رواية “هي لا تشبه ذاتها”: نص يتحامل على الذات العربية بذرائع الانسانية والتعايش

عمر عبد المعطي ضمرة

” تعالج رواية ( هي لا تشبه ذاتها ) قضية القبول والتسامح والتعايش بين الأديان ….. ” ، هذه هي الجملة التي يكررها الكتاب والنقاد ، الذين حاولوا تحليل الرواية أو تقديم قراءة نقدية لها ، الا أني اكتشفت أنهم كانوا يتسابقون للتغزل بالنص ويتملقون كاتبته .! .

عبارات جميلة رنانة … تعايش … تسامح … انسانية ، الا أن القارىء المتعمق في متن وعبارات الشخصيات في النص يدرك ان صانعة هذا النص الروائي، تروج لموقف سياسي واضح يتمثل في ادانة الشخصية العربية الفلسطينية، في مقابل تجميل الشخصية اليهودية المتصهينة بفعل عوامل التاريخ والهجرات والصراعات السياسية ، الى جانب تبرئة الغرب .

يقول مفكر النظرية النقدية التفكيكية جاك دريدا في احدى عباراته: ” ان ما لايمكن قوله، لا ينبغي السكوت عنه، ويكفي أن يكتب”، ونحن هنا نحاول أن نكتب فهمنا لنص اشكالي، لا ينفصل عن واقع الإطار السياسي والثقافي والفكري الذي يجري في المنطقة، بل والعالم من أحداث .

يهدف النقد الثقافي بالدرجة الأساسية إلى كشف العيوب النسقية التي توجد في الثقافة والسلوك، بعيداً عن الخصائص الجمالية والفنية للنص الأدبي، اذ يتعين على المثقف أن يستند الى مرتكزات محددة في نصه، الذي يكون محملاً بالمقاصد والدلالات، الظاهرة أو المبطنة، والتي تأتي في متن النص ، سواء بقصد أو دون قصد، قبل أن يكون هذا النص مؤشراً جمالياً أو فنياً على مستوى الشكل .

فالكاتب الذي يكتب نصاً قصصياً أوشعرياً أو روائياً ،يكون مطالباً بالضرورة بتقديم تفسيرات وتبريرات مقنعة للأفكار والمفاهيم التي تعبر عنها شخصيات هذا النص، ضمن سياق زماني ومكاني محدد، في فضاء متحرك تتشابك فيه العلاقات فيما بينها، بأسلوب حكائي مترابط يتناسب مع الثيمة أو الثيمات الرئيسة في هذا النص، لأن المثقف هو ثمرة الحالة العامة المنبثقة من واقع مجتمعه وبيئته وأفكار ومفاهيم تلك البيئة ورؤيتها للمرحلة المستقبلية، على المستوى المحلي والعالمي .

ولا يمكن فهم انفصال الكاتب عن نصه الذي يكتبه، أو ما يسمى بمفهوم “موت المؤلف” الذي ظهر ابان النظرية النقدية “البنيوية “، بعد اكتمال نصه وخروجه الى المتلقي، بشكل ينفي مسؤوليته عن هذا النص، رغم الايمان المطلق، بأن النص يصبح ملكية عامة للقارىء والمتلقي، الذي بدوره يشتبك مع هذا النص أيضاً بناءً على مخزونه الثقافي والمعرفي وتكوينه النفسي، الى جانب السياق الفكري والتاريخي والجغرافي والسياسي، فيكون النص قابلاً للفهم وللتأويل والتفسير المختلف من شخص الى آخر .

وهنا تكمن مهمة الناقد الرئيسية، الذي يتعين عليه أن يكون ممسكاً بزمام النص، وواعياً لمرتكزاته الأساسية، ولا يقع فريسة للأساليب الفنية أو الشكلية والجمالية الجاذبة التي تحاول استمالته للوقوع في حبائلها، ليتوه في عتمتها، غافلاً عن مقاصد ومرتكزات هذا النص والمفاهيم التي يحاول خالق أو صانع هذا النص، تمريرها للقارىء وللمجتمع، بدواعي انسانية أو مفاهيم التعايش وما الى ذلك .

وبناء على ماسبق، يمكن لنا فهم لماذا رفض المثقفون الأمريكيون المقيمون في مدينة نيويورك منح جائزة بولنجتون عام 1949 من القرن المنصرم، للشاعر عزرا باوند، وذلك لأنه كان مؤيداً لموسوليني “الفاشيستي” وهتلر ” النازي ”  في الحرب العالمية الثانية، حيث ان هؤلاء المثقفين، كانوا ينطلقون من ثوابت ثقافية وسياسية وأخلاقية .

ولا نغفل مواقف العديد من الكتاب العرب الذين آثروا الانسحاب من التنافس على الجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة في الأوساط العربية باسم ” بوكر العربية “، وذلك بسبب التطبيع الذي قامت به الامارات مع الكيان الصهيوني المحتل، محققين بسحب نصوصهم الأدبية من المسابقة، مفهوم “المثقف العضوي”،الذي طرحه الناقد الايطالي أنطونيو غرامشي باعتباره “المثقف العضوي” ، هو الذي يبقى مرتبطاً مصيرياً بالفئة الاجتماعية الرئيسية، ولا يفقد الحس التاريخي بين النظرية والتطبيق، أو بين المفهوم والتاريخ، أو بين الواقع والفكر .

لقد سقت هذه الفقرات النقدية في سياق القراءة التحليلة لرواية الكاتبة ليلى الأطرش الأخيرة الموسومة ب ” هي لا تشبه ذاتها ” ، الصادرة عن دار الشروق للنشر والتوزيع عام 2018 والتي نالت عنها جائزة ” كتارا ” للرواية العربية .

سأحاول اختزال الرواية ، وتجميع الخيوط التي تتشابك فيها شخصياتها، ضمن مساحة محددة، ليجاريني القارىء في فهمي للرواية، مع استخدامي لمؤشرات ودلالات موحية وواقعية على ألسنة الشخصيات، والتي قادتني لهذا الفهم للرواية، فوظيفتي تكمن في اقناع قارىء هذا النص، بما ذهبت اليه الكاتبة في روايتها، سيما أنها تأتي في مرحلة من التهافت على التطبيع مع الكيان الصهيوني من قبل عديد من الأنظمة العربية الحاكمة .

ويعتبر النص، وفقاً لمفهوم “النقد الثقافي”، انعكاساً لسياقات ثقافية وتاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية وقيم حضارية وإنسانية، تحمل مقاصد ومفاهيم يعيها خالق النص، قبل أن يكون أسلوباً جمالياً أو فنياً أو شكلياً مجرداً، كما يعرف بأنه فعل الكشف عن الأنساق، وتعرية الخطابات المؤسساتية، والتعرف على الأساليب التي تتكىء عليها في ترسيخ هيمنتها، وفرض شروطها على الذائقة الحضارية للأمة, أو بالأحرى ربط الأدب بسياقه الثقافي المضمر .

تبدأ الرواية بتصوير البطلة الرئيسية وعلى لسانها “حبيبة العين الغلزاني” لرقصة صوفية وسط أوجاعها من مرض السرطان في غرفتها بمركز الحسين للسرطان في عمان، مستخدمة لغة شاعرية ومستذكرة رقص الأفارقة وسفر أرواحهم ، معتبرة ان الرقص ما هو الا إعلان الروح عن قوة مشاعرها وربطها بالرغبة الأزلية لدى الانسان بالتحرر والانعتاق، لتعرج بعد ذلك الى المسألة الدينية، حيث تفصح عن مفهومها للدين: باعتبار أنه نتاج لعدم قدرة الانسان من تصور فكرة الفناء ولا العبث، وتسوق ” ملحمة جلجامش ” كشاهد تاريخي على هذا التصور ، بهدف توضيح فلسفتها لمفهوم الدين .

تشعر “حبيبة العين ” بأنها باتت قريبة من الموت، وبالتالي تدرك بأنها مطالبة وملزمة أمام الحاح ابنتها ” منار ” لتفسير أسباب فشل زواجها من شخصية الأب ” منذر الفلسطيني ” وطلاقها منه، رغم قسوة الذكريات وقتامة التجربة ، فتجد أن الكتابة لذكرياتها وتطرقها الى الماضي، ملاذاً للخروج من أزمة السؤال الحائر لدى ابنتها ” منار ” .

ان الرواية عبارة عن محاولة لتجميل الشخصية اليهودية ” وهي بالمناسبة تستخدم ثلاث شخصيات يهودية ” تسبغ عليها مستوى عال من المعرفة والفكر والخبرة، فضلاً عن التذوق الفني والاحساس المرهف، عدا عن صفات التضحية والوفاء والكرم ومحاولة انقاذ ما تقوم به ” شخصية منذر الفلسطيني “، الذي يضفي عليه النص، أبشع الصفات وممارسة القمار وتضييع الشركة التي تم تأسيسها في عمان، مما أفشل زواج بطلة النص والراوية ” حبيبة العين الغلزاني “منه ” منذر” . .

تعرض الرواية حكايتين، متباينتين في الجغرافيا والتاريخ والاطار السياسي الذي أفرزهما، وتزواج بينهما، وتصطنع، بأسوب روائي، غير مقنع، حتى على المستوى الفني، ايجاد مساحة مشتركة لتجميع والتقاء الشخصيات بما تحتويه من مفاهيم وعبارات، ظاهرها الانسانية والعدالة وقسوة الاقتلاع من الأرض والاغتراب….الخ .

ويتجلي ذلك واضحاً في احدى فقرات الرواية حينما تقول البطلة ” حبيبة العين “محاولة توصيف علاقتها بزوجها منذر:” هو ورث الحب والانتماء لفلسطين، عرفها من أهله، وعشق أرضاً بعيدة المنال…. !!؟؟ بينما تتابع لتوصيف هجرتها من أفغانستان: ” أنا مشحونة بذكريات عشتها فيه، حملت وطني في حقائب هجرتي “…وكأنها تنصب نفسها منظرة السياسة والتاريخ من منظور يهودي بحت بعبارتها “عاشقاً لأرض بعيدة المنال ” !!، كيف لشخصية روائية أن تصف وطناً محتلاً من قبل الصهاينة، بأنه أرض بعيدة المنال !!!.

تضج الرواية من خلال وقائعها وأحداثها التي تقودها خالقة هذا النص، للافصاح عن ما تحاول اخفاءه عن القارىء منذ البداية وتسويقه ، وهو تجميل الشخصية اليهودية وتصوير الشخصية الفلسطينية بصفات الانتهازية والوصولية والتضحية بالانتماءات الوطنية والانغماس بالمقامرة بأموال الزوجة ، في مقابل عرض تضحيات صديقة والدتها اليهودية ” سارة ” وابنها “عزرا” لإنقاذ الشركة من الافلاس !!! .

ما يهمنا أنها تتعرف أثناء عملها في عيادة الدكتور جونسون، اثر هجرتها وأسرتها الى بريطانيا بعد دخول المتدينين المتشددين الى أفغانستان في لندن، على زوجها منذر الفلسطيني، لتكشف لنا أنها لم تكن مصادفة، بل كانت بتدبير وترتيب مسبق ،وبفعل دافع المصلحة في شخصية ” منذر” ، فهي لا تفوت أية كلمة لاسقاط أبشع الصفات على “منذر” الفلسطيني ، والذي تجسده كشخصية فلسطينية وحيدة في الرواية لترسيخ اسقطاتها وتصوراتها المتحاملة والواضحة .

تقول لنا البطلة أن جدها الاقطاعي أعتق العبيد وما ملكته أيمانه ووزع مساحات من أرضه على العاملين فيها بوازع من الدين والضمير، قبل أن ينتشر المد الشيوعي والحضور السوفييتي، فيما ينسف ذلك ، ما يروى من قصص عن تسلط هذا الجد الشغوف بالمال والقاصرات، والمحتكر لاستيراد المواد الزراعية وانتاجها!؟.

وتحاول الرواية ايراد قصص ، غير مثبتة وغير موثقة، عن مجازر الشيوعيين بحق المتصوفين وملاحقتهم بتهم مختلفة، ويقضون على الرئيس “نجيب الله”، كما يشتد العداء لليهود (لا تفتأ تصورهم كضحايا)، في حين تغفل عن ذكر سياق التدخل السوفييتي الذي جاء في اطار الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، بهدف لجم محاولات التدخل الأمريكي وتأمين الحدود الجنوبية للاتحاد السوفييتي حينذاك، ولم يأت بهدف استيطاني واقتلاع شعب بأكمله من أراضيه التي يقيم فيها مثل فلسطين ، فمحاولة المزواجة بين الهجرتين أو النكبتين، حسب منظور الكاتبة، غير موفقة لا فنياً ولا سياسياً  هذا ابتداءً . .

تلجأ الكاتبة الى السرد الدائري ” تنتقل من حدث الى آخر بطريقة غير متسلسلة ” ،حيث نستطيع أن نجد لها تبريراً لهذا الأسلوب الروائي المعروف ، بالاستناد الى هوس البطلة ” حبيبة العين ” بحلقات الذكر والأناشيد والابتهالات الدينية وطرق الرقص الصوفي المختلفة ، وكذلك لأنها تستذكر كل الأحداث التي تجري، منذ تدخل الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وحتى اضطرارها وعائلتها للجوء الى لندن، بعد سيطرة المتدينين المتشددين، واصابتها بمرض السرطان، ولجوئها الى عمان للمعالجة في مركز مؤسسة الحسين للسرطان .

بينما تتغاضى الكاتبة عن التطرق الى محاولات التجييش والتحشيد من قبل الأنظمة الاسلامية، وتغذية النزعات السلفية المتشددة، التي تركت أثراً واضحاً، لا يزال ماثلاً للعيان حتى الوقت الحاضر، فتخون حقبة سياسية من الزمن بلا تبرير.

لا تنفك “حبيبة العين”، طوال مجريات الرواية ، تذكر أنها سليلة أسرة اقطاعية ، في أفغانستان ، تمتلك الأراضي الشاسعة وكل ما يدب عليها من عمال وفلاحين وغلمان ، الا أنها تنحو تجاه المعرفة والشغف بالفن ، متمردة على السائد والمألوف ، وتختار دراسة تخصص الأمراض الجلدية ، لأن أبيها لا يريدها أن تكون معالجة نفسية ، رغم المشاهد العديدة في الرواية التي تصور رضوخ الأب لزوجته ” أم حبيبة العين ” في أي مسألة ، وبالتالي كان من الممكن أن تلجأ لوالدتها لاقناع الأب برغبتها الدراسية !! وهذا فشل فني في تصوير شخصية البطلة .

تنخرط والدتها مع صديقيها اليهوديين “سارة وابراهام ” في أنشطة نادي ” الليونز ” في لندن، غافلة هنا عن شغفها وحبها للفن، يعني أفغانستان ملئية بالتماثيل والمنحوتات والمقطوعات الموسيقية الملهمة والمعارض ، بينما هنا تثير لدينا الشفقة، لأن لندن ليس فيها من أمكنة ومراكز ثقافية وفنية تغذي ذلك الشغف، الا متنفس واحد هو نادي ” الليونز ” المعروف لدى المخزون المعرفي لدى القارىء الى ما يرمز ….!!!

ثم تغرق في أنشطة يهودية عديدة ، حيث تقول في عبارة خلال الرواية تفصح فيها عن نواياها قائلة :” العمل الخيري لا يتبع السياسة، وهم، تقصد (اليهود)، الأكثر نشاطا في هذا المجال، ويعتبر كنيس “وست لند” مكان أمها المفضل بين معابد اليهود، مع أن مجريات الرواية تؤكد أن والدتها لا تعنى الا بالبذخ والأمور السطحية من القضايا والموضوعات، فاللوحات المعلقة على الجدران والبيانو وغيره من التماثيل والمنحوتات أشياء تعبر عن الثروة فقط ، وليس عن التذوق الفني، وهي بعيدة عن أي تدين أو تفكير به، وهذا تناقض فني صارخ في الرواية لأنها تصورها دائمة الحج للمسجد الأزرق في” كابول ” التي ترافق صديقتها ” سارة ” في زيارة ” كنيس الملا بنيامين ” .

من الناحية الفنية، اذعان الأب الذي يبدو على قدر من المعرفة والاطلاع وهو أحد شيوخ قبيلة ” البشتون ” المعروفة غير مبرر ، وكذلك انتساب شقيقتها ” فردوس ” العاشقة للحياة الباذخة والشرسة في فرض رأيها الى جمعية الاخاء الأفغانية البريطانية لتأهيل الجرحى واللاجئين ، كما تورد الرواية أيضاً ، يبدوغير مفهوم ويفتقد للتناغم في سلوك الشخصيات ودوافعها .

في غرفة مرضها تصر” حبيبة العين ” على رقصة ” المولوية ” ، فانها تدور لترى ذاتها في المرآة التي لم تكن تشبهها بأثر المرض وعلاماته من تساقط شعر وضعف ، وهنا لتسمح لنا كاتبة هذا النص أن نقول أن العنوان ” هي لا تشبه ذاتها “هو لا يشبهنا ، لأن العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية التي تجري في المنطقة والعالم تتجاوز مرض البطلة العضوي ، التي تجسد صورتها وتفاصيلها ، حيث ان تصوراتها الخيالية عن الشخصية اليهودية أيضاً تتسم بالمرض والبعد عن الواقعية .

لا نستطيع اغفال جماليات أدواتها الكتابية، وتمكنها في رسم أعماق ونفسيات المرضى بمركز الحسين بمشهدية فنية رفيعة المستوى، اذ تقول في احدى العبارات ” انكار جماعي للوجود في مكان موسوم بالنهاية ” ، واذا ربطنا هذه العبارة بأحداثها السياسية وما يحاك من مشاهد سياسية ، أو محاولات لفرض الشخصية الصهيونية الكارهة والسالبة، فانها توصيف دقيقق لمجريات المرحلة، أهذا ما تحاول الكاتبة اقناع العرب به، بأنه لن تقوم لهم قائمة ، مرضى ، عاجزين ، ينتظرون الموت وينتظرهم .!!

تعرض في روايتها للقدس والخليل على اعتبار أنهما مركزان لفرق الصوفية الأحمدية نسبة لأحمد البدوي، ثم للشاذلية الدسوقية كإرث تركي ازدهرت بالقدس، والأكبرية نسبة للشيخ محيي الدين بن عربي الذي سكن القدس ثم رحل لدمشق، وحول القدس زوايا كثيرة للجعبرية والأدهمية والشريف ،والجيلاني، اذ لعبت الصوفية دورها في حياة الناس، ففي باحة المسجد الاقصى هناك زاوية النصرية وخانقاه الفخرية وزاوية البخارية والنقشبندية .

الا أنها رغم كل ذلك لا تتعرض للنكبة الفلسطينية 1948، ولا لأي من محاولات اليهود للهيمنة وكيفية احتلال أراضي العرب وتشريدهم، ولا للمجازر المرتكبة بحق أهالي فلسطين، على الأقل مجزرة واحدة من مئات المجازر المثبتة تاريخياً ، حتى ولو جاءت بشكل عابر، غير أنها في المقابل تصور مجزرة متخيلة مخترعة يرتكبها الشيوعيون، ضد الفرق الصوفية ابان تدخل الاتحاد السوفييتي فيها ، والذي استمر عشر سنوات فقط ؟! وهو غير استيطاني، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا ما الهدف الذي تحقق للاتحاد السوفييتي بمقتل مجموعة دراويش غير مقاتلين ؟؟؟ .

مثلما تدين زوجها “منذر” حين جاء يطلب يدها، لأنه يتحدث عن اللجوء والتاريخ، رغم اغراقها للقارىء بقصص اقتلاعها من أرضها أفغانستان ووصفها لمشاعر اليهود حينما تركوها، فتستكثر عليه الحديث عن المأساة الفلسطينية.

تقول الكاتبة على لسان “حبيبة العين” ان اندماج اليهود في مجتمعهم الجديد – تقصد كابول – غير عاداتهم ، وهذا يناقض جملة وتفصيلاً، ما عرف عن الشخصية اليهودية، التي هي نأت بنفسها، وعلى مدار التاريخ، عن الاندماج بالمجتمعات ولم تنخرط بشكل حقيقي مع أية أنشطة مجتمعية في أي بلد كانت تعيش فيه، فحصرت نفسها داخل “جيتوهات” فرضتها على نفسها ولم تفرض عليها، كما يروج لذلك .

تقول الكاتبة عن صديقة والدتها “سارة”: “هي معلمة من طراز فريد، لا تتوقف عن النصائح ، وضخ المعلومات في الاتيكيت والفنون والعزف على البيانو، أما عزرا ابنها خلف توأم صبيان وطفلة أسماها تيمنا بأم حبيبة العين “هانية”.

وتتابع على لسان سارة ” بعض اليهود ضد العنف والاحتلال، لكننا لا نستطيع المجاهرة بآرائنا، لأننا سنتهم بأننا ضد قيام دولتنا ” !! . لماذا ألستم تدعون الديمقراطية وتنتهجون حرية التعبير ؟! لكن عقيدة التلمود تبرر قتل” الغوييم ” وسرقتهم، أترى لا تدرك الكاتبة هذه الحقيقة، بلى تدركها، وتحاول إغفالها في سياق محاولاتها الدؤوبة لاخفاء صهيونية شخصية ” سارة ” ، رغم ان سياق الكلام يوحي أو يؤشر على ذلك، تحاول الاخفاء والتجميل لقذارة الصهيونية ، فيكشفها النص ويخونها التعبير .

وفي المقابل تسوق الكاتبة، بجذل واضح، إشارة لادانة العرب والشخصية الفلسطينية تحديداً ، تقولها على لسان” سارة “…… اسمع يا عربي يا حبيب العين يا قارىء يا متلقي ما تقول العبارة: ” كلما لعنوكم ازددتم قوة … وتضحك ” أي أن كل لعنة من العرب للصهاينة المحتلين الغاصبين تزيدهم قوة !!!!…. ابداع في تجميل للصهاينة ؟! .

عن ماذا تتحدث الرواية؟ أترى عن شخصية أخرى لم يعرفها التاريخ عن اليهود، والتي لم تتغير حتى الآن، بل تواصل انتهازيتها وجبروتها وعدم الاعتراف بالآخر، فلطالما عزل اليهود أنفسهم في تجمعات لم تفرض عليهم كما تم الترويج إعلامياً، بل هم أنفسهم اختاروا التقوقع، اتكاءً على نظرة استعلائية للأغيار، الذي يسمح لهم ، وبناء على عقيدتهم، ارتكاب كل ما هو غير أخلاقي تجاههم ، تجاه الأغيار غير اليهود .

هل من المعقول أن الكاتبة تحاول أن تفصلنا، ليس نحن فقط ، بل والقارىء الأسيوي والأمريكي والأوروبي…. ، العارف والمدرك، لواقع وطبيعة الشخصية اليهودية ، التي واجهها الأوروبيون بالكره ، تبعاً لتصرفاتها التي لم تتغير ، وأبدع الكاتب الانجليزي وليام شكسبير في تصويرها أيما ابداع في مسرحيته الخالدة ” تاجر البندقية ” ، والتي مازال اليهودي المرابي الغاصب البعيد عن الانسانية يتفنن في تجسيدها على أرض الواقع .

تجسد الرواية شخصية الأب بأنع العاقل الذي يؤمن بوسائل الاحتلال عبر التاريخ ، من خلال تأجيج الصراع الديني ، واثارة النعرات الطائفية والقبلية ، الا أننا لا نجد أي مسوغ فني يبرر لمثل هذه الشخصية العارفة ، الإذعان لزوجته التي تغفلها وتنتهي نقاشاتهما بهزيمة الأب…. اذ كيف يهزم من يمتلك المعرفة أمام الجاهل!؟ .

ثم تنتقل الراوية لنكبة ” سارة وابراهام ” ، فهما اللذان يعنيانها والمثيران للشفقة ، حسب النص ، بالدرجة الأساس ، حيث العمال يتركون العمل في مدبغتهما في القدس ، ويحجم الصيادون عن التعامل معهما …يا له من أمر مثير للشفقة !!!! .

نشهد للكاتبة ” بالابداع ” ، نقولها على سبيل التندر بالطبع ، فالكاتبة تحاول تجسيد مأساة سارة اليهودية بعد خروجها من كابول حيث تقول مصورة مشاعر سارة ( المسكينة ) :” شهيق مجرور ، زفير سجين من كوة زنزانة خانقة ، مرت بيدها من النافذة على بعض الأغصان التي تدلت على الطريق ….”

الله الله ما هذا الابداع !! …..

وتتابع عن وصفها ل(سارة ) ” لم تقابل التجار حين وصلنا ، وخاصمت الأسواق اليهودية”…..

لاحظ رعاك الله أن سارة تخاصم الأسواق وتتابع ابتهالات الدراويش الصوفيين . !!!

تواصل ” سارة ” الحج الى كنيس ” الملا بنيامين ” في كابول ، و تضحي بممتلكاتها واضعة اياها في تصرف ” الملا بنيامين ” باعتباره الحاخام الأكبر ، وهو الوحيد الباقي في كابول ليحرس الكنيس اليهودي . !!!

تعرض الكاتبة لقصص دون أسانيد تاريخية ، نذكر منها على سبيل المثال حديثها عن أن بعض علماء الأنساب والتاريخ ناقشوا قضية سبي اليهود على يد القائد ” نوبخذ نصر ” وأقاموا في العراق ، ثم هربوا الى بلاد فارس الذين بدورهم اضطهدوهم ، ففروا الى خراسان …..!!!!! ، لا نعرف مدى الدقة في هذه المعلومات ، وما هو المصدر الذي استقتها منه ……وما الرسالة التي تحاول ايصالها الى القارىء ؟ يعني من زمان ايران خصم لليهود ….؟ .

مدينة ” هرات ” الأفغانية فيها أضرحة لليهود وأولياءهم ، وعاش فيها العديد ممن تركوا بصمات واضحة في مجريات التاريخ والذين منهم جلال الدين الرومي ، والمدينة تعتبر جزءاً من طريق الحرير ( هرات -الهند – ايران – وأوربا ) .

نجدها بدلاً من نقل حوادث النكبة الفلسطينية تصور لنا ” هولوكوست ” شرقي يصف تفاصيل وصدمة صديقة والدتها “سارة ” أما الفلسطيني، الشخصية الوحيدة بالنص ، تسبغ عليها كافة ألوان السلبية ، وهذا ما يكشف عدم موضوعية هذا النص الروائي ، فلا يخرجن أحد علينا ليقول أن الشخصيات تتحدث عن ذاتها ، والا لو كان لها نصيب من توفيق أو محاولة لانصاف نصها من التجني لساقت الينا شخصية فلسطينية أخرى على سبيل المثال تتسم بشيء من الايجابية، حتى يكون هناك شيء ، ولو ضئيل من الاقناع الفني والموضوعية في الطرح .

توصلنا لنتيجة ان الزوج ” منذر “يخلي رصيد الشركة وأصولها من المال ويهدر قيمة تنازله عن الانتماء أمام هواية المقامرة ؟؟؟!!! ، هكذا هي الشخصية العربية الفلسطينية في نظر الكاتبة التي تدعي على غلاف الرواية أنها – رواية الانسانية والتعايش السلمي العابر للأديان والطوائف والمذاهب .

بطلة الرواية تكتب لابنتها ” منار ” التي لا تستطيع مصارحتها بحقيقة مقامرة الأب ، اذ تكتب ” ان الزوج يعلن لها ، أي لحبيبة العين ، ان مصلحة الشركة تتجاوز الحساسية السياسية ؟؟؟!!! الأم تقول ” ان تدخل ومساعدة سارة و ابنها عزرا ينقذ الشركة ، وتصف اليهود بالشركاء الأمناء الذين لا ترضى عنهم بديلاً ” !!! يا عيني .

ما هذا ؟؟؟!!! أهو عمل روائي ، أم خطاب يهودي سافر بالانحياز وتجميل الشخصية اليهودية ومباركة اقامة دولة الكيان الصهيوني المحتل ، أم مشاهد من فيلم عنوانه ” هولوكست ” اليهود في الشرق!!؟؟

تصف بطلة الرواية ” سارة ” ، المهووسة بها ، بأنها الساحرة بالعزف والغناء ، وتذكر ” للملا بنيامين ” تصويرها لتدمير دارة كابول وعدم تقدير الفن من قبل غزاة الوطن” أفغانستان ” ، في مقابل اغفال أي شيء عن تدمير الصهاينة للقرى الفلسطينية ، التي لا تعد ولا تحصى ، وحرقهم للمسجد الأقصى وحفر الخنادق لاقامة هيكل متخيل ، والتنكيل والتشريد والأسر والابعاد الممنهج ، كل ذلك تتجاهله الكاتبة وتتحاشى ذكره ، وهذا تناقض صارخ فنياً ، لأن الكاتبة تحاول تصوير نكبتين ، فأين الموضوعية ، أم أن هذا لا يعنيها ؟؟!! . .

تصور الكاتبة ” منذر” باقتناص الفرص ، فهو يستغل اتفاقية ” وادي عربة ” ولم يتردد بعد أن عرض والدها انشاء فرع لشركة للمواد الزراعية في عمان وشركة لتصدير المنتجات الزراعية هو و” عزرا ” اليهودي يتوليان أمر الشركة ، “عزرا” يتواصل مع مركز البحوث في جامعة ” بن غوريون ” المشيدة على تراب فلسطين المحتلة ، يتنازل الزوج” منذر ” عن ثلث الشركة ، أو المشروع ، مقابل الخبرة والتدريب الذي سيقدمانه ” عزرا وابراهام ” ، وتشير الى ان “عزرا ” ، هو صاحب فكرة التوسع عبر مزارع في المغرب واستراليا…..ونقول الله أعلم أين اضافة لذلك ؟ هذا في المضمر من النص غير المكشوف .

وتستشهد شخصية ” سارة ” بالنقوش على الجدران والأعمدة في مدينتي “هرات ومزار شريف ” ، حيث تتفاخر ” سارة ” ، وتدعي ان من نقشها هم أجدادها ” اليهود ” الحرفيون المهرة ، موطن أجدادها ….محاكية هنا ادعاء الصهاينة بأنهم بناة الأهرام في مصر العروبة .

” لا أجمل من فرقة عقيدتها الحب ، انسانية ، تسمو على الفروق والاختلاف ، متسامحون مع البشر جميعاً ، أهل الذمة ، طوائف غير المسلمين جميعا ” ، طروحات انسانية ، لطالما يرددها دعاة الماسونية ظاهرها الحق الذي يراد به الباطل .

يا ترى من يقف ضد الانسانية ؟ الظالم أم المظلوم ، أم انسانية الفرنسي الذي فز لمقاومة احتلال الألماني لأرضه بدواعي الحرية والظلم ، وبعد انتهاء الحرب الكونية الثانية واستراد الفرنسي لأرضه ، صدق الشعب الجزائري تلك الشعارات ، فطالبوا بحريتهم ” على افتراض حقيقي أن الحرية لا تتجزأ ” ، الا أن هذا الفرنسي ، الداعي للانسانية وضد الظلم ، ارتكب المجازر بحق مليون ونصف مليون جزائري في سياق محاربته لحرية الجزائريين ، الا ان الوطنيين الأحرار من الجزائريين انتزعوها رغماً عن الفرنسي وشعاراتها الزائفة التي تبرر الاستعمار بطرق وأساليب ملتوية ، والتي كشفها أبرز النقاد ” ادوارد سعيد ” بين ثنايا رواياتهم وكتبهم .

في الرواية تشعر أن هناك العديد من الفقرات المقحمة وغير المترابطة وخارج السياق من الناحية الفنية ، فمثلاً تعرض في الرواية اعتداد ” الجدة ” الكبرى بأنها من نسل الامام علي بن أبي طالب ، وكذلك اعتدادها بقبائل البشتون ، حيث يوجد لحدين للامام علي في النجف ومزار الشريف ” قصة الأضرحة المتعددة ” ، تأتي اثر معاناة الأتباع وخذلانهم ، فهي متوارثة من الذاكرة الجمعية ، فيما تردد الأم ان الدراسات التي يمولها يهود تؤكد ان البشتون هم من أسباط يهوذا وأن خيبر افغانستان تتشابه مع خيبر الجزيرة العربية زمن الرسول الكريم . !!!

وتسترسل ، ” وضعوا الامام علي على ناقة خوفاً من تمثيل الخوارج بجثته ، موردة إحدى المقولات أنها ناخت بالكوفة ، بينما مقولات أخرى تكشف أنها ناخت في مزار الشريف والصدفة” المقرونة بالتقديس ” وحدها كشفت الضريحين .

كما تقحم في الرواية قصة عمر الخيام وحسن الصباح ونظام الملك الذين تعاهدوا على مجاهدة النفس وترويض الذات ومن سيكمل يصير شيخاً للمريدين ، وتبين ان نظام الملك جذبته السلطة وتوقف عند درجة النفس المرضية ، و بنى المدارس النظامية وأتاح التعليم المجاني للمجتهدين وتوفير المال والطعام لهم .

أما الشاعر عمر الخيام فيتوقف عند درجة العلوم والمعرفة التي تخدم الحاضر وتعمر الزمان، ويشغله مسألة إعمال العقل وطريق إسعاد البشرية ، وينشغل بفلسفة الحياة والبحث في كنه الكون وأسراره ، فيقوم صديقه “نظام الملك ” بمنح الخيام 1200 مثقال من بيت مال خزينة ” نيسابور ” سنوياً ليتفرغ للبحث والتأليف ، مشيرة الى ان خراسان أنجبت أيضا الفارابي والامام البخاري وابن سينا والخوارزمي ، ربما في دلالة أخرى لإدانة الشخصية العربية وعدم تأثيرها .

أما حسن الصباح مؤسس ” فرقة الحشاشين ” ، فيتوقف عند النفس الامارة بالسوء ، ويشي بصديقه بنظام الملك الذي أغدق عليه من المناصب الرسمية الرفيعة ، الا أن ضغينته على نظام الملك دفعته للوشاية ، فيجرده الملك من مناصبه ويحل الصباح مكانه ، ليدرك الملك الحقيقة بعد ذلك ويعزل الصباح، الذي بدوره يشتري قلعة حصينة ويشكل فرقة الاسماعيلية من الدراويش ويدربهم على اغتيال من يعارضه .

وتتابع قولها أنه ” حسن الصباح ” أول من بدأ الاغتيال السياسي في التاريخ….ولا نعرف من أين لها هذا الجزم واليقين؟ ألم تقرأ أو تشاهد مسرحية ” يوليوس قيصر ” التي تنتهي بالاغتيال ، ناهيك عن الاغتيالات السياسية التي كانت تتم في قصور أباطرة الصين وحتى ممالك أوروبا وأيام الحكم الفرعوني والحضارة البابلية …! .

تعود شركة المبيدات الزرارعية ووراثة الأب للوكيل الحصري في الشرق الأوسط وارتباطها بمراكز البحوث في النقب في ” اسرائيل ” يدخل شريك – جدير حسب وصفها – اسمه جمعة ( مجهول الهوية ) ، بعكس ما أوردت من شخصيات أخرى من قبل ، وهو مدعاة للتساؤل … لماذا ؟! ، لا نستطيع الا أن نقرأ أنه عربي والرواية تدين الشخصيات العربية .

يقوم المدعو ” جمعة ” بانعاش الشركة التي تدر أرباحاً خيالية بفضل ادارته ، حتى ان ” ابراهام ” يقول عنه : نحن رغم الخبرة والعلم الا ان جمعة بنفوذه وسطوته يعلمهم ويقودهم … ( ونحن نقول أهلا جمعة ) الذي يسهل وصول خبراء الزراعة من ” اسرائيل ” وحفر الآبار الارتوازية ، من هو جمعة الذي يبدو غير بريئاً بارتباطاته وعلاقاته ؟!

يرد في النص إدانة للجد الأفغاني باعتباره أحد مزارعي المخدرات ، الا أن الأب يدافع عنه بأن زراعة المخدرات كانت تتم فقط للمتعة الشخصية واستخدامها للهدايا ، وأن الجد لم يتاجر بالمخدرات ، وتفاخر ” منار” بجد أعتق العبيد ، الذي يتكشف اتصاله مع كبرى الشركات متعددة الجنسيات .

لماذا كانت الشخصية ” اليهودية ” على مدار التاريخ ، مثار جدل لا ينتهي …في الأدب ، أبدع شكسبير في تصوير الشخصية اليهودية كما هي في الواقع ، وهل اختلفت هذه الشخصية حتى اللحظة ؟ هل يمكن أن نتقبل أن يخرج الينا كاتب ما ، في زمن ما ، ويعطينا تصوراً مغايراً للواقع الذي نعايشه ؟. !! .

ان أول من استخدم مفهوم “المثقف العضوي “، هو المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي،الذي رأى من خلال تعريفه أن ما يميز المثقف، أنه بما يمتلكه من علم ومعرفة، يمثل حالة متقدمة في الوعي، ضمن المجتمع الذي يعيش فيه ، وإن وعيه المتقدم على أفراد مجتمعه، يحمله باستمرار، مسؤولية تاريخية، تتمثل في الإسهام، في تجديد الفكر، بما يخدم مشروع التقدم والنهضة في بلاده .

وبناءً على ماسبق ، فان أي ثقافة خارج دائرة الالتزام بهموم الناس وقضاياهم، هي مجرد ترف فكري محض ، والمثقف ، إن تخلى عن دوره في أخذ المجتمع إلى الحالة المتقدمة في الوعي ، التي تمكن من حيازتها، يفقد وظيفته كمثقف، وبذلك تتحقق عزلته، عن مجتمعه، وعندها لا تساوي كتاباته، قيمة الحبر المكتوبة بها ،كما يفسر الناقد الايطالي أنطونيو غرامشي .

لقد قصد غرامشي في معرض حديثه عن الكتلة التاريخية ، أصحاب المصالح، وهذه الكتلة ، هي في حقيقتها استمرار ودعم للسلطة القائمة، وتمارس دعم ما هو قائم بطرق ناعمة، لا يستثني منها عملية غسل الأدمغة .

وبناء على ما جاء به المفكر جاك دريدا ، الذي يقول : ” أن لا شيء خارج النص ” ، فانني لا أستطيع أن أفهم نص الكاتبة ليلى الأطرش ، الا أنه إدانة للشخصية العربية الفلسطينية ووسمها بعدم المعرفة والوصولية والانتهازية ، في مقابل شخصيات يهودية تتقن الفن والعلم ، وتمتلك الخبرة والمعرفة ولديها من الوفاء ورهافة المشاعر والحس الانساني ، ما تشارك به الآخرين لانقاذ ما يمكن لهم انقاذه من مشروعات ، وذلك من منطلقات انسانية بحتة .!!!!

وهذا نص يخالف السياق السياسي والتاريخي والجغرافي والمعرفي الذي عرف عن الشخصية اليهودية منذ القدم ، وما زال الواقع يكشفه بشكل متوال في سياق ما يجري من الأحداث والوقائع . ولا يمكن فهم مغزى الرواية الا في سياق إيجاد التبريرات ” المبطنة بمفاهيم الانسانية والتعايش والتاريخ الدائري والهجرات ” لما تقوم به بعض الأنظمة من تطبيع والاعتراف بالشخصية “الصهيونية ” التي يمكن أن تقدم الحلول والمساعدة بما تمتلكه من خبرات ومعارف ، كما يأتي في النص الروائي .

فلا جائزة كتارا ، ولا غيرها ، بقادرة أن تشفع لنص روائي غير موضوعي ، يحاول تسويق الأفكار والمفاهيم السياسية ، خارج سياقها الطبيعي في المخزون الجمعي ، فهو نص روائي ، غير موضوعي ويغفل شخصيات فلسطينية ايجابية عديدة ، ويجلد الذات ، يقف مع الظالم ضد المظلوم ، مع السالب ضد المسلوب ، مع القاهر ضد المقهور ،ومع المحتل ضد المنفي من أرضه والمغبون في وطنه ، لأن الكتابة رؤى وفلسفة لا تنفصل عن الواقع السياسي والاجتماعي والفكري .