ترحيب حذر بقرار رفع السرية عن أرشيف الثورة الجزائرية “الملغم”

رضا شنوف

فتحت فرنسا بداية من اليوم للباحثين أرشيفها المصنف “سريا” إلى غاية سنة 1970 بما فيه المتعلق بالثورة الجزائرية ما بين 1954-1962. خطوة تباينت ردود الفعل تجاهها في الجزائر وطبعتها مواقف مرحبة ومحذرة في نفس الوقت من “الألغام” التي يحويها هذا الأرشيف. في حين لم تعبر الجهات الرسمية في الجزائر عن موقفها تجاه قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

تقاطعت آراء العديد من الشخصيات والباحثين في التاريخ حول أهمية قرار باريس برفع السرية عن أرشيف الثورة الجزائرية وتمكين الباحثين والأكاديميين من الوصول إليه، والذي كان من بين المطالب التي وضعتها الجزائر لمعالجة ملف الذاكرة.

وكانت قد أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس ماكرون “اتخذ قرارا بالسماح لخدمات المحفوظات بالمضي قدما اعتبارا من الأربعاء برفع السرية عن وثائق مشمولة بسرية الدفاع الوطني حتى ملفات عام 1970″، بما فيها أرشيف الثورة الجزائرية ما بين 1954-1962.

وبالرغم من الترحيب الذي أبداه عدة باحثين ومهتمين بالتاريخ، إلا أنهم أبدوا بعض الحذر بسبب طبيعة الأرشيف الفرنسي الذي وصفوه بالملغم، إضافة إلى كون الرئيس الفرنسي يتعاطى “رمزيا” مع ملف الذاكرة كما كتبت جريدة “الشعب” الحكومية، وجاء في مقال حول القرار الفرنسي، بأنه لا يرقى “إلى مطالب الجزائر في ملف الذاكرة والتي تشدد على استعادة الأرشيف الوطني المنهوب “كاملا” وتعويض ضحايا تفجيرات التجارب النووية في الصحراء الجزائرية ومعالجة شفافة لملف المفقودين واستكمال استرجاع رفات شهداء المقاومة الشعبية”. وأضاف صاحب المقال بأن السلطات الفرنسية لم توضح “الفترة الدقيقة للأرشيف الذي سيتاح الاطلاع عليه.. ما إذا كان سيقتصر على أرشيف الجيش الفرنسي وأجهزته القمعية، أم سيشمل الأرشيف الوطني الجزائري الذي تمت سرقته”، ختم متسائلا.

تطالب الجزائر باسترجاع الأرشيف الخاص بالفترة الاستعمارية كاملا دون زيادة أو نقصان

وتطالب الجزائر باسترجاع الأرشيف الخاص بالفترة الاستعمارية كاملا دون زيادة أو نقصان كما قال وزير المجاهدين الطيب زيتوني، في تصريحات سابقة، والذي أكد بأن الجزائر تسلمت فقط 2 بالمائة من أرشيفها من فرنسا.

ويعد ملف الأرشيف موضوعا شائكا داخل فرنسا وأيضا محور خلاف كبير بين الجزائر وفرنسا، وحسب تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي فإن الأرشيف الجزائري طوله 10 كلمترات، وترفض فرنسا تسليمه للجزائر لأنه يخص تاريخ تواجدها بالجزائر حسب تبريرات الفرنسيين.

وكان عبد المجيد شيخي مستشار الرئيس عبد المجيد تبون والمكلف بإعداد تقرير الجانب الجزائري حول معالجة ملف الذاكرة قد هدد باللجوء إلى التحكيم الدولي لاسترجاع الأرشيف في حال لم تلتزم باريس بوعودها.

وكتبت جريدة “الخبر” الخاصة في مقال عنونته “ماكرون يرفع السرية عن أرشيف حرب التحرير.. خطوة وتحذيرات من قنابل موقوتة”، بأن “المؤرخين يرون بأن الأرشيف المرتبط بحرب التحرير أساسا على أنه تركة مسمومة بالنظر إلى الألغام التي يتضمنها، واستناد إلى بعض الوثائق التي تم تسريبها على يد جزائريين وفرنسيين والتي وضعها المكتب الثاني للمخابرات الفرنسية والذي تولى الحرب النفسية، بشكل يطعن في شرف ووطنية كثير من قادة الثورة وزيف مشاركة آخرين في ثورة التحرير”.

وفي السياق حذر الباحث في التاريخ الدكتور محمد القورصو من ألغام الأرشيف السري، فبالرغم من تثمينه للقرار الفرنسي إلا أنه طالب بوجوب التعامل “ببصيرة لأن الحرب التي شنت على الجزائر أثناء وقبل الثورة لم تكن فقط عسكرية، بل كانت نفسية بسيكولوجية منها عملية “لابلويت” التي تعتبر عملية نفسية هدفها تفخيخ مسار الثورة والشعب الجزائري وتفخيخ مسار الشهيد عميروش”. وأضاف في تصريحات صحافية أنه “يجب التعامل معها (وثائق الأرشيف) بيقظة كبيرة ومنهجية علمية صارمة، لا يعني ذلك أننا بدورنا نعتبرها لا حدث ونتركها على الجانب، لأن الحرب النفسية كانت من الجانب الجزائري أيضا”، وطالب المؤرخ القورصو الجزائر بدورها أن “تفتح أرشيف الحركة الوطنية والثورة التحريرية للباحثين والمؤرخين لتكون هناك قراءة لأنه من المستحيل أن نطالب فرنسا بفتح أرشيفها ونحن نبقى صامتين أمام غلق أرشيفنا”.

ويدخل قرار إيمانويل ماكرون برفع السرية عن أرشيف الثورة الجزائرية ضمن مساعي معالجة ملف الذاكرة بين فرنسا والجزائر، وكان المؤرخ الفرنسي بنجمان ستورا قد قدم تقريرا نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي إلى الرئاسة الفرنسية يحمل 22 مقترحا من بينها فتح الأرشيف والكشف عن حقيقة مقتل المحامي وأحد قادة الحركة الوطنية الجزائرية علي بومنجل.

وكان الرئيس الفرنسي قد استقبل مؤخرا عائلة بومنجل بفرنسا وقدم لهم تفاصيل حول حقيقة مقتل جدهم، بالإضافة إلى رفع السرية عن أرشيف الثورة، وكان قبلها قد تسلمت الجزائر جماجم قادة الثورة الشعبية الجزائرية التي كانت بمتحف الإنسان بباريس.

وتوجه انتقادات في الجزائر للرئيس ماكرون بأنه يقوم بهذه الخطوات بشكل منفرد دون تنسيق مع الجانب الجزائري، كما أن خطواته تبقى رمزية في ظل تغاضيه عن مطالب أساسية من بينها ملف التفجيرات النووية وأيضا رفضه تقديم أي اعتذار للجزائر عن الفترة الاستعمارية وما شهدته من جرائم إنسانية وجرائم حرب اقترفتها فرنسا في حق الجزائريين.