محمود كريشان
بين اليوم والأمس.. تنهض ذاكرة المكان في عمان.. تلك العاصمة الهاشمية الأبية.. حيث تتجلى ذاكرة المكان وقد رصدتها كاميرات منذ غابر الزمان، لتشكل حالة توثيقية للأماكن في وسط المدينة..
وهنا.. لابد ان يكون البدء من أعرق شوارع المدينة وأجملها على الإطلاق شارع فيصل والذي كان يسمى سابقا شارع الساعة وشارع البلدية كذلك ساحة الملك فيصل الهاشمي ملك العراق.. بل وإمتدت التسمية الى شارع المال والأعمال خاصة وان هذا الشارع تكتظ فيه البنوك ومحال الصرافة وتبديل العملات والمتاجر الضخمة والعريقة.
شارع فيصل الذي كان يضم مبنى بلدية عمان وهو في الجزيرة الوسطية الفاصلة بين نهاية شارعي الرضا والسعادة المتفرعين من شارع فيصل، كذلك موقف سارات عمان القدس، وكافتيريا الساعة في الجزر الوسطية ومكتب البرق واللاسلكي الذي هو الان بيت الدووق وقبلها كان فندق حيفا بعد ان كانت تقطن المنزل عائلة الوجيه عبداللطيف باشا الذهبي والد رئيس الوزراء الأسبق نادر باشا الذهبي ورجل الاعمال عمران والباشا محمد ومازن.
ايضا فإن شارع فيصل الذي كان يضم فيما ضم مبنى البنك العثماني فوق سوق البشارات وشركة ادلبي وملص وبدير الذي تحول المبنى الى البنك العربي حاليا، وسوق الصاغة وسوق منكو وسوق البشارات ودخلة قردن التي يوجد بها اعرق صالونات الحلاقة حاليا “صالون الكرمل” لمالكه حلاق الباشاوات وعميد الحلاقين محمد عبدالسلام حجير “ابوالعبد، كذلك كان يضم صالون شقير في سوق الذهب والذي اندثر بوفاة مالكه الفنان نبيل شقير ابوناصر رحمه الله تعالى.
وأبدا.. لن ننسى ضحايا قانون المالكين والمستأجرين من معالم شارع فيصل والتي تم اغلاقها واندثار ذكرياتها، مثل فندق الملك غازي، مطعم دار السرور، مطعم فروج السلام، نوفوتيه أهرام، فيما بقي متشبثا بأهداب الصمود بعض المعالم التراثية في شارع فيصل وتعمل للان بطرق تراثية تقليدية وتقدم خدماتها لزوار عمان وأهلها بجودة عالية مثل: مطحنة الحمصي للقهوة والزعتر بمحاذاة البنك الأهلي، وسمراء عدن للقهوة “الشربجي” أسفل مبنى بيت الدوق، ومعرض الذهبي للساعات وكلاء ساعات فيليكا السويسرية، ومطعم شهرزاد للمشاوي والصواني في دخلة سينما عمان، وكشك حسن بوعلي للثقافة، وغيرها من المحال العريقة التي تخوض صراع البقاء حتى يومنا هذا.
في شارع فيصل كانت سينما الأمارة وسينما عمان ومقهى البرازيل ومقهى كوكب الشرق وبلاط الرشيد، وبائع الفستق الشهير ابواحمد النيروبي “النيجيري” على مداخل سوق الصاغة، وجولات بائع المنافض التراثية الكفيف الذي يمضي مثقلا بخطاه الواثقة متسلحا بنور البصيرة، بعد ان فقد نعمة البصر في طفولته، التي قضاها بربوع الفالوجة في فلسطين وقد شهدت ميلاده هناك عام 1944 يوسف احمد رصرص.. ذلك الستيني الذي حطّ رحال عشقه في قاع المدينة بقلب عمان النابض، وقد ارتحل اليها عام 1964 ليقطن مع والديه في بيت على مشارفها الوادعة بمنطقة المهاجرين، لتبدأ من ذلك الوقت حكاية مؤمن بقضاء الله وقدره، اصبح يرى شوارع عمان وازقتها وحواريها بنبض قلبه، يعرف كل معالمها ولا يخطىء مسيره ابدا.
مجمل العشق.. شارع فيصل.. حكاية بنكهة قهوة عمان.. وعراقة الدلة والهيل.. والقمرا اللي نورت ليل ورا ليل.
Kreshan35@yahoo.com
جفرا