البطالة .. صنيعة التراخي في لوحة الاهمال !

 البطالة التحدي القديم الجديد في المجتمعات والبلدان العربية بوجه عام وعلى نطاق أدق في الأردن أيضا ، إن هذا التحدي القابع في موقعه منذ سنوات ، بل والمتزايد طرديا بزيادة السنوات وبالتوازي مع المستجدات من تحديات جديدة داخلية وخارجية تلقي بظلالها على الاقتصاد والدولة ..

ولم تكن بداية هذا الملف بمنأى عن الفساد والتنفيعات والرشاوي وتوارث المناصب ولكن لعبت أيضا على المحور الخارجي صراعات المنطقة من اغلاقات للحدود وتداعيات للجوء وانكماش في حركة التجارة وغياب العلاقات البينية الاقتصادية الفعالة بين الدول العربية الأمر الذي فرض المزيد من الاجراءات الآنية في الداخل الأردني من ارتفاع للاسعار وقفزات في الضرائب والذي انبثق منه غلاء المعيشة وضعف في الإيرادات وافلاسات لشركات ومصانع كبيرة وفجوة كبيرة صنعتها ظروف الداخل بالتنفيع وظروف الخارج بالواقع الصعب والتخلي وغيرها ..

إن جميع هذه التحديات التي تكالبت على الواقع أدت إلى ارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة وتمخض عن هذه التحديات التهالك المجتمعي والتآكل الاقتصادي الذي بدوره أضعف من قدرة الأسرة الأردنية الواحدة على التكيف والتمكن من العيش بأمن مالي وبقدر وفير من الكرامة بعيدا عن هاجس الحاجة وشبح البطالة .

وفي السنواث الثلاث الأخيرة بات هنالك الآلاف من حملة الشهادات العلمية الجامعية على نطاق أكاديمي وآخر مهني ، بدءا من الشهادة الجامعية الأولى وحتى شهادة الدكتوراة ، باتوا ينتظرون بارقة أمل في عالم البحث عن وظيفة تؤمن لهم عيشا كريما وتكون نتاج واقعيا يحاكي عناء رحلة التعلم كفائدة مرجوة من الشهادة وانتاجية واستفادة فعلية منها للعيش بأمن واكتفاء ..

ومع بداية العام الجديد أصبحت نسبة البطالة في الأردن تتخطى حاجز 25% في قفزة مرعبة وباعثة على الخوف والقلق على مصير الشباب والآلاف من الباحثين عن عمل والذين انضم إليهم أعداد جديدة في معدل تراكمي يتزايد لا يتناقص ، وكان الفاعل القوي والمحرك في هذا الرقم المضاف إلى الرقم الكبير الاساسي هو جائحة كورونا التي أقعدت المئات من وظائفهم نتيجة توقف عجلة السوق وحركة الاقتصاد وعدم قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على دفع الرواتب في مدد التعطل الطويلة ..

في هذه اللوحة المعقدة نسمع جعجعة ولا نرى طحنا من خطط وخطابات حكومية مغيبة كل التغييب عن خطة تنموية شاملة تنهض بالاقتصاد وتبني بيئة آمنة وحقيقية وجاذبة للاستثمار وتخفض الضرائب على التجار والمحلات ليستمروا في دعم موظفيهم بدلا من تسريحهم وكما ويتعين عليها أن تستعيد الملايين من الأيادي السوداء من الفاسدين وصناعة استراتيجيات تشغيل عال المستوى تشمل جميع مناطق المملكة بدءا من بؤر الفقر والحرمان في جنبات كل من القرى والمحافظات وأطراف العاصمة وغيرها ، في محاولة جادة ميدانية وواقعية لانهاء التفرقة بين كل من ابن الذوات الوارث للمنصب منذ نعومة اظافره وابن الفلاح الفاقد لحقه مهما صال وجال في أروقة الجامعات وتلقى من معارف وحظي بشهادات ..

لذا فإن كل مايقال من حلول هو اجترار لسياسات الحكومات السابقة ووصفة كلاسيكية بالية لم تعد تحاكي الواقع الأصعب وكل ما يتم الوعد به ليس إلا دوامة من الوهم والأمل المنظور بلا ميعاد أو انطلاقة جادة ، ففي البداية يجب تغيير النمط الانتاجي في المجتمع عبر انشاء المدارس الصناعية وتعزيز الوظائف المهنية وتمكينها وتفضيلها على الوظائف الأكاديمية في نظرة منطقية ورؤيا واقعية لسوق العمل وبداية لطريق جديد يسير عليه معدل البطالة يخالف ذات الطريق الذي مضى بها نحو الزيادة ..

أما العدد الكبير من العاطلين عن العمل حاليا فيجب البحث عن وظائف تليق بهم وتتناسب واختصاصاتهم وحاجاتهم وفتح سبل التعاون في ابتعاثهم لدول الجوار وغيرها من البلدان التي تبحث عن هجرة منتقاة ووظائف مكتبية وإعمالا وأعمالا مختلفة وحتى يحين موعد الحصول على الوظيفة يتعين على الحكومة توفير راتب خاص لكل متعطل إلى أن يتم تأمينه بعمل ، وإن كانت الموازنة تحتضر وتنهار في شكل من أشكال التحمل والمقاومة فالأجدر هو إعادة النظر بعين متفحصة ومتحمصة لمئات العطاءات التي تنساب منها الملايين في جيوب الفاسدين ، فهذه الأموال كفيلة في انعاش مئات الأسر ونهضة أجيال من الشباب الذين بسواعدهم يبنون الوطن وينعشون اقتصاده بعملهم الدؤوب لا بعطاءات للطرق والمباني مكشوفة الفساد مملوءة العيوب ..

ومن هنا نختم بأن جائحة كورونا عرت التخبط وكشفت حجم التراخي ، فلو أن هنالك خططا فعلية لكان وقع الضرر أقل حدة على المشهد الحالي العام ..

فداء المرايات
كاتبة وباحثة سياسية
ناشطة في مجال حقوق الانسان