ولادة قيصرية

ليبيا النقطة الأضعف التي توفر الإمكانات الأقوى لتحقيق السلم المجتمعي في المنطقة

أحمد الفيتوري كاتب 

“التحسين المستمر، أفضل من الكمال المؤجل”، مارك توين.

العقد الماضي عقدُ عُسرِ ولادة الحكومات في عدد من دول المنطقة، لكن أيضاً هناك إسهال في الحكومات، حتى إن بلداً مثل ليبيا في لحظة ما كانت لديه حكومات ثلاث في الوقت ذاته. وواكب هذا التعسر عسر في السيولة المالية وصعوبة جمة لتوفير الكهرباء، أي أن المنطقة بعربها وعجمها، خصوصاً عربها، منذ عقد أي منذ الربيع العربي مطلع 2011، واقعة في مثلث برمودا. فالكثير من دولها عاجزة عن تثبيت حكومة أو توفير سيولة أو كهرباء، وهذا غريب فكأن تبدّد المال قطع الكهرباء، بالتالي خلق عجزاً عن إعطاء ثقة بحكومة، على الرغم من أن هذا يحدث في دول مختلفة، وأن كلاً منها في حال.

فمثلاً دولة نووية مثل إسرائيل، كل حكومة فيها تولد ميتة، ودولة محتلة كالعراق عاجزة عن توفير الكهرباء، بينما العجز المالي، تمثّل في نقص السيولة أو هبوط قيمة العملة الوطنية، مرض أصاب أكثر من دولة، ومنها ذات الأحلام الإمبراطورية كتركيا، حتى حق القول مع هذا: كلنا في الهمّ شرق. عجز دولة في شرق المتوسط عن إعلان حكومة مثلما لبنان، هو كعجز دولة في غرب المتوسط كتونس، أما عجز السيولة فحاصل في دول نفطية: الجزائر والكويت وليبيا.

لقد لاحظت منذ أول عقد الزمان المشار إليه، أن كثيراً من الدول العربية في الربيع العربي غرقت في ظلام دامس، وكنت مرة بتونس حين فصلت الكهرباء عن مجمل البلاد، فكتبت مقالة عن ربيع الظلام العربي. ما تكشفت عنه أحوال هذه البلدان، ليس بأنها تعيش في الظلام بالمعنى المجازي، أي أن الفكر الظلامي يعمّها، ما أعجز “حركة التنوير” فيها، ليس هذا فحسب، بل وإنها غير قادرة أيضاً على توفير الكهرباء، ثم تدهورت قيمة عملتها أو اختفت، فتعسر عليها أن تكون لديها حكومة، ما هي حال منحها الثقة، تواصل إغراق البلاد في الظلام.

وسط هذه الصعوبات المشتركة، كان على الليبيين، بعد حرب لستة أعوام بل لعقد من الزمان، أن تكون لديهم حكومة مؤقتة واحدة، بعد النجاح المنقطع النظير، ما حققته حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، في أن لا يكون ثمة وفاق على أي شيء، باستثناء الحرب وجلب المرتزقة، لصبّ النار على البنزين. وما كانت الحكومة المؤقتة/ الأبدية حكومة عبد الله الثني قد أكملته من جهتها. لقد نجح العالم في خلق الانقسام بليبيا، باعترافه بحكومة في غرب البلاد وبمجلس نواب في شرق البلاد، فعجز الليبيون عن أن تكون لهم حكومة واحدة، لكن الحكومتين نجحتا في إغراق البلاد في الظلام.

في أجواء العسر هذه، يكون اليسر كما عملة نادرة، ولهذا فمتى ما تيسّرت ولادة قيصرية، يكون من الحكمة أن نجعل منها العروة الوثقى، على الرغم من كل الملابسات وما أكثرها. المسألة الليبية منذ ولدت كانت القابلة دولية بقرار مجلس الأمن 1973 مارس 2011، وهكذا إذا كانت ليبيا مسألة دولية في جميع محطاتها، ودوراً إقليمياً تابعاً، حتى لحظة اجتماع مجلس النواب بسرت الثامن من مارس 2021، عندما صرح رئيس الوزراء المرشح، بأنه احتفظ بوزارة الدفاع لنفسه، لأن هناك مصارعين كثر حولها، ومنهم أطراف دوليون. هكذا إذا كان الانسداد الدولي قادراً على وضع العصي في الدواليب، حتى اللحظة الأخيرة والمستقبل، لأنه قوي قدير.

الآن تتوفر لحظة مفارقة، في مجمل المنطقة، وليبيا النقطة الأضعف التي توفر الإمكانات الأقوى، لتحقيق السلم المجتمعي، في هذه المنطقة الرجراجة، التي تواصلت الحرب فيها منذ 1948، بعيد توقف الحرب الكبرى الثانية. وبعد أن هيمنت الإرادة الكبرى، لجعل الحلّ في ليبيا اللاحلّ، الآن هذه الإرادة تتوجه توجهاً مغايراً، ما منه يستمد رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة يقينه، في أنه بعد أن سكتت المدافع، وخلال أشهر سبعة على الأكثر سيدعم الكهرباء ويعمّ النور. وثمة مؤشر إلى ذلك، أن حكومته منحت ثقة النواب، على مسرح هادئ ومن ممثلي الشعب، من منهم ما لم يلتقوا البتة.

الولادة القيصرية للحكومة في ليبيا تبدو طريقة وخريطة طريق للمنطقة، بالتالي نجاحها بالنسبة إلى الولايات المتحدة، كما مهمة داخلية، كما مواجهة كورونا يعني خرقاً داخلياً رئيساً، فإن نجاح الحكومة الليبية، ومجلس الرئاسة ورئيسه محمد المنفي، بمثابة خطوة سهلة، لكنها نجاح خارجي لمشروع الإدارة الأميركية الجديدة.

اندبندنت