ما الذي ننتظره في عهد رئيس جديد محترف مخضرم على مدى 47 سنة؟
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
من الخطأ أن نتصور صناعة القرار في أميركا كأنها عمل جهاز ذكاء اصطناعي يحسب كل شيء بدقة ولا يخطئ، حتى الكمبيوتر الأكثر تطوراً يخطئ إذا جرى تلقيمه بداتا مغلوطة، وأخطاء أميركا في السياسة الخارجية قاتلة، خصوصاً في الإطار الاستراتيجي، ولا يبدل في الأمر القول إن ما نراه نحن في الشرق الأوسط أخطاء هو في نظر صانعي القرار هناك صحيح ويخدم المصالح الحيوية الأميركية، وما كان في باب المزاح قول الدكتور هنري كيسنجر، “إذا كانت صداقة أميركا مصيبة، فإن عداوتها مميتة”، والتجارب ناطقة، وبعضها على أيدي محترفين مثل جون فوستر دالاس ونيكسون وكيسنجر وبريجينسكي ورامسفيلد وتشيني، وبعضها الآخر على أيدي هواة مثل بوش الابن وأوباما وترمب، فما الذي ننتظره في عهد رئيس جديد محترف مخضرم على مدى 47 سنة؟ وهل البدايات التي نراها هي ملامح ما ينتظرنا أم أن عملية الشدّ والرخي جزء من لعبة استراتيجية معقدة على رقعة شطرنج؟
ليس في الإدارة الجديدة سوى محترفين، معظمهم من الدرجة الثانية، وقليلهم من الدرجة الأولى في العمل السياسي، وهم جميعاً من الذين اختارهم الرئيس جو بايدن على صورته ومثاله بعد خبرة عملية، من فريق الأمن القومي إلى الفريق المالي والاقتصادي، والامتحان العملي الأول أمامهم، بصرف النظر عن الرهانات وتعدد المواضيع الواردة في وثيقة الأمن القومي تحت عنوان “التوجيه الاستراتيجي المؤقت”، هو في الملف الإيراني الذي احتل الأولوية، ثم في ملف الصراع العربي- الإسرائيلي الذي جرى دفعه إلى مراحل لاحقة.
وهم، على العموم، لعبوا أدواراً في المفاوضات على الاتفاق النووي. فماذا يفعلون؟
المحترفون والهواة أيام بوش الابن أسقطوا نظام طالبان، وضربوا “القاعدة” رداً على “غزوة نيويورك”، ثم تاهت أميركا في تضاريس أفغانستان، وعادت، بعد 19 عاماً، وتريليونات الدولارات إلى الاتفاق مع طالبان على الانسحاب، وهم برروا أمام العالم غزو العراق بقصة خرافية عن أسلحة الدمار الشامل، لكن التبرير داخل الإدارة كان أغرب نظرية في اللعبة الجيوسياسية، “إسقاط النظام وصدام هو الطريق لفك الارتباط بين الشيعة العراقيين وطهران”، والنتيجة هي سيطرة ملالي إيران على العراق، وتقوية “القاعدة” التي كانت في أضعف أيامها، وظهور تنظيم “داعش”.
الهواة أيام أوباما راهنوا على تسلم الإخوان المسلمين السلطة في مصر وتونس وبقية بلدان ما سمي “الربيع العربي” ليكونوا مع تركيا أردوغان “قوة سنية” توازن “القوة الشيعية” بقيادة طهران، ولم يكن الاتفاق النووي بكل ثغراته وتغييب التفاوض على الصواريخ الباليستية والسلوك الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، سوى جزء من هذا الرهان، ولا كان تراجع أوباما عن “الخط الأحمر” الذي رسمه في سوريا سوى نتيجة لنظرية عدمية رددها نائب مستشار الأمن القومي بن رودس صاحب نظرية “القيادة من المقعد الخلفي”، وهي، “عدم فعلنا في سوريا كارثة، وتدخلنا كان سيضاعف الكارثة”، وبحسب سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي في كتابها “حب قاس”، فإن بن رودس قال في اجتماع أمني، “الغلطة ليست فعل القليل بل الوعد بالكثير”.
الهواة أيام ترمب انسحبوا من الاتفاق النووي ومارسوا سياسة “الضغط الأقصى” بالعقوبات من أجل معاودة التفاوض على اتفاق جديد، من دون خطة بديلة إذا رفضت إيران التفاوض، وهذا ما حدث، لكن طهران زادت من نسبة تخصيب اليورانيوم، وطورت الصواريخ، وتوسعت في النفوذ في المنطقة وتأسيس الميليشيات في العراق وسوريا ودعم الحوثيين في اليمن و”حزب الله” في لبنان.
والمحترفون في إدارة بايدن يكررون الكلام يومياً على الاستعداد للعودة إلى الاتفاق النووي إذا تراجعت إيران عن خرق التزاماتها، صحيح أنهم يتحدثون عن اتفاق “أقوى وأكثر استدامة”، كما عن الحد من تطوير الصواريخ الباليستية والسلوك الإيراني “الخبيث”، لكن الصحيح أيضاً أن إيران ردت على الليونة الأميركية بتصعيد الهجمات غير المباشرة وربما المباشرة على السعودية، والرد على إخراج الحوثيين من لائحة الإرهاب، والتوقف عن مساعدة الرياض في مواجهة حرب اليمن كان تكثيف الحوثيين إرسال عشرات المسيرات المفخخة والصواريخ الباليستية لضرب المدنيين ومصادر الطاقة العالمية في السعودية.
تعيين روبرت مالي موفداً خاصاً بالشأن الإيراني كان إشارة بعثت على القلق في الخليج والمنطقة وداخل أميركا، إذ بعث 140 عضواً في الكونغرس برسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن طالبوه فيها بتوسع نطاق أي اتفاق نووي ليشمل الصواريخ والسلوك الإيراني، وقول ويندي شيرمان المرشحة لتكون نائبة لوزير الخارجية أمام الكونغرس، “عام 2021 مختلف عن عام 2015 والوقائع على الأرض والمعالم الجيوسياسية تغيرت”، ليس ضماناً لعدم تجاهل الأخطار الأخرى في الشرق الأوسط.
ولا معنى للاستمرار في خرافة التمييز بين “الإصلاحيين والمحافظين” في نظام ديني يسوده الولي الفقيه، فالمنطقة في اضطراب شديد، والاتفاق النووي أصبح “شبه ميت ولم يبق منه سوى اسمه”، كما قال حسين أمير عبد اللهيان المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى.
اندبندنت