البهائيون في فلسطين.. حيفا تضم رفات المبشر وعكا قبلتهم

رغم أنه لا يوجد عدد دقيق وحاسم بأعداد البهائيين في الدول العربية والإسلامية ومنها فلسطين لأنهم غير مسجلين كأتباع لهذه “الديانة”، فإنه يعتقد بأن البهائيين موجودون في كل دول العالم، وأن عددهم في الهند، كما يقول البهائيون أنفسهم، يتجاوز المليون شخص، كما توجد أعداد كبيرة منهم في الولايات المتحدة الأمريكية وفي آسيا وأفريقيا.

وتنتشر البهائية في أكثر من 183 دولة في أنحاء العالم ويبلغ عدد البهائيين ما بين 6 ملايين و8 ملايين شخص.

على الرغم من اعتبار فلسطين، وخاصة مدينتي عكا وحيفا، “مهجة” البهائيين و”قبلة أفئدتهم” إلا أن وجودهم في فلسطين محدود بالمقارنة مع وجودهم الكثيف في بلدان كالهند وإيران ودول أفريقية وبعض المدن الأمريكية.

ويعود تواجد البهائيين في فلسطين إلى واقعة نفي مؤسس البهائية “بهاء الله” وبعض أتباعه إلى مدينة عكا عام 1868، من قبل السلطان العثماني وسجنه في سجن القلعة في المدينة. 

وبوفاة “بهاء الله” عام 1892 فإنه دفن في ضواحي عكا ليتحول الموقع إلى مزار لأتباعه. 



وفي عام 1909 وحسب وصية “بهاء الله”، فقد دفن رفات “حضرة الباب” الذي “بشر” بمجيء “بهاء الله”، على سفح جبل الكرمل في مدينة حيفا. وبسبب “قدسية” هذه الأماكن لدى البهائيين، فقد استمر تواجد ذريتهم في فلسطين التي ما زالت تضم المقر الإداري العالمي للبهائيين.
 
وبحسب المحاضر والمؤرخ المقيم في حيفا عطا الله سعيد قبطي فإن البهائية، هي “ديانة حديثة” نسبيا تعود جذورها إلى عام 1844، عندما أعلن تاجر شاب اسمه سيد علي بن محمد رضا الشيرازي، من مدينة شيراز، أنه “صاحب رسالة إلهية مقدر لها أن تحول الحياة الروحية للجنس البشري وتحييها من جديد، فاتخذ لنفسه لقب “الباب”، لأن مجيئه ليس إلا “مدخلا تعبره الإنسانية نحو ذلك الظهور الإلهي” أي ظهور “صاحب الزمان” بحسب قبطي.

وأعدم “الباب” عام 1850، رميا بالرصاص في مدينة تبريز.
 
وكان من أتباع “الباب” ميرزا حسين علي النوري الذي اتخذ عام 1848، لقب “البهاء” وأصبح يعرف بـ”بهاء الله”. وفي عام 1863، أعلن عن نفسه بأنه “الرسول الثاني” الذي أشار إليه “الباب”.

وكانت حكومة الأسرة القاجارية في فارس قد لاحقت أتباع “الباب” فسجنت “بهاء الله” الذي يعتبر مؤسس “الديانة” البهائية، ثم نفته وعائلته إلى بغداد، ثم نقلته السلطات العثمانية إلى إسطنبول، ثم أدرنة، ثم انتهى به المطاف عام 1868، بعد ست سنوات من التنقل في المنفى، إلى عكا لتصبح منفاه الأخير.

سجن “بهاء الله” في قلعة عكا، وبعد أن أطلق سراحه عام 1877، أقام في المزرعة، شمال شرق عكا، وبعد أن أمضى سنتين في المزرعة انتقل ليستقر في قصر يدعى “البهجة” استأجره من صاحبه ومكث فيه حتى وفاته عام 1892. فتولى ابنه عباس أفندي الملقب بـ”عبد البهاء”، ليخلفه في زعامة البهائيين حسب وصية والده، وعينه في الوقت نفسه، المفسر الوحيد لتعاليمه.

ومع وفاة “عبد البهاء” عام 1921، تحولت القيادة إلى نظام إداري قائم على أساسين “ولاية الأمر وبيت العدل الأعظم”. فكان حفيده شوقي أفندي “ولي أمر الدين ورئيس مقدس لبيت العدل الأعظم”.

واكتسبت مدينة حيفا “قدسية خاصة” لدى أبناء “الديانة” البهائية، والتي تأتي بالمرتبة الثانية بعد “البهجة”، لاحتوائها على ضريح “بهاء الله”، و”المركز الروحاني الأعلى” للبهائيين.


وفي عام 1949، وضع الحجر الأساس لمعبد “الباب” وأنجز تشييده عام 1953، تكلله قبة مطلية بالذهب اشتهرت بتسميتها بـ”قبة عباس”، نسبة إلى “عبد البهاء”. وقد شيد هذا المعبد على “فستقية” مؤلفة من ست غرف حوت غرفتان منها رفات “الباب” وجثمان “بهاء الله”.

ويقع “معبد” البهائيين في مركز منحدر جبل الكرمل من الجهة الشمالية منه، حيث “المعبد” يتوسط الحدائق المعلقة ذات المنظر الخلاب على شكل نصف دائرة، أما عددها فهو ثماني عشرة حديقة، تسع منها شمال “المعبد” وتسع أخرى جنوبه، حتى تصل الباب الرئيسي الجنوبي المطل على دوار “اليونسكو”، الذي دشن تعبيرا عن “الامتنان” للخطوة التي اتخذتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) باعتبار المكان من روائع التراث الإنساني. أما العدد الثماني عشرة حديقة، فتخليد للثمانية عشر من التابعين الأولين لـ”الباب”، الذين أطلق عليهم لقب “حي” وتعني الحياة، وقد عرفوا بـ”حروف الحي”.

الحدائق البهائية البالغ عددها (19) حديقة هي واحدة من أجمل حدائق الدنيا، ويعتبرها البهائيون “هديتهم للعالم لجمالها الفريد”.

وتشكل الحدائق البهائية المعلقة إحدى أهم معالم الجذب السياحية في مدينة حيفا وعموم فلسطين. صممها بلمسات فارسية كتلك التي توجد في مدينة “شيراز”، مهندس إيراني عام 1987 وفتحت للجمهور عام 2001.

تضم حدائق حيفا البهائية المعلقة ضريح “البهاء” وابنه، وضريح “الباب”.

وبني “بيت العدل الأعظم” عام 1983، ويعتمده البهائيون في حيفا لإدارة شؤونهم. ينتخب أعضاؤه التسعة من مندوبين بهائيين عن 183 دولة مرة كل خمس سنوات. ومن بعدها، يعين “بيت العدل الأعظم” السكرتير العام للبهائيين.


ويوجد أيضا “الأرشيف العالمي” الذي تم بناؤه عام 1957، وحاكى في بنائه، شكل البارثينون في الأكروبوليس بأثينا.

وهناك مركز “الكتابات المقدسة” الذي بني عام 1999، وفيه تتم دراسة “الكتابات المقدسة” البهائية وترجمتها.

ومركز المستشارين العالميين ومن مهامه هي: متابعة عمل المستشارين التسعة في حيفا والواحد والثمانين مستشارا في أنحاء العالم. ويعين “بيت العدل الأعظم” هؤلاء المستشارين التسعين لمدة خمس سنوات.

بالإضافة إلى هذه المباني الرئيسية التي يضمها مجمع البهائيين على منحدر جبل الكرمل، هناك شبكة من المباني المقامة تحت الأرض تشمل: مكاتب، مطاعم، خزينة المال، وخمسة ملاجئ، وقاعة كبيرة.

ويعيش أبناء “الديانة” البهائية في الداخل الفلسطيني ويتراوح عددهم بين 700 و1000 شخص فقط، غالبيتهم تسكن في حيفا وقلة في عكا، قدموا إليها من دول العالم حيث التجمعات البهائية، وهم يتولون شؤون مراكزهم “الروحية والإدارية”، وهم لا يحملون الجنسية الإسرائيلية، وإنما يمنحون حق الإقامة لفترات زمنية مختلفة.

ويتركز حضور البهائيين، في حيفا، حول شؤون معبدهم، ويكاد حضورهم أن يكون معدوما في المجتمع الحيفاوي، بين العرب الفلسطينيين الذين يعمل قسم منهم كعمال صيانة في المباني والحدائق، وفي المساكن التي ابتاعتها الطائفة في محيط مدينة حيفا والقريبة من “المعبد”، ليأوي إليها الزائرون أو المحتفلون في مناسبات تقام في حيفا. أما في شأن المواقف السياسية، تحظر “الديانة” البهائية على أتباعها المشاركة في هذا المجال، لأن أحد أهدافها هو تحقيق “السلام والمحبة” بين أبناء الجنس البشري، على اختلاف نحلهم ومللهم.

في “الديانة” البهائية، يعتبر التاريخ الديني قد تكشف من خلال “سلسلة من الرسل الإلهيين”، كل واحد منهم “أنشأ” الدين الذي كان مناسبا لاحتياجات الوقت، وقدرة الشعب. وشملت قائمة هؤلاء الرسل رسل الأديان الإبراهيمية، الأنبياء موسى، وعيسى، ومحمد، فضلا عن “الرسل من الديانات الهندية مثل كريشنا، بوذا، وغيرهم” بحسب ما ينشره البهائيون.

ويعتقد البهائيون أن “أحدث الرسل” كان “الباب” و”بهاء الله”.

وفي “العقيدة” البهائية، كل “الرسل” المتتابعة تنبأ أحدهم بالرسول الذي بعده، و”حياة بهاء الله وتعاليم الوفاء بالوعود أتمت وأنجزت ما كان من المفروض أن يتم في نهاية الزمان حسب كل الكتب السماوية السابقة”.
 
ويعتقد البهائيون أنه كما نجد أن للمسيحية على سبيل المثال جذورا في الديانة اليهودية، فإن للبهائية جذورا في الديانة الإسلامية. غير أن هذا لا يعني بأن “الدين البهائي” فرقة من الإسلام أو فرع من الديانات السابقة، بل يؤمن أتباعه بأن دينهم هو “دين مستقل منذ بداياته وله كتبه وشرائعه المستقلة”.

رغم أن البهائية “ديانة توحيدية كالأديان الإبراهيمية”، ورغم تشابه بعض “طقوسها” مع الإسلام لناحية الصلاة والصوم، لكنها لا تعتبر النبي محمد خاتم المرسلين، بل تلاه مرسلان آخران هما “الباب” و”بهاء الله”.

عند الصلاة لا يولون وجوههم نحو مكة بل نحو عكا، ومن لا يتوجه نحو قبر “البهاء” يعتبر كافرا. ولا يؤمنون برجال الدين ولا سلطتهم، الوضوء لديهم بماء الورد، وإذا لم يتوفر يرددون باسم الله الأطهر 5 مرات، الصلاة عندهم 3 مرات في اليوم، في الصباح والظهر والمساء. الكسول، المسافر، المرأة، المريض يعفون من الصلاة وكذلك من الصوم.

بالنسبة للصوم يصومون 19 يوما فقط، يبدأ الصيام من هم 11 عاما ويرفع عنهم الصيام في سن الـ 42 عاما.

وكثيرا ما يتهم البهائيون بالارتباط بـ”إسرائيل” والصهيونية وهو ما ينفيه “المركز البهائي العالمي” في لندن، موضحا أن “العقيدة” البهائية تمنع أتباعها تماما من العمل في السياسة أو دخول الحكومات والتنظيمات السياسية.

الدكتور نبيل مصطفى، وهو بريطاني الجنسية مصري الأصل متخصص في الجراحة، قال في تصريح سابق لموقع “العربية.نت” إن البهائية “ديانة جديدة” ظهرت في إيران على يد “الباب” وكانت مهمته “تبشير الناس ببهاء الله الذي سيرسله الله” على حد قوله.

وقد بلغت تكلفة حدائقهم بحيفا حوالي 250 مليون دولار، ومع أنهم يعترفون بالديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، إلا أنهم يقولون بأن هناك ديانات جديدة ستظهر تباعا وعلى هذا الأساس يقولون إن “البهائية ليست خاتمة للرسالات السماوية”، و”ستأتي رسالات سماوية أخرى بعد 1000 عام على الأقل”. بحسب قوله.

وينفي مصطفى علاقة الصهيونية بالبهائيين قائلا إنه لا يوجد “أي بهائي في فلسطين أو إسرائيل، عدا عدد من الشباب المتطوعين الذين يأتون للعمل في المركز البهائي في حيفا لفترة أقصاها سنتين”.

وأكد أنه لا يوجد “أي بهائي في الحكومة الإسرائيلية أو السلطة الفلسطينية معللا ذلك بأن “الدين البهائي يمنع أن يشارك البهائيون في أي تنظيم سياسي أو حكومي، وإذا اختار البهائي العمل في السياسة، يخير بين ترك البهائية أو ترك العمل في المؤسسة السياسية أو الحكومية، كما أن البهائية لا تتدخل في السياسة”.

ونفى ما شاع في وسائل الإعلام بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن” يعتنق البهائية وقال: “تحرينا عنه وعن أسرته عندما نشر ذلك في الصحف، ولم تثبت صحة هذه الشائعة”، وكان الرئيس الفلسطيني قد نفاها أيضا.

ويستطرد مصطفى قائلا إن “البهائية لا تربطها أية علاقة بإسرائيل والصهيونية أو بأي من الديانات السماوية، فهي دين مستقل عن كل الديانات، ونطيع أوامر حكومة الدولة التي نعيش فيها”. وأفاد أن البهائيين الذين يأتون للعمل كمتطوعين في المركز البهائي في حيفا لا يتعرضون لأية مضايقات من السلطات الإسرائيلية أو الفلسطينية.

المراجع

ـ تقرير مونت كارلو الدولية، 29 حزيران/يونيو 2020.
ـ تقرير “بي بي سي”، 19 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
ـ وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا.
ـ موقع “الجامعة البهائية العالمية “.
ـ صحيفة الغد الأردنية، محمد جميل خضر، 25 تموز/يوليو 2011.
ـ العربية نت، إبراهيم هباني، 1تموز /يوليو 2005.

عربي ٢١