذها في اليمن. أما الآخر فهو التخلي عن إيرادات المرافئ و المرافق، عمودها الفقري المالي.
ضربة معلم
المبادرة السعودية وضعت الحوثيين أمام خيار صعب، إما القبول بالمبادرة، فتخسر سلطتها، أو ترفضها، فتخسر موقفها الدولي أمام إدارة بايدن، فالعرض السعودي سيضعف من حجة الحوثيين، ويزيد من عزم البراغماتيين في الإدارة أن يأخذوا من المبادرة ما يمكن أخذه والحفاظ على الشراكة مع الرياض دولياً بدلاً من التخلي عنها لصالح اتفاق مع نظام غير موثوق منه.