نجح تطبيق للتجارة الإلكترونية على الهواتف الذكية، أُسّس قبل 5 سنوات، وحوّل التسوق بأسعار مخفّضة إلى لعبة عبر الإنترنت، في التفوّق على موقع “علي بابا”، ليصبح أشهر موقع إلكتروني للتسوّق في الصين.
وأعلنت شركة “بيندودو” Pinduoduo، في تقرير أرباحها ربع السنوي، أن 788.4 مليون فرد استخدموا تطبيقها بنهاية عام 2020، مقابل 779 مليون مستخدم لـ “علي بابا”، وفقاً لعدد الأشخاص الذين أجروا عمليات شراء خلال الأشهر الـ 12 الماضية.
وأوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الإيرادات السنوية لـ “بيندودو”، البالغة 9.1 مليار دولار، لا تزال تمثل جزءاً ضئيلاً من 72 مليار دولار سجّلتها “علي بابا” في السنة المالية الماضية. واستدركت أن الشركة ضاعفت أعمالها تقريباً، مقارنة بعام 2019، مرسّخة مكانتها بوصفها أبرز منافس، لتخفيف قبضة “علي بابا”، وشركة “جاي دي دوت كوم”، على الاستهلاك الإلكتروني في الصين.
وقال كولين هوانغ، مؤسس “بيندودو”، وهو مهندس سابق في “غوغل”، مخاطباً موظفيه خلال احتفال الشركة بالذكرى الخامسة لتأسيسها: “معاً حققنا معجزة صغيرة. أحدثنا تحوّلاً في التجارة الإلكترونية الصينية، وحتى في هيكل الإنترنت الصيني”.
تسوّق وترفيه
وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن “بيندودو” قدّمت نفسها بوصفها مزيجاً من التسوّق القائم على القيمة والترفيه الخفيف، إذ تجمع بين التسوّق ومواقع التواصل الاجتماعي، محوّلة التسوّق إلى لعبة.
ويتيح التطبيق، الذي يعني اسمه “جمع أشخاص كثيرين معاً”، لأصدقاء وغرباء بالتجمّع معاً والفوز بصفقات للسلع المشتراة إما بشكل فردي أو بالجملة للحصول على خصم. ويتجمّع الأصدقاء في “بيندودو” لمشاهدة بث مباشر، ومشاركة صفقات، وإجراء عمليات شراء معاً، أثناء مشاركتهم في ألعاب على التطبيق.
وبالنسبة إلى “بيندودو”، تستهدف الألعاب إبقاء المستهلك على المنصة، وتكون بمثابة بوابات إلى أماكن التسوّق في التطبيق.
وعكس شركات منافسة أُسّست خلال عصر الكمبيوتر الشخصي، فإن “بيندودو” هو تطبيق للهواتف الذكية، من دون نسخة لسطح المكتب أو سلّة للتسوّق.
وقال تشين لي، الذي خلف هوانغ العام الماضي في منصب الرئيس التنفيذي للشركة، بعدما كان أبرز مسؤوليها للتكنولوجيا، إن “بيندودو” نجحت في “التحوّل من البحث إلى التصفح”، بوصفه نشاطاً اجتماعياً.
وتخلّى هوانغ لتشين الأسبوع الماضي عن منصب رئيس مجلس الإدارة، متنحّياً عن منصبه للتركيز على مشاريع بحثية في علوم الحياة، كما أعلنت الشركة التي لا يزال أبرز المساهمين فيها.
وفاة موظفَين
يتزامن بروز “بيندودو” مع مواجهة “علي بابا” تحديات كثيرة، بما في ذلك تحقيق لمكافحة الاحتكار، وتعزيز تدقيق حكومي في نشاطاتها.
وذكرت “وول ستريت جورنال” أن قيمة أسهم “بيندودو”، المدرجة في بورصة ناسداك بنيويورك، ارتفعت خلال العام الماضي، كما تجاوزت قيمتها السوقية منافستها “جاي دي دوت كوم”، وبلغت ذروتها نحو 250 مليار دولار في فبراير الماضي. وباتت الثروة الشخصية لهوانغ (41 عاماً) تبلغ 69 مليار دولار، ما جعله ثالث أغنى رجل في الصين، متقدّماً على مؤسّس “علي بابا” جاك ما.
ومع ذلك، كان 2021 أكثر الأعوام صعوبة بالنسبة إلى “بيندودو”، إذ وُجّهت انتقادات لثقافة العمل في الشركة، بعد وفاة اثنين من موظفيها الشبان. وقال تشين في هذا الصدد: “نبذل جهدنا لإعالة أسرهم وأحبائهم”. وأضاف أن الشركة تقدّم خدمات استشارية لموظفيها.
وفرضت الهيئة المنظمة في الصين هذا الشهر غرامة على “بيندودو”، مع شركات أخرى للتجارة الإلكترونية، بدعوى حصول ممارسات مؤذية. وعلّقت الشركة على هذا الأمر، مشيرة إلى أنها تولي أهمية كبرى لتدخل الحكومة، ومتعهدة بمعالجة المسائل المطروحة.
وخسرت الشركة 1.1 مليار دولار في عام 2020، علماً أن سوق التجارة الإلكترونية في الصين لا تزال تنمو بقوة. ورجّحت مؤسسة الأبحاث eMarketer توسّع البيع بالتجزئة عبر الإنترنت في البلاد، من 354 مليار دولار العام الماضي إلى 549 مليار دولار في عام 2025.
نجاح بعد فشل
نجاح “بيندودو” تحقق بعد فشل. ففي صيف 2015، كانت الشركة متخصّصة في بيع الفاكهة بأسعار مخفّضة، وملأت مستودعها الوحيد قرب شنغهاي بفاكهة الليتشي الصينية، كما قال تشين.
ونشرت الشركة إعلاناً على تطبيق “وي تشات”، لكن الطلبات كانت كثيرة، وتعطّلت أنظمة الشركة، وواجهت صعوبات في إنجاز غالبية عمليات التسليم. فسدت الفاكهة نتيجة حرارة الصيف، ما أرغم الشركة على ردّ أموال آلاف من زبائنها الغاضبين. وقال تشين: “هذا الفشل جعلنا نتواضع”.
وبعد تحقيق بشأن المستودع، اتخذت الشركة قراراً باعتماد نموذج عمل مختلف، إذ لم تعد تشتري البضاعة، بل أصبحت منصة تربط التجار بالمستهلكين، مثل “علي بابا”، وتستثمر في الوقت ذاته في البرمجيات والخدمات اللوجستية والبنية التحتية، لتجنّب تكرار المشكلة.
لكن هذه المشكلة أثبتت صحة حدس هوانغ، بإمكانية الجمع بين مواقع التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية، إذ إن معظم الذين اشتروا الفاكهة، علموا بالأمر بواسطة أصدقاء عبر “وي تشات”، شجّعوا أشخاصاً في دائرتهم على التعاون معاً لشراء كميات كبرى بسعر مخفّض.
رهان على الأغذية الطازجة
وأنفقت الشركة نحو 13 مليار دولار لدعم المنتجات، ودفعت للتجار لخفض أسعارهم، وتقديم صفقات ملفتة للنظر.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن تشين قوله إن خطة “بيندودو” تمثلت في مواصلة ضخّ الإيرادات في الإعانات، إلى أن تخلف “علي بابا” بوصفها منصة التسوّق الافتراضية لحوالي مليار مستهلك صيني. لكنها تلقت أخيراً توبيخاً لاستخدامها الإعانات في الترويج لمنصتها، في ما اعتبرته الهيئة المنظمة تشويهاً للسوق ومسّاً بمصالح المستهلكين.
كما أن معظم المستهلكين لا يدفعون الكثير، إذ إن المستخدم العادي للتطبيق أنفق 324 دولاراً في عام 2020، وهذا أقلّ من ربع متوسّط إنفاق المستخدمين على “علي بابا”.
ولسدّ هذه الفجوة، تعزّز الشركة رهانها على استهلاكها للأغذية الطازجة، التي تساهم بنسبة 15% من إيراداتها، بعدما جمعت أكثر من 6 مليارات دولار العام الماضي، لتمويل برنامج زراعي طموح.