أسعار النفط… سيناريو الوصول نحو 100 دولار


محللون: المرحلة المقبلة ستكون صعبة والطلب العالمي لم يتعافى وما زال هناك تخمة في المعروض بالأسواق

غالب درويش صحافي

تعددت توقعات المحللين في شأن أسعار النفط خلال عام 2021، وذلك في ظل اختلاف الرؤية تجاه مستقبل الاقتصاد العالمي وتعثر الانتعاش المرتقب.

وعلى الرغم من رسم بنوك عالمية لسيناريو “الأسعار” نحو 100 دولار للبرميل، إلا أن عدداً من العوامل قد تقف أمام هذا الصعود. 

محللون ومتخصصون يرون أن ارتفاع الأسعار الحالي فوق مستوى 70 دولاراً يعتبر خرقاً غير مبرر، وذلك في ظل استمرار ضعف الطلب العالمي على الخام ونمو المعروض، مما يجعل الحديث عن وصول الأسعار لمستوى الـ 100 دولاراً للبرميل جانباً من الخيال، في ظل هشاشة أساسات السوق الحالية، بينما رجح البعض أن هناك أيد خفية تحاول إبقاء الأسعار مرتفعة، للحفاظ على شركات عملاقة من الإفلاس.

وتشهد أسعار النفط انتعاشاً ملحوظاً على خلفية استمرار “أوبك+” في خفض الإنتاج بالتزامن مع ارتفاع نسبي في الطلب على الطاقة، مع تعافي الاقتصادات من جائحة فيروس كورونا، وظهور انعكاسات خفض المعروض على مدى عام كامل، تراجع فيه الإنتاج والمخزون.

طاقة فائضة وسيناريو مستبعد

وفي هذا الصدد، قال أنس الحجي، المتخصص في شؤون النفط، “إن أسعار النفط لن تصل إلى 100 دولاراً للبرميل لعدة أسباب، أهمها وجود طاقة إنتاجية فائضة في دول أوبك+، واستخدام الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، للاحتياطي الاستراتيجي لمنع الأسعار من الوصول لهذه المستويات المرتفعة، والبيع الدوري لاحتياطي النفط الاستراتيجي الذي بدأ منذ العام 2015 وعطّله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في العام الماضي مع انهيار الأسعار”.

وأضاف الحجي “أن مخزون النفط الخام الأميركي ما زال أعلى من المطلوب لتوازن السوق بحوالى 80 مليون برميل”.

وذكر أيضاً أن أسعار خام برنت فوق 75 دولاراً للبرميل ليست في مصلحة دول الخليج، فالأسعار المرتفعة تصب في مصلحة تحول الطاقة بعيداً من النفط.

ليس هناك قاعدة أساسية

وفي الوقت نفسه، يرى ناشر مجلة “ميس” الأسبوعية المتخصصة في شؤون النفط، الدكتور صالح الجلاد، أن توقعات تحرك أسعار النفط في كلا الحالتين سواء الزيادة صوب 100 دولاراً للبرميل أو الانخفاض بنحو كبير، يجسد أهمية الخام كعامل أساس في الحياة الاقتصادية. 

وذكر الجلاد أنه ليس هناك أية قاعدة حسابية أساسية أو ما شابه، نستطيع بها الوصول إلى توقعات عقلانية في تحديد الأسعار، إذ إنها تخضع لعوامل كثيرة متطابقة ذات حركات سلبية أو إيجابية في النشاط الاقتصادي، نذكر منها قرارات الإنتاج المبنية على قواعد فيها جانب من المنطق، والتي تخضع لقرار الشركات العالمية و”أوبك”. 

وأضاف أن ما تبقى من ناحية الطلب على الخام، فالمؤثرات كثيرة، ومنها ما لا يعكس المقاييس، بل يعتمد على تحليل كل بحسب رأيه. وقال، “حتى المؤسسات العالمية تقع في هذه المصيدة، لافتاً إلى أنه من أهم العوامل المؤثرة التي ليس لها منطق ملموس الأمور الجيوسياسية والاقتصادية، ودور تجار المضاربة في أسواق النفط بمساندة الإعلام الموجه منه كان أم لا. 

وتابع الجلاد، “ليس هناك فرق بالطلب أو العرض بين يوم وليلة أو أسبوع مما يغير النظر، فإن الأسعار التي فجأة تبدلت باتجاه صعودي لتصل إلى 70 دولاراً، لم تتغير بأي اتجاه سواء في العلاقات بين أميركا والصين وروسيا مثلاً، أو تفشي كورونا الذي مازال مستحكماً، مع أن الأخبار حول العالم ترجح استئناف الطيران العالمي إلى مستويات جيدة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين، ومن الطبيعي أن يأخذها سوق المضاربات في حساباته، وبالتالي تسهم في تسعير حقيقي مبني على أمور قد لا تكون حقيقية”.  

وأفاد بأن “استنتاج وصول سعر برميل النفط إلى 100 دولاراً قد يعيد دورة النفط خلال مدة إلى تذبذبها العميق، فإذ وصل إلى هذا المستوى والعالم لم يخرج بعد من جائحة كورونا، فأعتقد أن الأمور للمستهلك ستتعقد، ويجب ألا ننسى أن الحقبة المقبلة ستصبح البطالة هاجساً كبيراً يطارد الحكومات، كما أن التضخم والإفلاسات قد تزداد بشكل ملحوظ”.

مقلق للغاية  

من جهته، قال الأكاديمي في كلية هندسة البترول بجامعة الكويت، ومحلل أسواق النفط العالمية، طلال البذالي، إن التغير المفاجئ في توقعات المؤسسات العالمية ومنها “جي بي مورجان” و”مورجان ستانلي” لأسعار النفط من البقاء دون الـ 30 دولاراً إلى الارتفاع صوب 100 دولاراً للبرميل خلال الأشهر الستة المقبلة أمر مقلق للغاية، مضيفاً أن وصول الأسعار لمستوى 70 دولاراً مقلق، لأن الطلب العالمي لم يتعافى ومازال هناك تخمة في المعروض بالأسواق.

وأضاف البذالي أن الصعود الحالي غير مبرر ومفتعل، ولا يتماشى مع أسس العرض والطلب نهائياً، متابعاً بقوله، “أعتقد أن هناك علاقة بين ارتفاع الأسعار وشركات النفط الكبرى مثل “شل و”بي بي” و”توتال” و”أكسون موبيل” التي تأثرت بشدة من الأسعار المنخفضة التي يعني استمرارها سقوط هذه الشركات، أي أن ارتفاع الأسعار ما هو إلا محاولة لإنقاذ هذه الشركات من وجهة نظري لإنقاذها من الغرق في الخسائر ومساعدتها لتطفو على سطح الماء”.

وذكر أن مستويات الأسعار تمنح هذه الشركات الوقت اللازم لتواكب العصر الحديث للطاقة، وتغيير استراتيجيتها مع المتغيرات السوقية وترتب أوضاعها، لأنه حتماً إذ استمرت أسعار النفط تحت 30 دولاراً لمدة 18 إلى 24 شهراً فإن أغلبها ستسقط.

عملية إنقاذ  

وتابع، “هي عملية إنقاذ مبرمجة لإبقاء هذه الشركات تعمل، ويسمح لها بالتخارج من أصولها غير الربحية، وتوفير السيولة الكافية لدخول قطاع الطاقة المتجددة مثلاً”.

وتحدث البذالي عن أن توقعات ارتفاع الأسعار خلال الأشهر المقبلة في ظل مستويات حالية غير مبررة، بسبب ضعف الطلب وزيادة المعروض، يثير تساؤلاً حول إن “كان هناك أيد خفية تعبث بالسوق لوصول الأسعار إلى 70 دولاراً للبرميل، ثم إلى 100 دولار، مما يسهل القيام بإقراض الشركات الكبرى العاملة في السوق مع إصدار توقعات إيجابية، وبالتالي إذ لم يخضع السوق لمعادلة العرض والطلب فسيكون التسعير في المستقبل غير متوقع، وسيجلب الكثير من المشكلات”.

وأشار إلى أن الأسعار حالياً مستفيدة من اتفاق خفض الإنتاج لتحالف “أوبك+”، ولكنه ليس مؤثراً بما يكفي لوصول الأسعار للمستويات الحالية، مؤكداً أنه على الرغم من ذلك فإن الأسعار المرتفعة ستكون داعماً قوياً للدول المصدرة، خصوصاً دول الخليج التي ستستفيد موازناتها من هذه الأسعار.

أزمة مستمرة  

واستبعد المدير التنفيذي لشركة “في آي ماركتس”، أحمد معطي، أن يصل سعر برميل النفط لمستويات 100 دولار خلال 2021، لأن أزمة جائحة كورونا مازالت مستمرة والإصابات في تزايد، وما زال قطاع الطيران والسفر يعاني، بالتالي الطلب لن يزيد إلى المستويات القياسية السابقة.

ويرى أن ارتفاع الأسعار حالياً يرجع إلى تمديد اتفاق “أوبك+” لخفض الإنتاج، إضافة لخفض السعودية الطوعي لمليون برميل يومياً، فعلى الرغم من توقعات “أوبك” تعافي الطلب في الربع الثاني من العام الحالي، إلا أنه لن يصل لمستويات ما قبل الوباء، إضافة إلى أن الدول المستوردة للنفط أرسلت رسائل تعترض فيها على ارتفاع أسعار النفط المفتعل من “أوبك+” في ظل استمرار انخفاض معدلات النمو العالمية وانكماش الاقتصاد العالمي.

وأفاد بأن التوازن بين المنتجين والمستوردين يعد أهم التحديات أمام ارتفاع سعر النفط، وكذلك سرعة توزيع لقاح كورونا على كل الدول والتعافي من هذه الأزمة، إضافة إلى خطة الرئيس الأميركي جو بايدن لاستخدام الطاقة النظيفة بديلاً عن النفط والوقود التقليدي.

علامات على الارتفاع  

من جهته، قال رئيس التحليل الفني في شركة بايبر ساندلر، كريغ جونسون، “هناك بوضوح علامات لبعض الارتفاعات لأسعار النفط الإضافية، ويمكنني في الواقع رؤية رقم يمكن أن يكون أعلى من 100 دولار للبرميل، خلال 6 إلى 12 شهراً من الآن”.

وأضاف ساندلر، في مقابلة مع شبكة “سي أن بي سي” الأميركية، أن صندوق المؤشرات الخاص بقطاع الطاقة SPDR يظهر أيضاً علامات على الصعود بعد عام 2020 الصعب”.

وتابع، “نشهد انعكاساً لعدة سنوات في ما يتعلق بأداء صندوق الطاقة SPDR مقارنة مع مؤشر S&P 500 ومن الواضح أن هناك بعض الاتجاهات الإيجابية للغاية تحدث هنا”. 

الطلب لن يعود لمستويات ما قبل كورونا

 بدورها، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النفط لن يعود أبداً لمستويات ما قبل وباء كورونا، إذ أشارت إلى وصول معدل الطلب إلى 104 ملايين برميل يومياً في عام 2026، ولكن التحول للطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وتغير سلوك البشر نتيجة الوباء سيقلل من استهلاك النفط بمعدل 5.6 مليون برميل يومياً، أي سيكون معدل الطلب دون مستوى 100 مليون برميل يومياً.

وتحولت توقعات الطلب العالمي على النفط إلى مستوى أدنى، وقد يصل الطلب إلى ذروته في وقت أبكر مما كان يعتقد سابقاً، إذا تحول التركيز المتزايد من جانب الحكومات على الطاقة النظيفة إلى سياسات أقوى.

وعلق المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، في تقرير بقوله، “من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط كل عام من الآن وحتى عام 2026، ولكن لكي يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته في أي وقت قريب، فهناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات مهمة على الفور لتحسين معايير كفاءة الوقود، وتعزيز مبيعات السيارات الكهربائية والحد من استخدام النفط في قطاع الطاقة”.

وأضاف بيرول، “يمكن لهذه الإجراءات مع زيادة العمل من بعد وتقليل السفر التجاري، أن تقلل من استخدام النفط بما يصل إلى 5.6 مليون برميل يومياً من أعلى مستوى متوقع وهو 104 ملايين برميل بحلول عام 2026، مما يعني أن الطلب العالمي على النفط لن يعود أبداً إلى ما كان عليه قبل الوباء، لأنه في هذه الحالة سيكون دون مستوى 100 مليون برميل يومياً.

تجاوز الذروة  

من جانبها، قالت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، إن الطلب على النفط تجاوز ذروته بالفعل، وسيتوقف استخدام الهيدروكربون الذي سيطر على صناعة الطاقة لمدة قرن تقريباً بحلول عام 2050، بعد أن بلغ استهلاك الخام ذروته في عام 2019 تقريباً.  

وقالت الوكالة، ومقرها أبوظبي، وتقدم المشورة للحكومات في شأن الطاقة المتجددة، إن إنتاج النفط سينخفض إلى 11 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050 مقارنة مع نحو 100 مليون برميل يومياً حالياً. 

وفي حين أن عدداً من طلبات الصناعة المعتمدة على النفط ربما تكون قد بلغت الذروة بالفعل، أو من المحتمل أن تصل إليها خلال العقد الجاري، فإن توقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بهبوط الطلب على النفط أكثر حدة من السيناريوهات التي وضعتها شركات النفط والدول الكبرى المنتجة للنفط.