دفعت أسهم الشركات الناشئة الصاعدة في اليابان بمؤسسيها في عام 2020، إلى الدخول في دائرة أصحاب الثراء الفاحش، من خلال أعمال تجارية يمكن وصفها بأنها عادية، وفق تقرير لوكالة بلومبرغ.
وتعمل ثلاث شركات في تلك المجالات، وتشمل “إيه آي إنسايد”، التي تساعد في تحويل المستندات المكتوبة بخط اليد إلى ملفات إلكترونية، و”فري كيه كيه”، المتخصصة في المحاسبة السحابية (Cloud Accounting)، وشركة “راكوس”، التي تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة في خدمات إدارة المستندات والبريد الإلكتروني.
وازدادت حصص تلك الشركات بأكثر من الضعف العام الماضي، ما أثرى مؤسسيها، وأدى إلى الحديث عن مشهد تقني مزدهر يختلف تماماً عن وادي السيليكون. ورغم أن تلك الشركات تستخدم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، إلا أنها تنفذها بطرق أقل جاذبية.
ويرى تيم مورس، مدير شركة “أسيميتريك أدفايزرز”، أن نجاح تلك الشركات ناتج عن رقمنة البلاد وانتشار وباء كورونا.
وقال مدير شركة “أسيميتريك أدفايزرز”، التي تقدم المشورة بشأن الاستثمار في الأسهم اليابانية، والتي ترى استمراراً لنمو تلك الشركات: “نحن نمر بنوع من التحول في الأجيال حيث يعمل الوباء كمحفز لكثير من التغييرات. الحكومة نفسها تريد تشجيع المزيد من الرقمنة في اليابان، لقد أصبح لديها مجتمع متقدم في السن، ولهذا هي بحاجة حقاً إلى مزيد من أتمتة المهام المتكررة “.
أرباح الرقمنة
وكان 2020 عاماً مميزاً لشركات التكنولوجيا، التي تقدم خدمات تُسّهل كل شيء، بدءًا من العمل عن بعد إلى التعلم والتسوق. وضاعف أغنى شخص في العالم، جيف بيزوس مؤسس “أمازون” ثروته بأكثر من الضعف، في حين أن ثروة إريك يوان، مؤسس زوم فيديو، تبلغ الآن 21 مليار دولار، بعد أن أصبح برنامجه لمؤتمرات الفيديو، ضرورة لثقافة العمل من المنزل.
أما في اليابان، فقد سارع وباء كورونا من التحول إلى الرقمنة، في دولة تضم عدداً كبيراً من كبار السن في تعدادها السكاني.
وكانت “إيه آي إنسايد ” أحد المستفيدين من ذلك، والتي نمت أعمالها بسرعة بالفعل عندما ضرب وباء كورونا البلاد، ما جعل الأمر بمثابة دفعة للأمام. وزادت أرباح التشغيل ستة أضعاف تقريباً في الشهور التسعة المنتهية في ديسمبر. وتتوقع الشركة نموها إلى 1.9 مليار ين (17.6 مليون دولار) في السنة المالية حتى 31 مارس.
ومع قفزة تقارب نسبتها 1300% منذ إدراجها في ديسمبر 2019، وصل تقييم الشركة إلى 1.8 مليار دولار، وقدرت ثروة مؤسسها تاكو توغوتشي بحوالي 900 مليون دولار، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات. وقالت الشركة الأسبوع الماضي، إنه سيبيع 1.6% من أسهمه.
ولم يحدث نجاح شركة “إيه آي إنسايد ” بين عشية وضحاها؛ فقد أمضى توغوتشي، طالب الكلية الذي ترك دراسته، ورائد الأعمال المتسلسل الذي كان يرغب في وظيفة بمجال الذكاء الاصطناعي منذ مراهقته، أربع سنوات في الاتصال بنحو 500 شركة في اليابان، ليطلب منهم بياناتهم الأولية لكي تساعده في تطوير تقنيته. وهذا أكثر مما تنفقه الشركات المماثلة عادة في جمع البيانات، ولهذا السبب فإن شركة “إيه آي إنسايد ” دقيقة للغاية، وفقاً لتوغوتشي.
العالم لم يكن مستعداً في السابق
كما استفادت شركتا “فري كيه كيه” و”راكوس كو” أيضاً من الطلب المتزايد، على الخدمات التي تُسّهل العمل عن بُعد والأتمتة. وصعدت أسهم “فري كيه كيه” بنسبة 538% منذ الطرح العام الأولي للشركة في ديسمبر 2019، لتدفع تقييمها إلى 5.9 مليار دولار، في حين أن قيمة “راكوس”، التي ارتفعت أسهمها بنسبة تزيد عن 2700% منذ طرحها للاكتتاب العام في عام 2015، تبلغ الآن 3.3 مليار دولار.
ويعتبر هذا التقييم نوعاً من انتقام مؤسس “فري كيه كيه” دايسوكي ساساكي، الذي رأى عملاؤه المحتملون في الأيام الأولى لتطوير منتجه أن خدمة المحاسبة السحابية “غير ضرورية”، وفقاً لقوله في مقابلة شهر أغسطس. وبينما قاومت الصناعة التغيير لمدة 30 عاماً، ساعدت تقييمات المدونين الإيجابية على نمو أعماله بعد إطلاق الشركة، فقد زادت مبيعات “فري” بنسبة 50% في الشهور الستة حتى ديسمبر، وارتفع صافي ثروة ساساكي إلى 1.4 مليار دولار.
ومرت “راكوس” أيضاً ببداية صعبة. ففي مقابلة مع صحيفة محلية نُشرت في فبراير 2020، قال مؤسس الشركة تاكانوري ناكامورا، إن الشركة التي تأسست عام 2000، أطلقت خدمة إدارة الدفاتر لأول مرة في عام 2009، ولكن المبيعات كانت ضعيفة.
وبحسب قوله، فإن النظام لم يكن كافياً ولم يكن العالم جاهزاً أيضاً، إلا إن الشعبية المتزايدة للهواتف الذكية، وتعامل الأشخاص مع أشياء مثل النفقات عبر الإنترنت، ساعدا الشركة على الانطلاق. وتضاعفت أرباح “راكوس” التشغيلية ثلاث مرات في الشهور التسعة المنتهية في ديسمبر، لتبلغ قيمة ناكامورا 1.2 مليار دولار حالياً. ورفض ممثلو الشركات الثلاث التعليق على تقييم ثروة مؤسسيها.
قلق الفقاعة
وتثير ارتفاعات الأسهم الأخيرة بعض القلق من احتمال تشكُّل فقاعة، خصوصاً في ما يتعلق بشركات مثل “فري” التي لم تعلن أرباحاً بعد. وبلغ تقييم الشركة ما يقرب من 17 ضعفاً للشركات للمدرجة في سوق “أمهات الشركات” ببورصة طوكيو للشركات الناشئة، في حين أن تقييم شركة “إيه آي إنسايد ” ارتفع بأكثر من 20 مرة، وارتفعت أيضاً نسبة السعر إلى المبيعات في “راكوس” بنحو خمسة أضعاف، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.
ومع ذلك، فإن رواد الأعمال اليابانيين الذين يحققون مكاسب كبيرة من خلال شركاتهم الناشئة، يلهمون الآخرين بشكل متزايد لاتباع طريقهم. كما أنهم يحظون بدعم الحكومة التي حددت في عام 2018 هدفاً لإنشاء 20 شركة أحادية الثروات، تقدر قيمتها بمليار دولار أو أكثر بحلول عام 2023.
وقال مورس من شركة “أسيميتريك أدفايزرز”، إن “جاذبية أن تبدأ أعمالاً تجارية جديدة وتصبح رائد أعمال في اليابان، تمر بمرحلة أقوى من أي وقت مضى. يعتقد المزيد من الشباب أن العمل مع إحدى هذه الشركات الناشئة ذات الصلة بالتكنولوجيا، مثير للغاية”.