أغلق محتجون، صباح الاثنين، طرقاً رئيسية في مختلف أنحاء لبنان، من بينها غالبية المداخل المؤدية إلى العاصمة بيروت، على وقع تسجيل سعر صرف العملة المحلية تدهوراً قياسياً مقابل الدولار وغرق البلاد في جمود سياسي، في ظل صعوبات تواجه تشكيل الحكومة الجديدة في البلاد.
وأفاد مراسلو ومصورو “فرانس برس” بإغلاق غالبية مداخل بيروت تحت شعارات عدة بينها “يوم الغضب”.
يأتي ذلك فيما بدأ الاجتماع الأمني الاقتصادي المالي برئاسة الرئيس اللبناني ميشال عون، وحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزراء الدفاع والمالية والداخلية والاقتصاد وقادة الأجهزة الأمنية ورؤساء القطاعات المالية لبحث الأزمة المتصاعدة.
“يوم الغضب”
وأضرم المحتجون النيران في مستوعبات للنفايات وأشعلوا الإطارات، كما أكدت الوكالة الوطنية للإعلام إغلاق محتجين طرقاً عدة جنوبي بيروت، أبرزها طريق المطار، وفي مناطق الشمال خصوصاً طرابلس والبقاع شرقاً وفي جنوب البلاد.
وسجّلت الليرة اللبنانية في الأيام الأخيرة انخفاضاً قياسياً غير مسبوق منذ دخول لبنان دوامة الانهيار الاقتصادي قبل عام ونصف العام، إذ اقترب سعر الصرف مقابل الدولار من عتبة 11 ألفاً في السوق السوداء. وتسبّب ذلك بارتفاع إضافي في الأسعار، دفع الناس للتهافت على المحال التجارية لشراء المواد الغذائية وتخزينها.
وقالت باسكال نهرا، متظاهرة شاركت في إقفال طريق رئيسي في منطقة جل الديب شمال بيروت: “أغلقنا كل الطرق في المنطقة اليوم لنقول للجميع: انتهى الأمر، لم يعد لدينا ما نخسره، حتى كرامتنا خسرناها”.
وأضافت الشابة التي كانت تعمل في مجال العقارات بحرقة: “نريد من كل الناس أن تتضامن معنا وتنزل إلى الشوارع لتطالب بحقها، فالأزمة المعيشية تطال اللبنانيين والطوائف كافة”.
دياب يهدد
وهدد رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، السبت، بالاستقالة لزيادة الضغط على من يعرقلون تشكيل حكومة جديدة، مشيراً إلى أن لبنان بلغ “حافة الانفجار بعد الانهيار، والخوف من ألا يعود ممكناً احتواء الأخطار”.
يأتي ذلك بعد أشهر من غرق البلاد في دائرة الجمود السياسي منذ استقالة حكومة دياب، بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي.
من جهته، انتقد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي السياسيين في خطبته يوم الأحد، إذ قال فيها، بحسب وكالة رويترز: “كيف لا يثور الناس وقد تجاوز سعر الدولار الواحد عشرة آلاف ليرة في يوم واحد، كيف لا يثورون عندما يكون الحد الأدنى للأجور 70 دولاراً؟”، داعياً إلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لمساعدة لبنان.
قيود كورونا
ويتزامن إقفال الطرق، الاثنين، مع دخول لبنان المرحلة الأخيرة من تخفيف قيود الإغلاق المشدد المفروض منذ منتصف الشهر الماضي في محاولة للحد من التفشي المتزايد لفيروس كورونا.
وناشدت شركة كبرى للأكسجين في لبنان المواطنين “تسهيل مرور شاحناتها على جميع الطرقات لتلبية حاجة المستشفيات للأكسجين الطبي للضرورة الإنسانية خصوصاً خلال جائحة كورونا” التي تكافح السلطات للحدّ من تداعياتها.
وقال سليمان هارون، رئيس نقابة المستشفيات في لبنان، لوكالة “أسوشيتد برس”، إنه بعد عطلة نهاية الأسبوع لمدة يومين عندما لا يكون هناك توزيع للأكسجين تنفد بعض المستشفيات وتحتاج بشكل عاجل إلى الإمدادات، خاصة لعلاج مرضى كورونا”.
وتابع: “هذه ليست مزحة. إنها مسألة حياة أو موت”، وحث المتظاهرين على السماح بمرور المركبات التي تحمل إمدادات الأكسجين. هناك العديد من محطات الأكسجين في جميع أنحاء لبنان وهي تزود المستشفيات في كل أرجاء البلاد، بما في ذلك بعض المناطق النائية.
“حوادث صادمة”
وشهدت محال بيع المواد الغذائية حوادث صادمة في الأيام الأخيرة، مع التهافت على شراء سلع مدعومة، لم تمر دون صدامات، في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر وترتفع فيه معدلات البطالة تدريجياً.
وحذّر مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، وهو مبادرة بحثية تهدف إلى دراسة تداعيات الأزمات المتعددة في لبنان وطرق مقاربتها، في تقرير، الاثنين، من أنه “إن ظهرت تداعيات انهيار قيمة الليرة جلية في تدهور القدرة الشرائية للبنانيين والمقيمين في لبنان، وما يرافق ذلك من تنافس محموم وأحياناً عنيف على ما يعرض من سلع وبضائع مدعومة في بعض المحلات، فإن الاسوأ لم يحدث بعد”.
ورغم ثقل الأزمة الاقتصادية وشحّ السيولة، لم تسفر الجهود السياسية رغم ضغوط دولية عن تشكيل حكومة، منذ استقالة حكومة حسان دياب بعد أيام من انفجار المرفأ المروّع.
وقال الباحث في الشؤون المصرفية والمالية محمّد فاعور، لوكالة “فرانس برس”، إن التدهور في قيمة الليرة “هو مجرد استمرار لاتجاه واضح نحو الانخفاض في سعر الصرف منذ بدء الأزمة وللتقاعس السياسي المزمن”.
والأربعاء الماضي، قال الرئيس اللبناني ميشال عون إنه طلب من حاكم المصرف المركزي إجراء تحقيق في أسباب انخفاض العملة.
وقال بيان نشره الحساب الرسمي للرئيس على تويتر: “الرئيس عون طالب حاكم مصرف لبنان بإحالة نتائج التحقيق إلى النيابة العامة”.
ويشهد لبنان منذ صيف عام 2019 أسوأ أزماته الاقتصادية التي أدت إلى خسارة العملة المحلية أكثر من 80% من قيمتها مقابل الدولار، وفاقمت معدلات التضخم وتسببت بخسارة عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم، فيما نضب احتياطي المصرف المركزي بالدولار.