كان من أبرز ما قاله الرئيس الأميركي السابق إنه “أكثر شعبية من رونالد ريغان” والحديث عن نظريات المؤامرة حول الطواحين الهوائية
هولي باكستر محررة في قسم الرأي
كانت ليلة أحد في “مؤتمر العمل السياسي المحافظ”، وكان الجميع ينتظرالنجم الكبير، الخاسر في الانتخابات الأخيرة الرئيس السابق دونالد ترمب الذي خضع لإجراءات العزل والمساءلة مرتين في الكونغرس. كان أنصاره يجلسون مع أعلامهم الكونفدرالية في الخارج إلى جانب أشجار النخيل، بينما كانت شاحنات تحمل على جنباتها شعارات “لم الشمل 6 يناير!” JANUARY 6TH REUNION! تمر بسرعة متجاوزةً أبواب المؤتمر، وكانت مقاطع فيديو تعرض تقارير تبث الذعر من تحول “أنتيفا” إلى تنظيم عالمي تعرض على شاشة كبيرة. كان الجميع متململاً نوعاً ما. لقد مر أكثر من ساعة على موعد ظهور “دون” [دونالد] على المسرح… هل كان كل شيء على ما يرام؟ هل أصيب بليزر فضائي يهودي؟ هل حولته ميلانيا إلى حصاة بنظرة مدمرة على نحو خاص؟
فجأة، ظهر متأخراً بعد ساعة وعشر دقائق. كان مفعماً بالطاقة مثل “نجم كبير ومسن في موسيقى الروك يستعرض أعظم أغانيه في جولته الأخيرة”، عبر المسرح وكأنه كائن فضائي اطلع فقط على نظرية الحركة البشرية، وعانق العلم الأميركي بشغف. لا يسعني إلا أن أكون عاطفية قليلاً عندما يعود إلى هذا النوع من الاستعراض. هل نتذكر عندما اقترح حقن مرضى كوفيد بمبيض الملابس؟ هل نتذكر تلك الخدعة في شأن جعل المكسيك تدفع ثمن الجدار (الحدودي)؟ هل نتذكر عندما قال إنه على الأرجح كان بإمكانه الحيلولة دون وقوع هجمات 11 سبتمبر(أيلول)؟ كانت تلك أوقاتاً سعيدة.
ويا للهول، هل عزف أعظم أغانيه في تلك الليلة؟ لقد ردد شعارات “الجدار ساعدنا كثيراً”، و”الحيوانات المفترسة الخطيرة والذئاب الحقيرة” التي تتدفق عبر الحدود بـ”الملايين”. وقال إن “فيروس الصين” جعله يخسر الانتخابات (باستثناء أنه لم يخسر حقاً) لأنهم “في الواقع، كما تعلمون، خسروا البيت الأبيض للتو، ولكن من يدري، من يدري، ربما أقرر هزيمتهم للمرة الثالثة، حسناً؟”.
إضافة إلى ذلك، قال إن هناك “سلسلة هجرة وجدات إرهابيات قادمات إلى أميركا مع أبنائهن، وإن هناك “مناصرين للعولمة”، وإن أعداءه اتهموا الرئيس الـ45 بالزعم أن الفضل يعود إليه في تطوير اللقاحات، مشيراً إلى أنه “بالمناسبة، كان أي رئيس آخر سيستغرق خمس سنوات على الأقل (في إنتاج لقاح كوفيد)”. كما زعم أن التعديل الدستوري الثاني “في خطر”. وقال إنه غاضب “لأنهم” ذهبوا إلى العراق “لكنهم لم يحتفظوا بالنفط”. وقال أيضاً إن “طاقة الرياح” ضارة بالبيئة وتقتل الطيور وتسبب العفن والصدأ في كل مكان”. وزعم أن الديمقراطيين يريدون “وقف تمويل الشرطة”، وأن “الموتى يصوتون”، وأن الانتخابات كانت “مزورة”. وقال إن “ثقافة الإقصاء”، و”وسائل الإعلام الإخبارية المزيفة” تقتل حرية التعبير. كما تبجح بإطلاقه “قوة فضائية!”.
وفي وقت ما، أعلن ترمب أن “بايدن ليس جيداً [في التعامل] مع مسألة الطاقة”، وهي جملة مذهلة عندما تفكر في الأمر. وتابع قائلاً “إن (بايدن) يريد طواحين هوائية، ولكن الطواحين الهوائية لا تعمل عندما تحتاج إليها!”، وأنا أعتقد أن قوله هذا إشارة إلى نظرية مؤامرة دحضت في شأن العواصف الشتوية في تكساس، إلا أنني أحبها أيضاً باعتبارها تصريحاً مستقلاً من جد غاضب انتقل للتو إلى مجمع تقاعد على شاطئ البحر في فلوريدا. لماذا لا تعمل طواحين الهواء عندما يحتاج [المرء] إليها؟ من حرك كرة الشاطئ من تحت كرسي التشمس الخاص بي؟ لماذا يلتصق الرمل بأصابع قدمي هكذا؟ لا أعرف جدي، لكنني صنعت لك كوباً آخر من القهوة، لذا من فضلك توقف عن صفع يدي بهذا الشكل.
لكن ما يعجبني في ترمب هو قدرته الفريدة على عصر ليمونه النرجسي إلى آخر قطرة، وسط هتافات “نحن نحبك” من حشده المحبوب، الذين وقفوا في وقت سابق لالتقاط صور مع تمثال ذهبي للرئيس السابق (من الناحية النفسية، أجد دائماً أن التماثيل الذهبية هي علامة جيدة. كلما ذهبت لتناول جعة بعدما ينفصل صديقك عن شريكه السابق ويقوم بطلب تمثال ذهبي ضخم له ويصرخ بأنه يتطلع إلى المستقبل، حينئذٍ تعلم أنه قد تجاوز حقاً فترة الحزن).
مباشرة بعد سماعه هتافات “نحن نحبك” تساءل ترمب “هل قال أحد ذلك لرونالد ريغان؟ أتعلمون، أعني، لقد أحب ريغان هذا البلد حقاً، لكن لا أحد سمع هذا الهتاف من قبل، لقد كنت في تجمع مع أشخاص يهتفون “نحن نحبك”، وسألت أحدهم “هل سبق لأي شخص أن تلقى مثل هذا الهتاف؟ فقال لا، لم نسمع شيئاً كهذا”.
نعم، هذا هو دونالد ترمب. إنه يدخل في منافسة صبيانية مع ريغان بعد وفاة الأخير حول من هو الأكثر شعبية في مؤتمر العمل السياسي المحافظ. وما أهمية ذلك؟
لطالما اعتقدت أن ترمب يحمل قدراً من الشبه لـ ريجينا جورج: فهو أشقر ولئيم وفي ذروة اللياقة البدنية لشاب في التاسعة عشرة من العمر (وفقاً لما صرح به طبيبه الخاص على الأقل)، ولديه كتاب فضائح يستخدمه لتشويه سمعة أصدقائه المقربين السابقين الذين تحولوا إلى أعدائه الجدد. وأمام شاشة كبيرة تطمئن الجمهور “بعدم إلغاء أميركا”، كشف ترمب في هذه الليلة عن لائحة من الأعداء من بينهم ميتش ماكونيل، وسوزان كولينز، وليزا ماركوفسكي، وتوم رايس، وأنتوني غونزاليس، وداعية الحرب ليز تشيني. وأضاف أن “الديمقراطيين أشرار. حسناً، هناك شر، إنهم أشرار، وهم أذكياء، دائماً يقفون معاً”.
كان خطابه مليئاً بالعبارات الصاخبة. ومع اقترابنا للدقيقة التسعين، كان واضحاً أن صبرالخطيب والجمهور، على حد سواء، بدأ ينفد. وكما لو أنه يخاصم ذاته، صرخ قائلاً “يجب أن يكون ثمة داعٍ للاقتراع الغيابي؟” قبل أن يستدير مباشرة إلى الجانب الآخر، متمتماً “يجب أن يكون ثمة داعٍ”. وعلى نحو عشوائي، قال إن “راش شخص لا يعوض” [في إشارة إلى راش ليمبوخ Limbaugh، مذيع الراديو المحافظ الذي توفي حديثاً]، لكن بما أنه لم يذكر ليمبوخ خلال عشرين دقيقة سوى في عقله الباطني، فقد بدا لنا وكأنه قال “روسيا لا تعوض” (لذا كان رد فعل الجمهور خافتاً، على أقل تقدير).
وعند اقتراب نهاية خطابه، قال ترمب بهمسة ثقيلة لا تخلو من نبرة مقلقة “يجب أن ننتصر، يجب أن نفوز”. وفي لحظة ما، بدا وكأنه يتمنى انهيار العالم من حوله، وهو شيء لطالما أثار انتباهي في بعض خطاباته الطويلة.
وبالطبع، وجه انتقادات إلى جو بايدن مرة أو مرتين، لكنها كانت نادرة مقارنة بالانتقادات اللاذعة التي وجهها الرئيس السابق لأعضاء حزبه. وفي مرتين على التوالي، قال ترمب إن بايدن “لم يكن يعلم فعلاً ماذا كان يحدث”، مستنداً إلى استراتيجية الادعاء بأن “بايدن مصاب بالخرف”، وهي الاستراتيجية التي لم تجد نفعاً خلال دورة الانتخابات. ومع ذلك، دعونا نكن صادقين الآن: لقد كانت النقاشات بين ترمب وبايدن عادة مثل شجار على مشط بين أصلعين، لكن بايدن على الأقل لم يصرخ في وجه الحضور خلال حفل تنصيبه بأنه نسخة أكثر إثارة من جون ف كينيدي وأنهم يعلمون ذلك.
من ناحية أخرى، هل كشف ترمب عن مفاجآت خلال هذه الليلة؟ في الواقع، لا.لقد أعلن بالكاد ترشحه لانتخابات 2024، لكن ليس فوزه بترشيح الحزب الجمهوري مضموناً. وفي هذا السياق، طلب من مؤيديه المزيد من التبرعات، واشتكى من الانتخابات لمدة 25 دقيقة، مردداً بعض نظريات المؤامرة الباطلة مثل إغراق مراكز الاقتراع بالأصوات بعد الثالثة صباحاً في ولاية جورجيا وتدخلات الديمقراطيين السرية.
تشبث أنصاره المتشددون بمتابعة الخطاب إلى النهاية، وهم يرتدون قبعات تحمل شعارات منتهية الصلاحية، ويومئون برؤوسهم لنغمات اعتادوا عليها. غير أن هذا بدا كالنهاية وليس كالبداية، أي كمحاولة لإصدار ألبوم أخير عوض الإعلان عن توجه جديد وجريء. وعند مغادرته في نهاية المطاف المنصة على وقع أغنية “واي أم سي أي”، ملوحاً بقبضة يد ضعيفة، لم يسعني سوى الشعور بأن “مؤتمر العمل السياسي المحافظ” كان مجرد خدمة قدمها المعجبين لدونالد. ففي مرحلة ما، فقد هذا الرجل ذو الأربعة والسبعين عاماً عمله في خضم الجائحة، وهو ربما يريد الآن الاستجمام بسلام إلى جانب البحر وطواحين هوائية سليمة. أعرف أن مقاصدهم حسنة، لكن هل يستطيع الإنجيليون ترك هذا الرجل المسكين يعيش بسلام؟
© The Independent