المؤيدون يؤكدون فوائده الصحية والاقتصادية والمعارضون يعتبرونه بلا ضرورة
طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربية
مع بدء التوقيت الصيفي في الولايات المتحدة الأميركية، فجر الأحد، 14 مارس (آذار)، بالتزامن مع تقديم مقترح تشريعي في مجلس الشيوخ لتطبيق التوقيت الصيفي بشكل دائم وعدم العودة مطلقاً إلى التوقيت الشتوي القياسي، ثارت ضجة واسعة وخلافات بين المؤيدين والمعارضين لهذه الخطوة، تشبه الخلافات التي تجري في العديد من البلدان الأوروبية ودول الشرق الأوسط بين حين وآخر حول جدوى هذا التغيير، كلما تقلبت التوقيتات مع اقتراب الصيف أو الشتاء، فلماذا كل هذا الجدل، وما مبررات المطالبين بتثبيت التوقيت الصيفي بشكل دائم، وكيف نشأت وتطورت هذه المشكلة تاريخياً حول العالم؟
سبب الجدل
في الساعة الثانية من صباح الأحد الثاني من مارس كل عام، يبدأ التوقيت الصيفي في الولايات المتحدة بتقديم التوقيت ساعة واحدة، ويستمر كذلك حتى، الأحد الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، ليعود التوقيت إلى ما كان عليه، غير أن حلول موعد التوقيت الصيفي هذا العام رافقه جدل غير مسبوق بسبب تقدم تسعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي قبل أيام بمشروع قانون للإبقاء على التوقيت الصيفي بشكل دائم في كل أرجاء الولايات الأميركية التي تضطر للعودة إلى التوقيت القياسي الشتوي أربعة أشهر في العام، وبهذا تنتفي الحاجة نهائياً إلى تغيير عقارب الساعة مرتين في العام.
وبحسب رأي السيناتور الجمهوري ماركو روبيو الذي يتبنى مشروع القانون، فإن الدعوة إلى إنهاء هذه الممارسة القديمة لتغيير التوقيت، تكتسب زخماً الآن في كل أنحاء البلاد، مبرراً ذلك بأن دراسات عديدة أظهرت فوائد كثيرة للتوقيت الصيفي واستمراره على مدار العام، وأن هذا من شأنه أن يمنح الناس مزيداً من الاستقرار، كما يشير السيناتور الديمقراطي رون ويدن الذي يشارك روبيو في تبني المشروع المعروف باسم قانون “حماية الشمس المشرقة”، إلى أن تغيير التوقيت إلى الأمام والخلف، يؤدي إلى حدوث ارتباك غير ضروري ويضر بصحة الأميركيين وباقتصاد البلاد، وأن ديمومة التوقيت الصيفي سوف تمنح الناس ساعة من أشعة الشمس خلال أشهر الشتاء عندما يكونون في أمسّ الحاجة إليها.
وعلى الرغم من زيادة التأييد لتثبيت التوقيت الصيفي بشكل دائم، فإن الاعتراضات على هذا التغيير ما زالت قائمة، ويشير المعارضون، ومنهم بريان أندرسون العضو التشريعي في ولاية يوتا، إلى أن تغيير التوقيت مرتين في السنة ليس أمراً صعباً، ولا يستغرق وقتاً طويلاً لإجراء التعديل، مؤكداً أنه لا أحد يشتكي من الحصول على ساعة من النوم في الخريف، ولكن عندما يفقدونها في الربيع، يعتقد الناس أن هذا أمر خطير وسيئ، وهذا غير صحيح لأن معظم الناس يحصلون على قدر مختلف من النوم ليلاً.
وعبّر أميركيون عن وجهات نظر مختلفة على صفحات التواصل الاجتماعي حيال القانون المقترح، ففي حين اتفق كثيرون في تعليقاتهم على أهمية عدم تغيير التوقيت مرتين في العام، إلا أن الاختلاف تمحور على التوقيت الأفضل للاستمرار دونما تغيير، فقد عبّر البعض عن رفضه التوقيت الصيفي لأنه يزيد فارق التوقيت مع أوروبا وأفريقيا وغرب آسيا، بينما اعتبر آخرون أن التوقيت الصيفي هو الحل المثالي والمناسب.
فوائد صحية واقتصادية
لكن رعاة مشروع القانون الفيدرالي تحدوا الانتقادات بإصدار “ورقة حقائق” بهدف الترويج للفوائد المحتملة للتوقيت الصيفي، وأشاروا إلى دراسات مختلفة، ومنها ما أكدته المجلة الأميركية للصحة العامة، ومجلة أبحاث السلامة، من أن التوقيت الصيفي يؤدي إلى الحد من حوادث السيارات والحوادث التي يتعرض لها المشاة بنسبة تتراوح بين ثمانية إلى 11 في المئة، كما يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والاكتئاب الموسمي.
ووفقاً لموقع “هيلث دوت كوم” الصحي، تنخفض معدلات نجاح الإخصاب في المختبر في مارس، بعد تغيير التوقيت الصيفي مباشرة، كما ترتفع الأزمات القلبية بعد بدء التوقيت الصيفي، ويزداد عدد السكتات الدماغية عندما يبدأ التوقيت الصيفي وينتهي، ويصبح الإرهاق والتعب تأثيراً شائعاً بخاصة عند المراهقين.
وبحسب مجلة “النشاط البدني والصحة”، فإن التوقيت الصيفي يساعد في الحد من السمنة لدى الأطفال وزيادة اللياقة البدنية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، بحسب ما تقول الورقة، أشارت دراسة أجراها معهد “بروكينغز” عام 2015، إلى أن استمرار ضوء النهار لفترة أطول، أسهم في الحد من السرقات بنسبة 27 في المئة، واكتشفت دراسة لـ”بنك جي بي مورغان تشيس” إلى ارتباط التوقيت الصيفي بالنشاط الاقتصادي طردياً حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 2.2 و4.9 في المئة عند تطبيق التوقيت الشتوي، كما يساعد التوقيت الصيفي الصناعات الزراعية، ويقلل من استخدام الطاقة بنسبة 0.5 في المئة يومياً، وفقاً لدراسة أجريت في 2005 بعد أن أضافت الولايات المتحدة أربعة أسابيع من التوقيت الصيفي.
ضغوط الولايات
وتمارس 16 ولاية أميركية من بين 50 ولاية ضغوطاً متزايدة لتمرير مشروع القانون الفيدرالي الجديد بعد ما أقرت منذ عام 2015 أكثر من 200 قانون أو قرار أو مبادرة أطلقها ناخبون للتحول إلى التوقيت الصيفي بشكل دائم، وهي ولايات: فلوريدا، وأركنساس، وألاباما، وكاليفورنيا، وديلاوير، وجورجيا، وأيداهو، ولويزيانا، ومين، وأوهايو، وأوريغون، وساوث كارولينا، وتينيسي، ويوتا، وواشنطن، ووايومنغ.
ومع ذلك، تحتاج هذه الولايات موافقة الكونغرس الأميركي لإلغاء تغيير الوقت، ولكي يحدث هذا، يتعين على الكونغرس أولاً أن يمرر قانوناً فيدرالياً يسمح للولايات بتطبيق التوقيت الصيفي على مدار العام لأن القانون الساري حالياً الذي أقرّ عام 1966 وعُدل عام 2005 في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، يسمح فقط للولايات بالانسحاب من تطبيق التوقيت الصيفي والعودة للتوقيت العادي الشتوي.
وحتى الآن، تطبق كل الولايات المتحدة تقريباً التغييرات المحددة في التوقيت بحسب القانون الفيدرالي باستثناءات قليلة مثل ولاية هاواي، التي تطبق التوقيت القياسي الشتوي على الدوام، وكذلك معظم ولاية أريزونا، إضافة إلى الأراضي التابعة للولايات المتحدة مثل جزر ساموا وغوام وبورتوريكو وجزر مارينا الشمالية وجزر فيرجن الأميركية.
صراع قديم جديد
وعلى الرغم من بدء الولايات المتحدة تطبيق التوقيت الصيفي لأول مرة عام 1918، فإنه بعد إلغاء الأحكام المتعلقة بالتوقيت الصيفي في العام التالي عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، ضغطت الولايات والمدن المختلفة كي تحصل على حقها في تحديد التواريخ والأوقات الخاصة بها لتنفيذ التوقيت الصيفي، وهو ما حصلت عليه لفترة طويلة بالفعل واستمر حتى عام 1966 باستثناء فترة الحرب العالمية الثانية حين تبنت الولايات المتحدة التوقيت الصيفي طوال العام.
غير أن كثيراً من المشاكل ظهرت بقوة عبر السنين بسبب السماح للولايات والمدن بتحديد متى يبدأ التوقيت الصيفي، ومتى ينتهي ضمن نطاق سلطتها القضائية، ولهذا طلبت لجنة التجارة المشتركة بين الولايات من الكونغرس الأميركي عام 1961 التوصل إلى حل، لكن الأمور استمرت من دون حسم حتى عام 1965، حيث اتسم تطبيق التوقيت الصيفي بالفوضوية، وبخاصة في ولايات الغرب الأوسط، ففي ولاية آيوا كان هناك 23 توقيتاً مختلفاً لموعد بدء وانتهاء التوقيت الصيفي، وتسبب ذلك في ارتباك واسع النطاق، لا سيما بالنسبة لحركة القطارات والحافلات، وأيضاً بالنسبة لشركات البث الإذاعي والتلفزيوني.
تغيير متقطع
لكن التدخل الحاسم جاء بإقرار قانون التوقيت الموحد الذي وقعه الرئيس ليندون جونسون عام 1966، وتم من خلاله تحديد تواريخ البدء والانتهاء على مستوى البلاد للتوقيت الصيفي في الولايات التي اختارت الالتزام به، وهو ما فعلته كل الولايات باستثناء أريزونا وهاواي اللتان فضلتا الاستمرار على التوقيت الشتوي دائماً.
ومع ذلك، وخلال الحظر النفطي عام 1973، أمر الكونغرس الأميركي بأن تكون فترة التوقيت الصيفي على مدار العام لتمتد من يناير (كانون الثاني) 1974 إلى أبريل (نيسان) 1975، وكان الأساس المنطقي لهذا القانون هو دراسة آثار تغير التوقيت على استهلاك الطاقة، ولكن بعد معارضة شديدة من الناس وإدراك أن الإجراء لم يؤد إلا إلى توفير متواضع في الطاقة، سرعان ما عُدلت الخطة للسماح بالعودة إلى الوقت القياسي خلال أشهر الشتاء.
وبعد انتهاء أزمة الطاقة عام 1976، استمرت عمليات مراجعة جدول التوقيت الصيفي للولايات المتحدة مرات عدة عبر السنين، لكن في الفترة بين عامي 1987 و 2006، التزمت البلاد بتطبيق التوقيت الصيفي لمدة سبعة أشهر كل عام، ثم امتد الجدول الزمني إلى ثمانية أشهر على ما هو عليه الآن بموجب قانون سياسة الطاقة لعام 2005، والذي طُبق منذ عام 2007 وحتى الوقت الحالي.
كيف بدأ التوقيت الصيفي؟
على الرغم من أن التوقيت الصيفي يطبق الآن في أكثر من 70 دولة حول العالم، ويؤثر على أكثر من مليار شخص كل عام، فإن ألمانيا والنمسا كانتا أول دولتين تطبقان التوقيت الصيفي عام 1916 في منتصف الحرب العالمية الأولى بهدف توفير الطاقة، ومن هناك انتقلت الفكرة إلى بريطانيا وفرنسا وسائر دول أوروبا وبلدان الشرق الأوسط والولايات المتحدة، لكن الحقيقة غير المعروفة وهي ما تشير إليه مصادر تاريخية من أن بلدات ومدناً كندية عدة كانت أول من يطبق التوقيت الصيفي في الأول من يوليو (تموز) عام 1908 من دون أن يطبق ذلك على مستوى الدولة الكندية.
أبو التوقيت الصيفي
ومع ذلك، ينسب كثير من المصادر إلى العالِم والسياسي الأميركي بنجامين فرانكلين أنه أبو التوقيت الصيفي، نظراً لأنه كان أول من اقترح تغيير التوقيت بشكل موسمي، وهي الفكرة التي عبّر عنها عام 1784 في رسالة بعثها إلى محرر صحيفة “جورنال أوف باريس” بعنوان “مشروع اقتصادي لتقليل تكلفة الضوء”، واقترح فرانكلين ببساطة أن الباريسيين يمكنهم الاقتصاد في استخدام الشموع عن طريق إخراج الناس من الفراش في وقت مبكر من الصباح عبر تقديم التوقيت.
وعلى الرغم من أن التوقيت الصيفي الحديث لم يُطبق إلا منذ نحو 100 عام، فإنه من المعروف أن الحضارات القديمة شاركت في ممارسات مماثلة منذ آلاف السنين، فعلى سبيل المثال استخدمت الساعات المائية في روما القديمة مقاييس مختلفة خلال أشهر مختلفة عدة من السنة لضبط الجداول اليومية بحسب التوقيت الشمسي.