سوريا بعد عشرة أعوام من الحرب في ظل الدعم الإيراني


طهران تتبع سياسة تستهدف التغيير الديموغرافي والثقافي ليس باستجلاب المقاتلين الشيعة فحسب بل بتجنيد السنة

هدى رؤوف كاتبة 

تمر هذه الأيام الذكرى العاشرة لاندلاع الحرب في سوريا. والحرب هي نموذج لحروب الوكالة والتدخلات الإقليمية والدولية، مما أسهم في إطالة أمدها بدلاً من إنهائها وإنهاء مأساة السوريين معها. ويعد التدخل الإيراني في هذه الحرب منذ بداياتها نموذجاً ليس للتدخل الإقليمي الذي عقد ديناميكياتها فحسب بل تقدم الاستراتيجية الإيرانية في سوريا على مدار العشر سنوات كنموذج لكيفية خلق حالة تبعية بين نظام سياسي وآخر، بل خلق مجتمع تابع لآخر.

بمعنى أنه حتى لو تم إيجاد حل سياسي للأزمة السورية يتضمن تقليص الوجود الإيراني العسكري فيها، فهذا لا يعني إنهاء  النفوذ الإيراني في الدولة السورية ومجتمعها. فإيران تتبع الاستراتيجية المتعددة الأبعاد ذاتها في كل الدول التي شهدت انهيار النظام السياسي ومؤسسات الدولة، بل تعمل على إعادة تشكيلها على النحو الذي يخلق علاقات صداقة مع نظام سياسي جديد حليف أو خلق نخب جديدة تابعة أو خلق علاقات تأثير أيديولوجي وثقافي مع المجتمع.

فعلى المستوى السياسي والعسكري قدمت الدعم  للرئيس السوري بشار الأسد، الذي تجاوز الدعم اللوجيستي إلى الوجود الميداني لقوات إيرانية و”حزب الله”، بل وتجنيد ميليشيات أجنبية من أفغانستان وباكستان والعراق عمل كثير منها على نقل أسرها إلى المدن التي هجرها السوريون، كما عملت على تأسيس ميليشيات محلية من سوريا كقوات دفاع، والكثير من عناصرها ينتمون إلى السنة ولكن في مقابل مادي نظراً للحرمان الاقتصادي الذي يعانونه.

كما وجدت إيران ميدانياً داخل سوريا عبر قواتها من الحرس الثوري وحرصت على دمج الميليشيات الإيرانية المحلية في جيش بشار الأسد وفروعه الأمنية لمنحها مكانة قانونية في سوريا. وأسست شركات أمنية خاصة بها، وتعمل على دعم ألوية داخل الجيش السوري.

في حين تنفي إيران مشاركتها في القتال بسوريا، وتؤكد أن دعمها نظام الأسد يقتصر على تقديم استشارات لحليفها.

وفي ظل الرفض الدولي والعربي للترسيخ الإيراني في سوريا، والتنافس الروسي والهجمات الجوية الإسرائيلية، اعتمدت طهران بشكل أساسي على توظيف العامل الأيديولوجي، الذي يعد أهم مصادر القوة الناعمة وأدواتها الفكرية، في كل مجالات تأثيرها، إذ لم تتخلَّ عن البعد الأيديولجي وترسيخه في الدول التي تدخلت فيها. فحرصت على تعزيز نفوذها الديني والترويج لولاية الفقيه عبر طرق عدة. فأحياناً تمارس علاقات القوة من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تتغير فيها القواعد والتوجهات القيمية للنخب والمواطنين في الدول التابعة، لتعكس تلك الخاصة بالدولة التي تسعى لفرض نفوذها. ما يجعلها تحقق منافعها بأقل التكاليف من دون استخدام الأداة العسكرية، فيتحقق لها النفوذ من خلال إعادة تشكيل توجهات القيم والوعي بالتدريج، وتتمثل أدوات التنشئة الاجتماعية لتحقيق التبعية والاقناع الأيديولوجي عبر الاتصال بالنخب الموجودة في الدول التابعة أو تشكيل نخب جديدة من خلال القنوات الدبلوماسية والتبادل الثقافي والطلاب الأجانب وخلق رابط أيديولوجي عبر تجديد المزارات والأضرحة. فإيران تتبع سياسة تستهدف التغيير الديموغرافي والثقافي، ليس باستجلاب المقاتلين الشيعة فحسب بل بتجنيد السنة في تلك الميليشيات ودعوتهم إلى التشيع، كما تم بناء العديد من المراكز الثقافية الإيرانية وتجديد المدارس.

هذا التغيير الجغرافي للدولة السورية ذات الغالبية السنية قد يمكن إيران من إدعاء تمثيلها لمصالح الشيعة عند أي تسويات سياسية، مثلما حدث وسعت بعد سقوط صدام حسين لتشكيل نظام طائفي قائم على التمكين السياسي للشيعة.

إضافة إلى ما سبق، لم تتوقف محاولات إيران للسيطرة الاقتصادية وإحياء منتدى الأعمال السوري- الإيراني، وانتشار المشاريع الإيرانية في سوريا.

إن سوريا الآن، بعد مرور عشر سنوات على بدء الأزمة، هي حصيلة توظيف إيران لأدوات القوة الناعمة والمادية لتنفيذ استراتيجية شرق أوسطية ترتكز على محاور رئيسية ثابتة في كلٍّ من سوريا والعراق ولبنان واليمن لتدعيم نفوذها عبر الاعتماد على تأسيس جماعات وتنظيمات غير حكومية مسلحة، وتنفيذ سياسات طائفية في مواجهة الأقليات الدينية، ورفع شعارات مناهضة للولايات المتحدة، وأخيراً التأثير في العملية السياسية داخل تلك البلدان لضمان تشكيل حكومات حليفة وصديقة وتغيير ديموغرافي. كل هذا يجعل التساؤل هل منع تمركزات إيران العسكرية وإخراجها من سوريا، يعني غياب أي تأثيرات أخرى لها في الوقت الذي سيتضمن إنهاء الأزمة السورية وإعادتها إلى الحاضنة العربية؟

المقالة تعبر عن راي كاتبها

اندبندنت