أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الولايات المتحدة يمكن أن تساهم في دفع انتعاش اقتصادي عالمي قوي هذا العام، متجاوزة الصين، إذ تؤدي دوراً محورياً في هذا الصدد، أكثر ممّا فعلته بعد الأزمة المالية في عام 2008، بحسب الصحيفة، التي اعتبرت أن ذلك يعكس الطابع غير العادي للصدمة التي أثارها فيروس كورونا المستجد، ومرونة الاقتصاد الأميركي.
ورجّحت شركة “أكسفورد إيكونوميكس” لتحليل الأخطار الاقتصادية وإدارتها، أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 6% هذا العام، وهذا أسرع معدل منذ نحو نصف قرن، فيما تتيح حملات التطعيم إلغاء القيود المفروضة لكبح كورونا، وإعادة فتح الاقتصاد.
وتوقعت الشركة أن تقدّم الولايات المتحدة هذا العام مساهمة أكبر من الصين، في النموّ العالمي، للمرة الأولى منذ عام 2005. وبعد الأزمة المالية في عام 2008، كان الانتعاش الاقتصادي العالمي مدعوماً من الصين، إذ شهدت الولايات المتحدة أضعف انتعاش منذ الكساد الكبير الذي بدأ في عام 1929 واستمر حتى أواخر ثلاثينات القرن الماضي.
وبما أن الاقتصاد الأميركي أكبر بنحو الثلث من اقتصاد الصين، فإن مساهمتها في النموّ العالمي ستكون أكبر من مساهمة الأخيرة، إذا حققتا تقريباً المعدل ذاته هذا العام، كما هو متوقع.
الولايات المتحدة والصين
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن كاثرين مان، أبرز الخبراء الاقتصاديين العالميين في “سيتي بنك”، قولها: “ستؤدي الولايات المتحدة دور القاطرة العالمية مرة أخرى في عام 2021”. واستدركت أن الوضع الدولي سيخفف من معدل نموّها الاقتصادي.
وأشار مصرف “غولدمان ساكس” إلى تقلّص الاقتصاد الأميركي بنسبة 3.5% العام الماضي، مرجّحاً أن ينمو بنحو 7% هذا العام. وأضاف أن الصين حققت نمواً بنسبة 2.3% العام الماضي، ويُتوقع أن تنمو 8% هذا العام.
ويُرجّح اقتصاديون في مصرف “جي بي مورغان” أن تتجاوز الولايات المتحدة اتجاه معدل النموّ السابق على الأزمة، بحلول منتصف هذا العام، فيما عادت الصين بالفعل إلى مسارها السابق على الفيروس، ولكنها لن تتجاوزه. أما أوروبا وبعض الأسواق الناشئة، فستتأخر حتى العام المقبل.
وقال يورغ كرايمر، أبرز الخبراء الاقتصاديين في “كومرتس بنك” الألماني، إن ضعف النموّ السكاني والإنتاجية يمكن أن يؤثر في إنتاج الصين خلال السنوات المقبلة.
وأشار صناع السياسة في بكين إلى أنهم يخططون لوقف تدابير التحفيز تدريجياً هذا العام، والتركيز على كبح الديون وتجنّب فقاعة العقارات، وفقاً لـ “وول ستريت جورنال”.
مدخرات بـ 1.8 تريليون دولار
وتعكس المرونة الاقتصادية للولايات المتحدة، انتشاراً سريعاً في البلاد للقاحات المضادة لكورونا، وحزمة إنفاق متوقعة بقيمة 1.9 تريليون دولار، وأموالاً سهلة من الاحتياطي الفيدرالي، إضافة إلى مدخرات، علماً أن “أكسفورد إيكونوميكس” أفادت بأن لدى الأسر الأميركية مدخرات زائدة قيمتها 1.8 تريليون دولار.
في غضون ذلك، لم يتسم الانكماش الاقتصادي، في الولايات المتحدة ودول أخرى، بانفجار فقاعات الأصول أو الديون المتراكمة، عكس أزمات اقتصادية سابقة. ويعتبر خبراء اقتصاديون أن ذلك يجب أن يسرّع الانتعاش.
وتجاوزت التجارة العالمية مستويات ما قبل الأزمة، إذ كان الناس المحتجزون في منازلهم خلال الجائحة، يطلبون سلعاً عبر الإنترنت. وأشار “جي بي مورغان” إلى انتعاش إنفاق الشركات على المعدات، بشكل أسرع ممّا كان عليه في الانتعاشين الاقتصاديين السابقين، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى الدعم الحكومي السخيّ.
وأضاف البنك أن الائتمان المصرفي للشركات نما بمعدل سنوي يبلغ 80٪، في ذروة تفشي الفيروس العام الماضي، في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان والمملكة المتحدة. وقارن ذلك بانخفاض نسبته 13٪ في الائتمان المصرفي، خلال الأزمة المالية قبل أكثر من عقد.
مخاوف المصرف المركزي الأوروبي
وذكرت “وول ستريت جورنال” أن تموّجات السوق من الانتعاش القوي للولايات المتحدة، يمكن أن تمسّ المناطق المتأخرة، مثل أوروبا وبعض الأسواق الناشئة. وأضافت أن زيادة ثقة المستثمرين تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الأميركية والعالمية، وتعزيز العملة الأميركية، وهذا صداع بالنسبة إلى الحكومات التي اقترضت بكثافة بالدولار.
ودقّ مسؤولو المصرف المركزي الأوروبي ناقوس الخطر، بشأن ارتفاع عائدات السندات. وسيعقد هؤلاء اجتماعاً، يومَي الأربعاء والخميس، لمناقشة إمكان زيادة تدابير الطوارئ، والتي تشمل برنامجاً لشراء السندات قيمته 1.85 تريليون يورو (2.2 تريليون دولار).
في كل أنحاء أوروبا، كان التطعيم بطيئاً، ولم تفكّر الحكومات في إنفاق جديد، مشابه لذاك الذي أقرّته الولايات المتحدة، ويعود ذلك جزئياً إلى مخاوف بشأن الديون. وتراجعت مبيعات التجزئة في منطقة اليورو بشكل غير متوقع، بأكثر من 6٪ في يناير، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، إذ وسّعت دول قيود الإغلاق. في المقابل، ارتفعت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة بنسبة 7.4٪، خلال الفترة ذاتها.
في ألمانيا، كان أكثر من 7٪ من موظفي التصنيع في إجازة في فبراير، رغم أن الإنتاج عاد تقريباً إلى مستواه السابق على الأزمة، ممّا يشير إلى أن عمالاً قد يكونون زائدين عن الحاجة مستقبلاً، وفق الصحيفة الأميركية.
ارتفاع في التضخم؟
وتلقت مجموعة “كيون” الألمانية، المصنّعة للرافعات الشوكية ومعدات المستودعات، أكبر عدد من الطلبات في تاريخها، العام الماضي، رغم الجائحة، مدفوعاً بطلب قوي على التسوّق عبر الإنترنت، في أميركا الشمالية وأوروبا.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، غوردون ريسكي: “لم تعد الصين إلى ما كانت عليه فحسب، بل بلغت مستويات قياسية للإنتاج الصناعي. أميركا الشمالية ليست بعيدة عنها، مع كل الأموال الموضوعة في النظام. أوروبا متأخرة”.
ولفت ريسكي إلى أن مستثمرين عالميين بدأوا يقلقون بشأن ارتفاع حاد في التضخم، والذي قد ينتج عن النموّ القوي واختناقات سلسلة التوريد.
ومع ذلك، هناك أخطار يمكن أن تثقل كاهل الولايات المتحدة بشكل أكبر، إذ قد يتعافى بعض أجزاء الاقتصاد العالمي، بشكل أبطأ من غيره، أو لا ينتعش إطلاقاً. ليس مرجّحاً أن تنتعش السياحة، إلى أن تُخفف القيود المفروضة على الحدود، علماً أنها قطاع مهم في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة. كما أن السلاسل المتحوّرة الجديدة والأكثر عدوى للفيروس، تعني أن هذه التغييرات قد تتأخر أشهراً.
تكهنات بركود اقتصادي
وحذر محللو المصرف المركزي الأوروبي في فبراير، من أن كورونا قد يؤدي إلى انخفاض دائم في الناتج الاقتصادي بالعالم. وأشاروا إلى أن الشركات والحكومات قد تستثمر بنسبة أقلّ، بما في ذلك في البحث والتطوير، سعياً إلى استعادة مواردها المالية. وفي الاقتصادات المتقدمة، قد تتقلّص القوة العاملة، نتيجة إحباط العمال أو تراجع الهجرة العالمية. كما قد يؤدي إغلاق المدارس على نطاق واسع، إلى المسّ بمهارات العمال، وفق “وول ستريت جورنال”.
ونقلت الصحيفة عن ستيفان غيرلاش، نائب محافظ المصرف المركزي الإيرلندي، قوله: “تاريخياً، وضعت فترات الركود البلدان على مسار نموّ منخفض بشكل دائم، ويُرجّح أن نشهد الأمر ذاته الآن. الميل الأخير (في المسار) هو الجزء الصعب”.