الجيش الأميركي بمواجهة روسيا والصين في إفريقيا.. من الرابح؟

شهدت السنوات الأخيرة، ازدياد اهتمام القوى الكبرى بـإفريقيا، وذلك لما تتمتع به من موقع مهم وبيئة خصبة وواعدة للاستثمار والمشاريع الاقتصادية في مختلف المجالات.

ويتسابق العديد من الدول لتحقيق مكاسب استراتيجية وسياسية لتعزيز حضورها في القارة السمراء على حساب الأخرى، فمن القواعد العسكرية، إلى مبيعات الأسلحة، إلى التجارة والقروض، تتنافس كل من بكين وواشنطن وموسكو في إفريقيا.

قلق أميركي ونفوذ صيني
يشير تقرير لمجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية إلى أن النمو السريع الذي تحققه إفريقيا، جعلها محط اهتمام وتركيز كبيرين من الولايات المتحدة، ويعود ذلك بشكل خاص إلى اتساع الأنشطة الصينية والروسية المستمرة في المنطقة.

وفي ندوة لاتحاد القوات الجوية لعام 2021، عُقدت أخيراً، قال الجنرال جيفري هاريغيان، قائد القوات الجوية الأميركية في أوروبا وإفريقيا: “بينما ننظر إلى إفريقيا، أود أن أوضح لكم أن أكبر قلق لدينا هو كيف نتنافس مع روسيا والصين. من منظور عسكري واقتصادي، يبحث الروس والصينيون عن فرص لتوسيع نفوذهم”.

ولعل أكثر ما يثير قلق الأميركيين، هو مساعي بكين لتعزيز نفوذها العسكري في إفريقيا، إذ لا تعد الصين اليوم، مجرد مورد رئيس للأسلحة فحسب، بل تعمل أيضاً على توسيع مكانتها الاقتصادية والعسكرية في المنطقة بسرعة.

في السنوات الأخيرة، أنشأ الصينيون قاعدة عسكرية في جيبوتي على مقربة من الوجود الأميركي هناك.

وفي عام 2009، تجاوزت الصين الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لإفريقيا، وبحلول عام 2015، وصلت تجارة الصين مع إفريقيا إلى 300 مليار دولار، وذلك وفقاً لتقرير نشره “المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية” بعنوان “السعي وراء حلم الصين عبر إفريقيا: 5 عناصر استراتيجية للصين في إفريقيا”.

صفقات روسية مع 19 دولة
بدورها، وسعت روسيا بشكل كبير من وجودها في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، إذ وقّعت صفقات عسكرية مع 19 دولة على الأقل منذ عام 2014 وأصبحت أكبر مورد للأسلحة في القارة، بالتزامن مع مساعي الصين للحصول على نفوذ واسع لها، بحسب تقرير لمجلة “فورين أفيرز” نشرته بداية مارس.

وأشارت المجلة إلى أن عودة المنافسة بين القوى العظمى، لا تعني أن الولايات المتحدة يمكنها تشتيت انتباهها بعيداً من إفريقيا، بل على العكس من ذلك، فإن زيادة النشاط الروسي والصيني في القارة يتطلب انخراطاً أميركياً أعمق.

بناء على ذلك، أشار التقرير إلى أنه يتعين على واشنطن تبني استراتيجية إقليمية قادرة على معالجة التهديدات العابرة للحدود في القارة، كما أن أي شيء أقل من ذلك سيكون بمنزلة تنازل لأعداء الولايات المتحدة في قارة من المتوقع أن تنمو فيها الفرص والمخاطر في العقود المقبلة.

“ابتعاد ترمب”
علاقات الولايات المتحدة بقارة إفريقيا شهدت تراجعاً كبيراً في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض عام 2017، سعى ترمب إلى تقليل حجم القوات الأميركية في القارة، ما فسح المجال لقوى عظمى، كالصين وروسيا إلى التغول والمنافسة بدرجة أكبر.

وقالت المجلة الأميركية، في تقرير نشرته بداية مارس، إن واشنطن سحبت في عهد ترمب، قواتها من إفريقيا كجزء من التحول الأوسع للأمن القومي من “مكافحة الإرهاب” إلى منافسة القوى العظمى، إذ استخدمت الإدارة السابقة مصطلح “تحسين الأداء” لوصف نهج الذهاب بعيداً عن إفريقيا.

وشكّل سحب ترمب للقوات الأميركية فكّ الارتباط بينها وبين القارة الإفريقية، إذ عملت الإدارة السابقة على تقليص الجهود المبذولة لمحاربة المسلحين في الكاميرون والنيجر ونيجيريا، ما قلل من الوجود العسكري الأميركي في بعض المناطق الأكثر اضطراباً في القارة.

“إمبريالية اقتصادية”
وتقول “ذا ناشيونال إنترست”، إن الولايات المتحدة تسعى اليوم إلى مواجه التغول الصيني في إفريقيا بأدوات مشابهة، إذ يقوم نحو 6500 جندي أميركي متمركزين في إفريقيا بتدريب القوات المحلية للدول الحليفة، وبمجموعة من المهام ذات التأثير على الواقع الأمني والاقتصادي للقارة، على غرار مكافحة الإرهاب، إذ تعمل واشنطن على توسيع نفوذها الأمني وسط حالة عدم الاستقرار والتهديدات الإرهابية والتدخلات الأجنبية المحتملة.

وتصف المجلة، الطموحات الصينية في القارة السمراء، بأنها تُمثل من منظور ما، شكلاً من أشكال الإمبريالية الاقتصادية، بمعنى السعي للتحكم والسيطرة على هذا الإقليم الذي تتجاوز مساحته الـ 30 مليون كيلو متر مربع، ويضم 54 دولة مستقلة.

وتضيف: “بالنظر إلى النطاق الهائل للمشاريع الصينية في إفريقيا، في مجالات مثل النفط والمواد الخام وواردات الموارد الطبيعية، يمكن ملاحظة مدى التغول الصيني في القارة، من خلال العديد من مشاريع البناء التي تنفذها في 51 دولة إفريقية، بحسب تقرير المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية”.

وقبل أن تتجلى بوضوح معالم ازدياد النفوذ الصيني في إفريقيا، لطالما كانت القارة ولسنوات عديدة، مكاناً رئيسياً للجهود الأميركية التي تتعلق بمكافحة التمرد والإرهاب، لكن في السنوات الأخيرة أصبح من الواضح بشكل متزايد أن القارة الإفريقية هي مجال تركيز مهم للقوى العظمى الأخرى.

“بايدن وإعادة التقارب”
وعلى العكس من سلفه (ترمب)، تبدو استراتيجية الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، أكثر انفتاحاً نحو القارة الإفريقية، وهو ما أكده خلال حملته الانتخابية، إذ تشير أجندته المنشورة في الموقع الإلكتروني الرسمي لحملة “بايدن هاريس”، إلى الالتزام الواضح تجاه إفريقيا، القائم على الاحترام المتبادل، وذلك بالاستناد إلى خبرته الطويلة في السياسة الخارجية الممتدة لعقود عدة.

بايدن تعهّد بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الحكومات الإفريقية والمؤسسات الإقليمية في القارة، وتنشيطها، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي، وانتهاج استراتيجية تؤكد دعم واشنطن للمؤسسات الديمقراطية، وتعزيز السلام والأمن الدائمين، وتحقيق النمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار والتنمية المستدامة.

تعزيز الوجود العسكري
قائد القوات الجوية الأميركية في أوروبا وإفريقيا، الجنرال جيفري هاريغيان، قال إنه “إلى جانب العديد من المطالب التشغيلية الأوروبية الملحة في إفريقيا، فإن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والقوات الجوية لم تنسيا القارة السمراء”.

وأضاف: “نحاول مع الأوروبيين فضح تلك الأشياء الشائنة (في إشارة إلى المطامع الصينية) بطبيعتها وإعادة تأكيد التزامنا تجاه شركائنا الأفارقة”.

وبحسب “ذا ناشيونال إنترست”، قد تُرسل الولايات المتحدة مقاتلات شبح من طراز “F-35” إلى القارة الإفريقية، وذلك لتنفيذ مهام تتعلق بالردع والتشغيل البيني مع الدول الحليفة، أو بغرض تعزيز الوجود الأميركي في القرن الإفريقي.

في سياق آخر، ربما لا تكون هناك حاجة إلى وجود قوة برية أميركية كبيرة في إفريقيا، بحسب ما تفيد المجلة، إذ قد تكتفي واشنطن بزيادة عمليات المراقبة من ارتفاعات عالية، أو القيام بدوريات للقاذفات، أو أنواع أخرى من التدريبات التي تتعلق بالاستعداد للصراع مع القوى العظمى المتنافسة في القارة.