إفريقيا ساحة صراع القوى الكبرى.. تراجع أميركي وانتشار روسي صيني

شهدت علاقات الولايات المتحدة بقارة إفريقيا تراجعاً كبيراً في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، منذ وصوله إلى السلطة في عام 2017، إذ سعى خلال الفترة الماضية إلى تقليل حجم القوات الأميركية في القارة، مقابل دخول متسارع للقوى العظمى المنافسة إلى القارة السمراء.

وقالت مجلة “فورين آفيرز” الأميركية، في تقرير السبت، إن واشنطن سحبت في عهد ترمب، قواتها من إفريقيا كجزء من التحول الأوسع للأمن القومي من “مكافحة الإرهاب” إلى منافسة القوى العظمى، إذ استخدمت الإدارة السابقة مصطلح “تحسين الأداء” لوصف نهج الذهاب بعيداً عن إفريقيا.

وأوضحت المجلة، أن سحب ترمب للقوات الأميركية “يشكل فك ارتباط بينها وبين القارة الإفريقية، إذ عملت على تقليص الجهود المبذولة لمحاربة المسلحين في الكاميرون والنيجر ونيجيريا، ما قلل من التواجد العسكري الأميركي في بعض المناطق الأكثر اضطراباً في القارة”.

الافتراض الخاطئ

واعتبرت الإدارة الأميركية السابقة، أن “مكافحة الإرهاب والأولويات طويلة المدى الأخرى في إفريقيا ستتضاءل من حيث الأهمية مع اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وقوى مهمة أخرى”.

وبيّنت “فورين آفيرز” أن الافتراض الخاطئ الذي اعتمدت عليه إدارة ترمب، هو أن القارة السمراء تشكل مصدر تشتت انتباه عن مسار منافسة القوى العظمى، مشيرةً إلى أن إفريقيا قد تصبح واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية، إذ أن المنافسة بين الدول الكبرى في القارة ستزيد من حاجة واشنطن لمحاربة الإرهابيين وحماية الديمقراطية والتجارة والمشاريع الحرة، مقابل إيلاء اهتمام خاص للحد من تأثير روسيا والصين بالقارة.

وشهدت العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، تراجعاً كبيراً خلال رئاسة ترمب، إذ انخفض حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وقارة إفريقيا، إلى 41 مليار دولار عام 2018، بعد أن كان 100 مليار دولار عام 2008، كما انخفض حجم الاستثمار الأميركي المباشر من 50.4 مليار دولار عام 2017 إلى 43.2 مليار دولار عام 2019.

استراتيجية أميركية جديدة

ورأت المجلة أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بحاجة إلى استراتيجية جديدة تسعى لتحقيق الغايات معاً بصورة مستدامة وبتكلفة مقبولة، مؤكدةً أن الولايات المتحدة تدير الآن عمليات يومية من خلال سفرائها، وتكيف نهجها مع كل دولة من دول القارة الإفريقية، البالغ عددها 54 دولة، على حدة، لكن القضايا الأكثر إلحاحاً هي الإرهاب، وتغير المناخ، والوباء، والهجرة غير الشرعية.

وأوضحت المجلة، أنه سواء شاءت الولايات المتحدة أم أبت فإن صراع القرن الحادي والعشرين من أجل إفريقيا سيظل مستمراً، حيث تعمل روسيا والصين، على تكثيف النشاط الاقتصادي والعسكري في القارة في نفس الوقت الذي تتراجع فيه الولايات المتحدة.

وترى موسكو وبكين، أن القارة السمراء تحمل فرصاً لبناء علاقات اقتصادية كبيرة، عن طريق تأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية والأسواق سريعة النمو، وتشكيل تحالفات سياسية، وتعزيز نماذج الحكم غير الليبرالية الخاصة بهما.

صفقات روسية مع 19 دولة

ووسعت روسيا بشكل كبير من وجودها في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، إذ وقّعت صفقات عسكرية مع 19 دولة على الأقل منذ عام 2014 وأصبحت أكبر مورد للأسلحة في القارة، كما تسعى الصين، أيضاً، للحصول على نفوذ واسع لها، بحسب “فورين آفيرز”.

ورأت المجلة أن عودة المنافسة بين القوى العظمى لا تعني أن الولايات المتحدة يمكنها تشتيت انتباهها بعيداً عن إفريقيا، ولكن على العكس من ذلك، فإن زيادة النشاط الروسي والصيني في القارة يتطلب انخراطاً أميركياً أعمق.

 وبحسب “فورين آفيرز”، سيتعين على واشنطن تبني استراتيجية إقليمية قادرة على معالجة التهديدات العابرة للحدود في القارة، وأن أي شيء أقل من ذلك سيكون بمثابة تنازل لأعداء الولايات المتحدة في قارة من المتوقع أن تنمو فيها الفرص والمخاطر في العقود المقبلة.