الذكرى الـ31 لاتحاد المغرب العربي تمر بهدوء مع استمرار تأجيل حلم الشعوب


الخلافات السياسية بين دوله نسفت الأهداف التي تأسس من أجلها ورهنت مستقبله

إيمان عويمر صحافية

قبل 31 سنة، تأسس “الاتحاد الإقليمي للمغرب العربي” وضم 5 دول مغاربية هي “الجزائر، تونس، المغرب، ليبيا وموريتانيا”، لكن مع مرور الوقت تحول الاتحاد إلى كيان إداري أجوف تتردد تسميته في خطابات المسؤولين الرسمين فقط لا غير، في حين تأمل شعوب تلك الدول في التلاقي من دون مشاكل في ما بين دولها، متجاوزة الحدود والصراعات السياسية.
وتبلورت فكرة إنشاء “الاتحاد المغاربي”، في أول مؤتمر للأحزاب المغاربية الذي عُقد في مدينة طنجة المغربية من 28 إلى 30 أبريل (نيسان) 1958 وضم ممثلين عن حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري، وحزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري التونسي، وهي أحزاب بارزة شاركت في رسم سياسات بلدانها.
وبعد سلسلة مشاورات ولقاءات، اجتمع قادة المغرب العربي في زرالده، غرب العاصمة الجزائرية، في 10 يونيو (حزيران) 1988، وصدر عن المجتمعين “بيان زرالده” الذي نقل رغبتهم في إقامة “الاتحاد المغاربي” وتشكيل لجنة تضبط وسائل تحقيق وحدة المغرب العربي، ليتم بعدها الإعلان الرسمي عن الاتحاد في 17 فبراير (شباط) 1989 بمدينة مراكش المغربية.
ونصت معاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي، على توثيق أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضهم ببعض، وتحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتهم والدفاع عن حقوقها، إضافة إلى المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف، وانتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجاً على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال في ما بينها. 
هذه الخطوط الرئيسة العريضة والتاريخية في غاياتها ومضمونها، لم تصمد طويلاً أمام الخلافات التي نسفت الأهداف التي أُنشئ من أجلها الاتحاد، فانطفأت شعلته وتحول إلى مجرد ذكرى مرتبطة بيوم 17 فبراير من كل عام لا أكثر، إذ يعتقد البعض أن الحديث عن هذا الاتحاد بات يندرج ضمن “النفاق السياسي” و”مخادعة الشعوب المغاربية”، والأكثر من ذلك أنه بات مخالفاً للواقعية السياسية.
ويرى أساتذة ومؤرخون من البلدان المغاربية أن الاتحاد دخل مرحلة “موت سريري” منذ عام 1995، وتحديداً بعد صدور توصية من مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء الغربية في خريف ذلك العام، ثم قرار المغرب فرض التأشيرة على الجزائريين جراء عملية إرهابية ضربت فندق أسني بمراكش في أغسطس (آب) 1994، وما تلاها من أزمات متعاقبة.


المولود الحلم

وقال الأستاذ الجامعي التونسي فريد العليبي، إن “ميلاد اتحاد المغرب العربي ظل ذكرى لمولود في طي الأحلام أكثر من كونه واقعاً، فالتسمية موجودة والمسمى غائب”. ورأى أن “السبب في ذلك الوضع عميق، إذ يعود إلى اختلاف كبير بين أنظمة الحكم التي وجدت نفسها في حالة صراع في ما بينها أكثر من كونها في حالة تعاون واتحاد. وشملت التناقضات كل مكونات ذلك الاتحاد المفترضة، مع وجود مجموعة خلافات ثنائية بين ليبيا وتونس، والجزائر والمغرب، وموريتانيا والمغرب، وليبيا والمغرب”.
ولم تكن تلك الصراعات، وفق الأستاذ الجامعي التونسي، مرتبطة بأسباب محلية مثل قضية الصحراء الغربية “وإنما أيضاً كانت تغذيها عوامل خارجية وبخاصة الصراع بين القوى الدولية الكبرى”. وأضاف “في وقت من الأوقات رأى الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، أن البديل هو مغرب الشعوب، وهذا حل جيد لكنه يحتاج إلى تفعيل، فالأنظمة الرسمية ستظل متصارعة، بل إن تلك الصراعات مرشحة لمزيد من الاحتدام، بخاصة في ضوء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل كل بلد يحاول حل مشكلاته على حساب البلد الآخر. ومن هنا فإن البديل، يمكن أن يكون في تقوية الروابط الأخوية بين الشعوب واللجوء إلى المجتمع المدني لتحقيق ذلك، مثل النقابات العمالية والطلابية والجمعيات النسوية والفلاحية والمثقفين”.

الشعوب الطامحة

من جهة أخرى، قال أستاذ القانون والعلوم السياسية الجزائري، بكيس عبد الحفيظ، إن “شعوب المغرب العربي طامحة بكل قوة لبناء قوة مغاربية تضاهي التكتلات العالمية، بخاصة بما تضمه من مقدرات جغرافية وموارد اقتصادية. وهذا الحلم ليس وليد اليوم بل يراود الشعوب منذ الخمسينيات، بعد ما تبلور في لقاء طنجة عام 1958 الذي تلته سلسلة لقاءات انتهت بإعلان باهت في عام 1988”. وأضاف عبد الحفيظ أن “هذا الإعلان الذي لم يُعالج العقبات الأساسية في طريق تحقيق هذا الحلم وأهمها: اختلاف الرؤى الأيديولوجية والتوجهات بين قادة الأنظمة العربية، حيث شكل التوجهان الرأسمالي والاشتراكي حينها عقبة كبيرة. كما كان لقضية الصحراء الغربية الإسهام الأكبر في عدم المضي قدماً في تحقيق حلم الوحدة المغاربية نتيجة تمسك المغرب ببسط نفوذه الكامل وعدم اعترافه بالصحراء الغربية كدولة مستقلة وسعي الجزائر إلى دعم جبهة البوليساريو”. وزاد بكيس أن “الجميع يعتقد أن هذه العقبة هي السبب الرئيس في القضاء على وجود كينونة الاتحاد المغاربي”، لافتاً إلى أنه “على الرغم من أن الصحراء الغربية لا تزال دولة غير معترف بها بالمفهوم السياسي، ولم تكن مُشكلة للاتحاد المغاربي المعلن في بيان زرالده سنة 1988 لكن واقعية وجودها يُدخلها ضمن الهيكل المشكِّل لاتحاد المغرب العربي بخاصة بعد تدويل قضيتها، فإن أي تجاهل لحقيقة وجود الصحراء الغربية هو سهم في نعش الوحدة المغاربية”.
واعتبر المتحدث الجزائري أنه “لا يمكن تصور أي تحقيق للوحدة المغاربية إلا من خلال حل شامل لمشكلة الصحراء الغربية، يضمن تطبيعاً كاملاً للعلاقات الجزائرية- المغربية وفتح الحدود التي ظلت مغلقة منذ مدة طويلة لأن الجزائر والمغرب هما العصب الأساس المكوِّن للاتحاد المغاربي والضامنان لاستمراره وديمومته”.

التكتل يحتاج تقارباً سياسياً وإيديولوجياً
 

من جهته، عبر الباحث المغربي في العلوم السياسية في جامعة فيلاديلفيا (ولاية بينسيلفينيا) التهامي فضيل أنه “أصبح من الصعب جداً الحديث عن شيء اسمه اتحاد المغرب الكبير”. وأضاف أن “الوحدة المغاربية في نظري هي قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية”، مشيراً إلى أن “النظام في الجزائر أضحى يدعم بشكل علني جبهة البوليساريو في الجنوب المغربي، ويوفر لها دعماً غير مشروط، وهو ما ترفضه الرباط”، مع العلم أن الجزائر ترفض إقحامها كطرف ثالث في نزاع الصحراء الغربية، وتؤكد أنها مع دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
ومن خلال هذه المعطيات، واستحالة التهيئة لإنشاء الكيان المغاربي وحدوث اتفاق بين الدول المغاربية، رأى فضيل أن بلاده غيرت وجهتها المغاربية نحو دول القارة الأفريقية الأخرى، مستهدفةً بذلك “شراكة أفريقية، بُغية خَلق نوع من التعاون والتكامل بينها وهذه البلدان”.
وعن وجود أمل في لملمة أطراف الصرح المغاربي المعطل، قال التهامي فضيل إن “أي تكتل يتطلب تقارباً إيديولوجياً وسياسياً بين البلدان التي تشكله”.
في الختام، تفرض حقائق التاريخ والجغرافيا على الدول المغاربية، وضع خلافاتها جانباً والنظر بكثير من المكاشفة في مقتضيات مصالحها، والالتئام تحت راية واحدة وتكتل واحد من شأنه توحيد مجهوداتها وتركيز التنسيق في ما بينها، وتنمية مناطقها الحدودية من مخاطر متعددة الأوجه، واستغلال ثرواتها وتفعيل التبادل البَيْني في شتى القطاعات الحيوية، لتحقيق النمو والعيش الكريم لشعوبها.