اناغيم الزبيدي
“التَّغّير الاجتماعي ليس مرتبطاً بتغير القيم الاجتماعية و حسب و إنَّما هو مرتبط بالعناصر والبنى و النُّظم و النَّواظم و الرَّوابط كلها
” رُبَّما بات من المسلَّمات أنَّ التَّغيُّر واحدٌ من سنن الحياة و من الضُّروب الأُخرى للمسلَّمات أَنَّهُ لا نتائج من دون مقدّمات. أي إنَّ التَّغيُّر إن كان هو النتيجة فإن لها أسباباً و مقدّمات, وإن كان هو ذاته المقدّمة فإنَّ له نتائج و تبعات “ {1}
قد شكل ظهور الانترنت حدثاً عالمياً، اثر في حياة المجتمعات العصرية، و أصبح جزء لا يتجزأ من حياة تلك المجتمعات مّما أسهم في تغير أوجه الحياة المختلفة في زمن قياسي، و أحدثت طوفاناً معلوماتياً : إذ شهدت شبكات الانترنت تطوراً متلاحقاً في سنوات عدة، و سرعة في نقل الأحداث التي تجري حول العالم، فأصبحت المسافة بين المعلومة والانسان تقاس بالمسافة الفاصلة بين الحاسوب و لوحة المفاتيح، و زمن الوصول لا يتعدى ثوان عدة و لا يحتاج المرء سوى ضغطة مفتاح ليحصل على كم هائل من المعلومات حول أي موضوع يبحث عنه . {2}
فتكنولوجيا الاتصال في تطور مستمر منذ ظهورها إلى هذه اللحظة فأصبحت واقعية المدى، تؤثر على كل ما هو اجتماعي و سياسي و اقتصادي و مهني وحتى إنساني ، وهذا التطور لمنفعة هذا الزمان الذي هو ذاته في تطورٍ مستمر.
و التغير التكنولوجي حلقة تعود و ترجع إلى الحاجة إلى التغيير المجتمعي في مجال التكنولوجيا و تحسين الحياة على المستوى الفردي و المجتمعي و منها تعود آثارها الايجابية و السلبية على المجتمع نفسه، والتكنولوجيا تُعد مُلبياً أساسيا لحاجة الإنسان لتوفير الوقت و الجهد و إيجاد نمط حياة أسهل و احدث يوفر له الراحة و السعادة.{3}
ان الكلام عن وسائل الاتصال الحديثة و ذكر سلبياتها و المتعلقة بالاستعمال السيئ لها قد يكون فيه نوع من الاجحاف دون التطرق لما جلبته هذه الوسائل من فتح افاق رحبة و واسعة من رصيد المعرفة الانسانية و الاطلاع عن كثب على العالم لمن تجاوز الوقوع في مخاطرها و فهم كيفية التعامل معها. {4}
التغيير الذي تُحدِثُه تكنولوجيا الاتصال الجديدة بتطورها غيّر مسار العديد من الأمور التي كانت على حالٍ و أصبحت على حالٍ أخر، وقد ساعد هذا التطور في تخطي الكثير من الحواجز كالوقت و الجهد وحتى ، أصبح بإمكانك الآن أن تقوم بدفع الفواتير اللازمة عليك وأنت في منزلك ، و تجد الكثير من الأجهزة الحديثة التي تُساعدك على تنظيم كفة أعمالك التي تحتاج لذلك الوقت و الجهد الكبير.
فقد جلبت وسائل الاتصال الحديثة العديد من المنافع في كافة نواحي الحياة و منها الناحية العلمية فقد وفرت هذه الوسائل المواد العلمية التي يستطيع الجميع الحصول عليها و الكثير من القنوات التعليمية وحتى التعلم عن بُعد في أي زمان ومكان الذي اثر تأثيراُ كبيراُ، وأيضاً سهولة نقل المعلومات و الأفكار و الأخبار و الخبرات بأقصى سرعة وذلك عدا عن إمكانية الالتحاق بإحدى الجامعات و متابعة الدراسة عن بُعد.
وأما من الناحية السياسية فالبتأكيد تأخذ دوراً هاماً في نشر و تدعيم ثقافة المواطنة و حقوق الإنسان مما يمنح هذا مجالاً لتوفير حرية الرأي و التعبير.
وأما من الناحية الاجتماعية ، باتت شبكات التواصل الاجتماعي تضطلع بدور مهم في إعداد الأفراد و تنشئتهم ، و إكسابهم عادات و سلوكيات صحيحة، وأداة مهمة من أدوات التغيير الاجتماعي، لما تتيحه من تفاعل مع الآخرين عبر الأنشطة المختلفة للجماعات التي يمكن تكوينها في فضاء شبكات التواصل الاجتماعي.{2}
“التَّغّير الاجتماعي ليس مرتبطاً بتغير القيم الاجتماعية و حسب و إنَّما هو مرتبط بالعناصر والبنى و النُّظم و النَّواظم و الرَّوابط كلها” {1}
إن مسألة التغير الاجتماعي مسألة ضرورية لمواكبة التطور الذي يحدث في الحياة وهذا التغير يحدث تلقائياً وقد اثر هذا التطور في كثير من الأقسام التي تخص الناحية الاجتماعية فيبدأ من نواة المجتمع وهي الأُسرة التي تمثل المدرسة الأولى للأبناء.
“لعقود طويلة ظلت الأسرة و المدرسة و المسجد تلعب دوراً أساسياً في تكوين مدارك الإنسان و ثقافته، و تساهم في تشكيل منظومة القيم التي يتمسك بها و يتخذها معالم تحدد من خلالها مقدمات السلوك الاجتماعي بما فيها علاقات الآباء بالأبناء.
أما اليوم فقد انتقل جزء كبير من هذا الدور إلى شبكات الانترنت و الهواتف النقالة و الألعاب الالكترونية، الأمر الذي فتح الباب أمام أنماط من التواصل الافتراضي الذي حل محل الحوار و المحادثة بين أفراد الأسرة الواحدة مما ساهم في توسيع الفجوة و تكريس الصراع بين جيلي الآباء و الأبناء.” {5}
التباعد و الفجوة الذي يًحدثهما التواصل المستمر داخل قوقعة وسائل التواصل الاجتماعي ، يُبعد بين أفراد الأسرة و حتى أفراد المجتمع التواصل الشخصي الذي يُحفز الإنسان و يقويه و يمنحه الخبرة في الحياة ، هذه الوسائل التي جعلت من بعض الأشخاص تعتبرها كالحياة فتجد كل تفاصيل أيامهم و مشاعرهم من أفراح و أحزان موجودة داخل هذه المواقع الالكترونية .
قد دخلت تكنولوجيا الاتصال كل المجالات لأنها حتماً أصبحت ضرورية و على هذا فأن تداخل تكنولوجيا الاتصال مع وسائل الإعلام التي أصبحت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي احدث دمج بينهما مما أدى إلى حصول أفراد المجتمع على المعلومات اللازمة بسهولة و سرعة كافية لزيادة الوعي الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي، و نتائج هذا الوعي لدى الشباب بشكل خاص قد ظهر في الثورات التي قامت في بعض الدول العربية.
هذا و يؤكد الدكتور فتحي حسن في ذات السياق بقوله ” يبدو اليوم أن هذا التفاعل و الحوار و الجدل و النقاش السياسي و الفكري و الاجتماعي قد افرز حالة من الوعي المختلف الذي يمكن أن يكون ضمن روافد عديدة احد مفجرات ثورتي تونس و مصر أو على الأقل من بين عوامل تنسيقها و تحركها”
قد يكون صحيحاً أن الشبكات الاجتماعية ليست هي السبب في قيام ثورات الربيع العربي و لكنها جعلت الثورات ممكنة و عجلت بها، كما أنها منحت تلك الثورات القدرة على النمو و أكسبتها مزيداً من التأييد و التعاطف داخلياً و دولياً بشكل ما كان له أن يحدث بدونها. {6}
الآن في خِضم الثورات المعلوماتية و الحداثة المنفتحة على العالم أصبح التغيير الاجتماعي هو الأمر الذي لا تستطيع رفضه أو اختياره بل هو كالسنة الجديدة و اليوم الجديد، أصبح التغيير أمراً ضرورياً لا يمكن تخطيه، التغيير أصبح مفتاحاً للعالم و لكل ما هو جديد، يفتح أبواباً عديدة للمجتمع و الإعلام و كافة مناحي الحياة.
المراجع :
1: – الدكتور عزت السيد احمد ، آفاق التغير الاجتماعي و القيمي الثورة العلمية و المعلوماتية و التغير القيمي.ص (55)
2: – أ.حسين محمود هتيمي ، العلاقات العامة و شبكات التواصل الاجتماعي .ص (78)
3: – ولاء ابو دباك (خبيرة في التسويق الرقمي) العلاقة بين تكنولوجيا الاتصال و التغير الاجتماعي.
4: – م.م فلاح جابر الغرابي ، وسائل الاتصال الحديثة و دورها في إحداث التغيير الاجتماعي،جامعة القادسية – كلية الآداب ، مجلة القادسية في الآداب و العلوم التربوية.
5: – منتهى الرمحي(مقدمة برنامج) ، حلقة في برنامج عن تأثير الوسائل التكنولوجية الحديثة على العلاقة الأسرية .برامج الجزيرة .
6: – الأستاذة نادية بن ورقلة ، دور شبكات التواصل الاجتماعي في تنمية الوعي السياسي و الاجتماعي لدى الشباب العربي.
ملهم