إيفانستون أول مدينة أميركية تدفع تعويضات للسود عن التمييز العنصري

ستدخل التاريخ بهذه الخطوة المخصّصة لمساعدة المستحقين في تمويل رهنهم العقاري أو تصليح منازلهم

تدخل مدينة إيفانستون الأميركية في ضواحي شيكاغو التاريخ الاثنين 22 مارس (آذار)، إذ ستصبح أول مدينة تدفع لسكانها من أصحاب البشرة السوداء تعويضات عمّا تعرّضوا له من تمييز عنصري، يستخدمونها في تمويل رهنهم العقاري أو تصليح منازلهم. وخصّصت بلديتها لهذا الغرض موازنة قيمتها عشرة ملايين دولار موزّعة على 10 سنوات.

وفي حال وافق المجلس البلدي لإيفانستون على هذا الإجراء، ستكون المدينة الواقعة في ولاية إيلينوي خطت خطوةً نحو حل مسألة شائكة تتعلّق بما تدين به الولايات المتحدة للأميركيين السود من أحفاد “العبيد” الذين أسهم عملهم في جعل هذا البلد قوةً عظمى، إلى الأجيال اللاحقة التي حُرمَت حقوقها من خلال الممارسات التمييزية.

إلا أن إيفانستون البالغ عدد سكانها 75 ألف نسمة والواقعة على ضفاف بحيرة ميشيغان إلى الشمال من شيكاغو، لا تدّعي أنها توفّر معالجةً شاملةً لهذه المشكلة التي تطاردها منذ إلغاء العبودية قبل أكثر من قرن ونصف قرن، بل هي، على العكس من ذلك، تراهن على معالجتها من خلال جانب واحد، هو التمييز في السكن.

المستحقون

ويحظى المشروع المموّل من ضريبة على القنب بدعم واسع، ومن المتوقّع أن يقرّه المجلس البلدي للمدينة الاثنين ويخصّص له دفعة أولى من الاعتمادات بقيمة 400 ألف دولار.

وسيحصل عدد قليل من السكان الذين يستوفون المعايير على 25 ألف دولار لكل منهم، لاستخدامها في تمويل رهنهم العقاري أو تجديد منازلهم.

وحدّد المشروع المستحقين بالمتحدرين المباشرين من السود الذين عاشوا في إيفانستون بين عامي 1919 و 1969، وعانوا الممارسات التمييزية لسلطات المدينة في مجال الإسكان، إضافة إلى السكان السود الحاليين الذين تزيد أعمارهم على 18 سنة والذين يواجهون التمييز نفسه.

ومن أبرز هذه الممارسات ما يُسمّى “الخط الأحمر”، وهو إجراء كانت المصارف تحدّ بموجبه من القروض العقارية الممنوحة لسكان بعض المناطق الفقيرة التي يغلب فيها السود ويتمّ تحديدها أحياناً بخط أحمر على الخرائط، مما يعزّز عملياً الفصل العنصري الذي كان قائماً منذ نهاية القرن التاسع عشر.

“بناء الثروة من خلال الإسكان”

وأوضح رون دانيلز، عضو اللجنة الوطنية لتعويضات الأميركيين السود، وهي جمعية تأسّست في عام 2015، أن “الأمر لا يتعلّق فقط بالعبودية”، إذ إن الحاجة إلى التعويضات “تتجاوز ذلك”.

ولاحظ دانيلز أن المظالم كثيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن الأميركيين من أصل أفريقي لم يتمكنوا من الإفادة من الكثير من الإجراءات العقارية، و”الافتقار المنهجي إلى الاستثمارات في الأحياء السوداء”، والحرب على المخدرات التي تتركّز بشكل غير متوازن على السكان السود. وقال، “في كل هذه المجالات، ثمة حاجة إلى تعويضات”.

ومن خلال التركيز على التمييز في المجال العقاري، تسعى إيفانستون إلى “بناء الثروة من خلال الإسكان”، وفق ما أوضحت عضو المجلس البلدي المسؤولة عن المشروع، روبن رو سيمونز.

وشدّدت سيمونز التي تعيش في المنطقة الخامسة من إيفانستون وتتولى تمثيلها، وهي منطقة يقطنها السود تاريخياً، على أن المبادرة لا تهدف إلى إعطاء تعويضات بديلة من التعويضات الفيدرالية.

واعتبرت أنها “خطوة أولى صغيرة نحو التعويض وإحقاق العدالة للأقلية السوداء في مدينتنا إيفانستون، لكن التعويضات لن تكون كافية من دون القانون “أتش آر 40″ والموارد الفيدرالية التي سيوفّرها” ، في إشارة إلى مشروع قانون يهدف إلى إنشاء لجنة برلمانية مختصة بهذه القضية لكن إقراره يتعرقل بانتظام في الكونغرس.

مسألة معقدة

بعد الحرب الأهلية (1861-1865)، سرعان ما تلاشت مكتسبات الأميركيين من أصل أفريقي ليحلّ مكانها عصر من الفصل العنصري والعنف استمرّ حتى ستينيات القرن العشرين، بعد إقرار قوانين الحقوق المدنية.

وترافقت فترة ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب والاحتجاجات التي أعقبت مقتل عدد من الأميركيين السود على أيدي الشرطة عام 2020، مع وعي متزايد في الولايات المتحدة. واقترح عدد من المرشحين للانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي معالجة مسألة التعويضات.

إلا أن السؤال الذي يُطرَح هو: كيف السبيل إلى تطبيق مبدأ التعويضات في حال أُقرّ؟ من سيكون معنياً بها، وكيف يتم تخمين قيمة الضرر الذي لحق به؟

ويمكن المدافعين عن هذه القضية الاستشهاد بسابقة تتمثل في دفع ملايين الدولارات لأميركيين من أصل ياباني احتُجزوا في معسكرات خلال الحرب العالمية الثانية. ولكن في هذه الحالة، كان قياس الفترة الزمنية والضرر الناجم أكثر سهولة، وهو ما لا ينطبق على الضرر الذي لحق بأجيال كاملة من الأميركيين السود الذين كانوا ضحايا العبودية والفصل والتمييز.

ورأت روبن رو سيمونز ضرورة ألا يحول الطابع المعقد للمسألة دون بدء العمل في هذا الشأن.

وأكدت أنها مستعدة لتقديم خبرتها لكل من يفكر في اتباع النهج نفسه في كل أنحاء الولايات المتحدة. وأضافت، “إبدأوا الآن، فما مِن داعٍ لإجراء دراسات، ولا حاجة إلى انتظار بيانات جديدة”. وقالت، “قولوا نعم للتعويضات ولإحقاق العدالة للسود”.