الظرف ملائم لتشكيله في مواجهة التعنت الإيراني في المفاوضات
هدى رؤوف كاتبة
أعلنت القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط المعروفة باسم “سنتكوم” في بيان أن قاذفتين من طراز “بي – 52” حلّقتا في مهمة دورية بعيدة المدى عبر منطقة الشرق الأوسط، في إطار جهودها لطمأنة الحلفاء في المنطقة وردع إيران، وقد رافقت القاذفتين طائرات مقاتلة من بعض دول المنطقة. يذكّر هذا الخبر بمحاولات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تشكيل تحالف دول عربية أو ما عُرف آنذاك بـ”الناتو العربي”، وكان الهدف منه مواجهة تهديدات إيران وسلوكها. وكان التصور أن يضم هذا التحالف، دول الخليج ومصر والأردن والمغرب، لكن الفكرة توقفت، إذ إن الظرف الإقليمي آنذاك والعلاقات بين الدول العربية كان يشوبها بعض التوتر.
ونحاول هنا طرح سؤال انطلاقاً من بيان القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، وهو، هل حان الوقت لتشكيل تكتل أو تحالف دفاعي في مواجهة تهديدات طهران وسعيها لتوسيع نفوذها وتأثيرها، حتى لو لم يقتصر على الدول العربية فقط، بل توسّع ليضم كل الدول المعرّضة للتهديدات الإيرانية ذاتها؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب النظر إلى ما تفترضه أدبيات ونظريات العلوم السياسية في هذا الشأن من جهة، واستعراض الواقع الإقليمي الذي نعيشه في منطقتنا العربية، حيث لم تعُد تفاعلاتها عربية فقط بل تمتد إلينا تأثيرات آتية من إيران وتركيا.
نظرياً، حاولت بعض الدراسات والمقولات في العلوم السياسية، التعامل مع سلوك الدولة الموجودة في منطقة معينة وتسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب الدول الأخرى المجاورة، وزيادة قدراتها العسكرية والنووية لإظهار قوتها وممارسة نفوذها، بأن اعتبرت أنه لا بد من معرفة مدى تأثير سلوك هذه الدولة في غيرها، وهل تسهم في تحقيق منافع للدول الأخرى وتحقق استقرار المنطقة؟ وهل تؤثر ممارستها للقوة في تفاعلاتها مع غيرها من الدول؟ فإذا اعتبرت الدول الأخرى الموجودة في المنطقة أن سلوك هذه الدولة الساعية إلى الهيمنة والنفوذ، غير مقبول، هنا يُنظر إلى سلوكها باعتباره غير شرعي، ويتم التعامل معها وفق سياسة فرض العزلة. بالتالي، تصبح هذه الدولة منبوذة إقليمياً وقد تكون منبوذة دولياً في الوقت ذاته. كما يتّسم سلوكها بالعدوانية وعقد التحالفات خارج الإقليم. كما تحاول هذه الدولة أحياناً أن تلعب دور المدافع عن “القيم والمعتقدات”، وتعتمد في هذه الحالة على أيديولوجيا تسعى إلى نشرها إقليمياً والدفاع عنها. ويكون للمهيمن داخل الإقليم أتباع لأيديولوجيته، كما يظهر رافضون لها باعتبارها تؤدي إلى التدخل في شؤونهم الداخلية.
في ظل هذا المناخ، تزداد احتمالات عدم استقرار المنطقة العربية، وتُعدّ الدولة المعزولة والمنبوذة، تهديداً للمنطقة، بدل أن تسهم في تقديم المنافع العامة والاستقرار والأمن الإقليميَين. لذا تحاول الدول المتضررة من تصرفات الدولة المنبوذة أن تحافظ على توزان القوى بين كل دول المنطقة، والتصدي لأي محاولات من جانب إحدى الدول لتغيّر هذا التوازن لصالحها، بالتالي السيطرة على دول أخرى، أو فرض إرادتها عليها والتباهي بوجودها في أربعة عواصم عربية كما فعلت إيران في أعقاب التظاهرات التي اندلعت في دول عربية عدة منذ عام 2011.
من هنا، تشكّل الدول الرافضة لسلوك الدولة الساعية للسيطرة، تحالفاً عسكرياً دفاعياً لاستعادة حالة التوازن بين دول المنطقة ومن ثم تحقيق الاستقرار.
وبالتطبيق على المنطقة العربية أو بشكل أوسع الشرق الأوسط، نجد أن ما ذُكر أعلاه ينطبق على العلاقة بين طهران ودول المنطقة، التي تمثّل السياسة الايرانية تهديداً لأمنها القومي ومصالحها. ونظراً إلى الواقع الإقليمي الحالي، نجد أن الظرف ملائم لتشكيل هذا التحالف العسكري في مواجهة التعنّت الإيراني الرافض لتضمين منظومة الصواريخ الباليستية وسياستها الخارجية التي تتّسم بالعسكرة داخل العراق وسوريا واليمن ولبنان، ضمن المفاوضات بينها والولايات المتحدة والقوى الدولية الكبرى. لذا تتعنّت طهران أمام خطوات حسن النية التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاهها. هنا لا بد من توافق بين دول المنطقة في مواجهة إيران للضغط عليها، بخاصة مع محاولات الأخيرة ممارسة الضغط على واشنطن، من خلال إظهار القوة عبر إعلان دعمها لاستمرار الهجمات الصاروخية المتفرقة من قبل الميليشيات الموالية لها في العراق، فضلاً عن صواريخ الحوثيين التي تهدد ليس السعودية فحسب، بل أيضاً تدفّق النفط والطاقة واستقرار الاقتصاد العالمي، إذ ارتفع سعر برميل النفط إلى 70 دولاراً في أعقاب الهجمات الحوثية على المنشآت السعودية.
أما على مستوى العلاقات العربية – العربية، فقد أصبح المناخ مؤاتياً بعد المصالحة الخليجية مع قطر وانضمام مصر إليها، فضلاً عن التوافق بين الأطراف الدولية والإقليمية على رؤية محددة حيال الاتفاق الجديد مع إيران وماذا ينبغي أن يحقق لدول المنطقة، فالسعودية والإمارات والأوروبيون والولايات المتحدة وإسرائيل يتشاركون الرؤية ذاتها، ومن ثم فإن الحاجة ماسة إلى تحالف عسكري دفاعي لمواجهة تصلّب الموقف الإيراني.