سليم البطاينة: بطون الأردنيين انتفخت من الجوع

المهندس سليم البطاينة

نعرف جيداً أن الفقر من أعقد المُشكلات ، لكن ما يزيده تعقيداً هو ارتباطه بمشكلة الجوع …. والجوع ليس ملعقة للفضيلة ولا سكيناً للرذيلة …. فهو صاعقة تُصيب هزيل الأجساد.

فالجوع دخل بيوت الأردنيين وبدأ يطرق الأبواب في كل المناطق وأخذ ينهش بأجساد الناس والتي باتت عاجزة عن طرده أو حتى التصدي له.

فمشكلة الجوع أصعب كثيراً من كورونا لأن الناس ستنسى صحتها مقابل جوعها …. فعندما يوضع الإنسان أمام خيارات أهونها شر تسقط عندها المحاذير والمحذُرات ونصبح أمام شعب لا تُعنيه الكورونا …. فعندما يجوع الإنسان تسقط كُل المُحرمات والأخلاق وتُصبح مرتبطة بلقمة الخبز.

لأن الناس لن ترحم إذا جاعت وستكثر الجريمة والسرقات والمخدرات والأمراض النفسية مقابل لقمة عيشهم التي باتت عزيزة.

فلدي سؤال للحكومة كم عدد الأردنيين الذين يفتقرون إلى الأمن الغذائي ؟ وهل تعلم الحكومة أن حوالي ثُلثي الناس يبتاعون حاجياتهم الغذائية بالدّين وغالبيتهم يقفون على حافة الجوع.

فأحياناً كلماتي مُزعجة لكن لا بد لهم أن يعرفوا جيداً أن هناك فرقاً شاسعاً بين من يفكر للوطن وبين من يُفكر ضد الوطن …. فالذي نكتبه هو ما نُشاهده وهو بصدق ما يشعر به عامة الناس …. فالكاتب الذي لا يخدم وطنه في ذروة أزماتها هو كاتب فاشل …. فأجمل أنواع الكتابة هي التي تُعيد تعريف الأشياء ولا تختبىء خلف التعريفات وتذوب بين معاني الكلمات.

فالتناقضات والمُفارقات التي تطول وتكتنف المشهد الأردني فاقت حدود السريالية وأصبح المشهد عصي عن الفهم والتحليل وبلغت درجة الكوميديا السوداء.

فما يجري هذه الأيام داخلياً يدخل في خانة الرسوم المتحركة وعالمها اللامعقول …. فبتنا نعيش في متاهة لا نعرف سبيلاً للخروج منها وأصبحت تحركاتنا تقودنا من خطأ إلى خطأ ومن مشكلة إلى أخرى ومن أزمة إلى أزمة.

فعلى ما يبدو أن الزمان لن يقف على الحياد بيننا وبين أزماتنا …. فالأردنيون يتطلعون لغد مُشرق لكننا نفتقد وللأسف حالياً الكثير من الشخصيات الكاريزماتية المؤثرة في الرأي العام لديها رؤى ومشاريع إصلاحية …. فما زال هناك الكثير من النُخب تعيش حالة من النكران ولا تعنيهم أزماتُنا ويتقاتلون على المُحاصصة والتوريث والتدوير.

وهذه الطبقة لا تقرأ وذاكرتها مخزوقة وعقلها متحجر وأهتماماتها فقط لحماية مصالحها ومكتسباتها فقد سُئل الإمام علي بن أبي طالب من هم أحقر الناس ؟ فقال من ازدهرت أحوالهم يوم أن جاعت أوطانهم.

فالأردنيين كانوا سابقاً يعجّون بالحياة لكنهم حالياً بات القلق والحيرة والتوتر والإضطراب سيد أفكارهم …. فمن قال أن الموت فقط هو موت الجسد ؟ فالموت الحقيقي هو عندما يموت كل شيء في الإنسان فيما نبضه على قيد الحياة …. فالأردنيين ما عاد في جسدهم مكان لجرح جديد وعامل الإرادة يجب أن يسبق عامل القوة …. فالجنرال الفرنسي ديغول وصف التاريخ على أنه حصان جامح يمرُ من باب بيتك مرة بالعمر وعليك أن تمتطي صهوته أو يفلت منك إلى الأبد.

فمجرد أن نُردد كلمة جوع يقفز فوراً إلى أذهاننا الفقر والعوز وسد الرمق …. فقد أصبح الإحساس بالطمأنينة نوعاً من الترف بعيد المنال وحل مكانه اليأس والاكتئاب بدرجات متفاوتة.

فللأسف فهذا هو حال الأردنيين وتلك هي حالتهم التي تأبى الرحيل وتمسك بتفاصيل الحياة كأنها خرطة طريق.

فلم يعُد الجوع بمفهومه التقليدي يشغلُنا لأنه تجاوز نطاق ملء البطون ليصبح حالة من البحث عن الإستقرار.