“أنا عسكري.. ولا أستطيع إلا ذكر الأرقام والحقائق كما هي أمام القيادة”.
تلك عبارة يصبح تأثيرها السياسي والبيروقراطي الهيكلي ساحرا وجاذبا وله دلالات أعمق عندما تصدر خلف الستارة عن ضابط عسكري برتبة عميد امتلك الخبرة والمهارة والحضور لكي يحقق قفزة كبيرة باستلامه حقيبة الداخلية بموجب التعديل الوزاري الأخير في الأردن على حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة.
العميد مازن الفراية أصبح وزيرا للداخلية.
هذا “نبأ كبير وجديد” في كلاسيكيات التوزير في الأردن وسبقه تلك العبارة التي قيلت لبعض رموز الحكومة بود شديد من الوجه الوزاري الجديد قبل أن يتمكن رئيس الوزراء من اختطاف العميد الفراية وتعيينه وزيرا للداخلية بعملية خاصة لم تتفكك ألغازها بعد.
لكن الحوار الذي نتج عن عبارة الفراية للحكومة بعد اجتماع سيادي مغلق كان لها علاقة بكيفية إدارة العسكر المحترفين لخلية الأزمة التي برزت بعد مواجهة معركة الفايروس كورونا حيث كان العميد سابقا والوزير لاحقا في عمق تفاصيل التفاصيل في إدارة أزمة كورونا.
بكل حال يعتذر العسكري المحترف من رئيس وزراء مدني بعد اجتماع مغلق واستفسار مرجعي ملكي أظهر تضاربا في المعطيات وله علاقة حصرية بملف مصابي كورونا الذين يتجولون وينتقلون وسط الناس وينقلون العدوى.
العميد فراية رجل مثقف وتلقى أفضل الدورات ووجوده في وزارة الداخلية خطوة سياسية كبيرة فكرتها أن خبرة خلية الأزمة بجانبها العسكري المحترف الدقيق تدير الآن الوزارة السيادية الأهم في المملكة
بكل حال العميد فراية رجل مثقف وتلقى أفضل الدورات ووجوده في وزارة الداخلية خطوة سياسية كبيرة فكرتها أن خبرة خلية الأزمة بجانبها العسكري المحترف الدقيق تدير الآن الوزارة السيادية الأهم في المملكة.
حصل ذلك بعد تباين أو خلاف في وجهات النظر يعرفه الوزراء وله علاقة بكيفية إدارة واجبات الحكام الإداريين والمحافظين خلال معطيات معركة الفايروس.
وهو تباين في وجهات النظر برز في الاجتماعات التشاورية والتنسيقية بين خلية الأزمة عندما كان الفراية رئيسا لها وبين وزير الداخلية الأسبق سمير مبيضين الذي انتهى به الأمر مقالا بذريعة مخالفة أوامر الدفاع في حادثة العشاء الشهيرة.
وزير الداخلية الجديد في الأردن هو حصريا الرجل الذي يدير المواجهة منذ أكثر من عام مع كل تفعيلات معركة كورونا.
لا أحد يعرف بعد فكرة الخصاونة وراء ضم الفراية لحكومته ولا خلفياتها فالمسألة قد تكون ضمن توجه أعمق أو تقتضيها الاحتياجات الموضوعية فبدلا من اتهام الحكومة بعسكرة تفاصيل المواجهة مع كورونا أصبح العسكر أنفسهم بخبرتهم العميقة هم من تستعين بهم الحكومة اليوم لإدارة وزارة ضخمة مثل الداخلية.
بكل حال تتضح لاحقا العديد من المعطيات.
لكن السؤال: من هو وزير الداخلية الجديد وكيف يفكر في بعض تفصيلات الأزمة التي تهم الناس؟
الفراية يعرفه الجمهور الأردني جيدا وظهوره الإعلامي المتكرر كان بمثابة كلمة حاسمة في ملف كورونا وصلبة وخالية من أي تلاعب وزاري أو سياسي معهود بالمدنيين تحديدا.
لكن الرواية المنقولة عن وزير الداخلية الجديد هي تلك التي تقول بأن أعضاء لجنة الوباء الوطني يبالغون في الزحام على الميكروفون والتصريحات ويتدخلون أكثر مما ينبغي في مسائل لا تخصهم وهي نفسها الرواية التي تنصح أو تقترح عدم وجود حاجة ملحة إلى لجنة وبائية مختصة تكثر من الاستعراض الإعلامي فيما يمكن الرهان بدلا منها على المركز الوطني للأوبئة وهو جسم قانوني ومختص جديد اكتمل ونضج الآن وهو جاهز للتعامل مع أزمة الفايروس.
في مقاربات الوزير الفراية وبحكم خبرته في خلايا الأزمة أكثر بعض الوزراء من الاجتهاد في الحكومة السابقة بدون مبرر وحلقات الإنتاج والعمل الميداني عند الحكام الإداريين والمحافظين تحتاج لضبط مختلف ومراجعة.
لا يبدو الفراية متحمسا جدا لكيفية إدارة الأمور في وزارة الصحة ويؤمن بالتشاركية بين المؤسسات في القطاع العام ويحتفظ بملاحظات جوهرية وعميقة لها علاقة بالرؤيا الملكية التي تحاول الجمع دوما بين احتواء الفايروس صحيا واحتواء آثاره السلبية على الاقتصاد.
ويبدو أن من سمع العميد الفراية في غرف العمليات استنتج قبل تعيينه وزيرا بأن الحكومة لا تشاور كما ينبغي مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
واستنتج أيضا بأن آلية اتخاذ القرارات بالحظر الشامل أو الجزئي أو عزل المناطق تحتاج لمراجعة.
السؤال الآن وهو سياسي بامتياز: هل استقطب الفراية لموقع متقدم في الوزارة مع ملاحظاته وبرنامجه وأجندته المحترفة أم أن وزير الداخلية الجديد سيتوه في معادلات البيروقراط والاستقطاب السياسي كما كان يحصل مع غيره وكما حصل بالعادة؟
القدس العربي