فيروس .. بين التهوين والتهويل

 رنا حداد

منذ سنة تقريباً، كانت الناس مستعدة لشراء علبة الكِمامات، التي كان توافرها قليلاً، بعكس حالها اليوم -حيث تتوافر بكثرة- بحوالي عشرين ديناراً وأكثر، وكان من الممكن، بل حدث فعلاً، أن يشتروا أية كِمامة بسعر مرتفع.
لم يقتصر الأمر، على الكِمامات والقفازات، بل ارتفعت الميزانية الأسرية المرصودة للإنفاق على شراء المنظفات والمعقمات، وأعدت ربات المنازل، وصفات طرحت على (جروبات) منصات التواصل والإعلام عموماً.
ومما كان أيضاً في سالف شهورنا الماضية، سؤالنا: (حد بعرف حد صابه كورونا؟) وكأن الإصابات بعيدة! حتى أننا كنا نسأل بعضنا جدياً: (هو أصلا في إشي اسمه «كورونا» فعلاً! أم أن كل ما يحدث دعاية ووهم ومؤامرة؟!)، ولا ننسى طبعاً قصة الشريحة التي يراد زرعها فينا، «للتجسس» علينا!
اليوم، كورونا تحصد يومياً أرواحاً، وتترك آثاراً سيئة في نفوس أُناس فقدوا أعزاء كانوا بالأمس بينهم ومعهم، ولا يكاد يخلو شارع في مدننا من عزاء لمتوفى بكورونا، بعد أن ضغط على رئتيه وأنهك جسده، وأصاب بالقلق ذويه.
كورونا اليوم، في المحيط القريب جداً.. (فلان معه كورونا ومحجور في بيته)، (فلان معه كورونا ويتلقى العلاج في المستشفى)، (فلان على أجهزة التنفس، كان الله في عونه).
عود على بدء، الكِمامة متوافرة ورخيصة الثمن، وأحياناً تقدم مجاناً، المعقمات عليها عروض! ومع ذلك، فإن ارتداء الكِمامة والالتزام بها نادران جداً، إلاّ ما هو ملزم به في المدارس وبعض المؤسسات الخاصة والحكومية، وبمجرد الخروج (بنشلحها!)  وهي (ملبوسة) أصلا تحت الأنف!
السؤال: أين ذهب الخوف والالتزام؟ هل نفتقد -كشعب- الحل الوسط؟! إما مبالغة في التهويل،  أو مبالغة في التهوين؟ لماذا نحب التمرد والتملص من مسؤولياتنا كمواطنين!أحيانا.
في الواقع، جميل أن نعترض على أوضاع معينة، في السياسة والاقتصاد والمجتمع، لكن أن يكون الاعتراض على أثمن ما نملك (حياتنا)! فذاك أمر غير مريح. أم أن الأمر -وأعني الشأن (الكوروني)- أصبح مملاً، ويبعث على اليأس، بعد أن أصبحت المعاناة المعيشية، وحتى النفسية، تكادان تتساويان مع آلام الموت!
ترتفع من جديد وتيرة الإصابات بهذا الفيروس الملعون، وترتفع على الجانب الآخر إشارات القائمين على ملف كورونا، إلى تحميل المواطنين مسؤولية عودة ارتفاع الإصابات في الأردن.
وبالرغم من وجود سلوكات خاطئة من قبل البعض، إلا أن التعميم في مجمله خاطىء، فهناك ملتزمون، إلا أننا نريد أن نرفع نسبتهم، كي نتمكن من وضع أصبعنا جميعاً، في عين من تراخى من جهات، وحتى أفراد، وسمح بتسلل هذا الفيروس الذي عاث في أرواحنا وأعاد تشكيل حياتنا بما لا نحب، ولن نحب يوماً.