القِيادة الروسيّة تُحذّر من نفاذ صبر نظيرتها السوريّة إزاء الغارات الإسرائيليّة المُتصاعدة على أراضيها… هل يَعكِس هذا التّغيير نوايا روسيّة بإيقاف هذه الغارات دِبلوماسيًّا أو عَسكريًّا أم مُحاولةً أُخرى لامتِصاص حالة الغضب؟ وهل باتَ الرّد السّوري قريبًا؟
حذّر ألكسندر لافرينتيف مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمُفاوضات التّسوية في سورية أثناء مُشاركته في الجولة الأخيرة للقاء أستانا “من أنّ صبر الحُكومة السوريّة إزاء الغارات الإسرائيليّة المُتزايدة على أراضيها قد يُستَنزَف إن آجِلًا أو عاجِلًا ممّا سيُؤدّي إلى تداعيات وخيمة لا يُريدها أحد”، وقال يجب وضع حد لهذه الغارات غير البنّاءة، ونأمَل أن يُصغِي الجانب الإسرائيلي لقلقنا في هذا الخُصوص”.
كلامٌ جميل، لكنّنا سَمِعنا مِثله الكثير من الجانب الروسي “الصّديق”، بل و”الحليف” الأكبر لسورية التي يلهج المسؤولون السوريّون ليل نهار بالحمد والشّكر له، والثّناء عليه، بسبب تدخّله “مشكورًا” بالعتاد والرّجال للحِفاظ على بقاء واستِمرار تماسك الدولة السوريّة في مُواجهة المُؤامرات المدعومة غَربيًّا وعَربيًّا وتُركيًّا لتدميرها، ودعم جماعات “مُعارضة” تحشد الجُيوش لإنجاز هذه المَهمّة.
القيادة الروسيّة، وبعد تَصاعُد هذه الغارات الإسرائيليّة في الفترة الأخيرة، باتت تَشعُر بالانتِقادات المُتزايدة داخِل سورية وخارجها، بسبب صمتها، وعدم تدخّلها لدى “حليفها” الإسرائيلي بوقفها فورًا، أو تقديم العتاد العسكريّ المطلوب الذي يُؤهّل الجيش السوري للتّصدّي لها بفاعليّة، مِثل منظومات صواريخ “إس 300″ و”إس 400” المُتطوّرة، ولعلّ هذا التّصريح المحسوبة كلماته بعنايةٍ فائقةٍ هو الرّد الايجابي على هذه الانتِقادات أوّلًا، وإرسال رسالة تحذير قويّة وواضحة للطّرف الإسرائيلي المُعتَدي.
الصّبر السّوري المُزدَوج، سواءً على هذه الغارات الإسرائيليّة، أو عدم التّعاون الروسي لصدّها، ووضع حدٍّ لها، نفَذ واستُنزِف مُنذ وقتٍ طويل، ولكنّ أيّ خطوة للرّد على هذه الغارات يحتاج إلى ضُوءٍ أخضر، وضِمانات روسيّة بالوقوف في الخندق السّوري المُعتَدى عليه إسرائيليًّا في حالِ الإقدام السّوري على أيّ ردٍّ مشروع.
الغارات الإسرائيليّة مُستمرّة مُنذ أربعة أعوام، وقصفت أخيرًا أهدافًا في أطراف العاصمة السوريّة دِمشق، وقبلها مطارها الدولي بحُجّة ضرب مُستودعات أسلحة إيرانيّة كانت في طريقها إلى “حزب الله”، ورُغم أنّها لم تُحَقِّق أيًّا من أهدافها سواءً في إجبار إيران وسورية على الرّد على هذه الاستِفزازات لجرّهما إلى حربٍ مُوسّعة وفق التّوقيت الاسرائيلي، أو إخراج القوّات الإيرانيّة والأذرع العسكريّة المُوالية لها من الاراضي السوريّة، ولكنّها تظل اعتداءات مُهينة للدولة السوريّة لما تُشكّله من انتهاكٍ لحُرمة أجوائها وأراضيها، يجب التّصدّي لها، وإيقافها، من مُنطَلق الدّفاع عن النّفس الذي كفلته كُل القوانين الدوليّة.
لا نَعرِف ما إذا كان تحذير المبعوث الروسي، هو دليلٌ على نفاذِ صبر الجانب الروسي تُجاه هذه الغارات، أم أنّه مُحاولة لامتصاص غضب المُنتَقدين للتواطؤ الروسي، المُباشِر أو غير المُباشِر معها، داخِل سورية وفي العالمين العربيّ والإسلاميّ، أو مُقدّمة لوجود نوايا روسيّة بالتّحرّك لوضع حدٍّ لهذه الغارات، عَسكريًّا أو دِبلوماسيًّا، ولكن ما نَعرِفه أنّ خسارة روسيا من جرّاء هذا الصّمت، ربّما يكون أكبر بكثير من خسارة الجانبين السّوري والإيراني على المدّيين القريب والبعيد معًا، فالنّفوذ الروسي في مِنطقة الشّرق الاوسط عاد بقوّةٍ عبر البوّابة السوريّة، بعد أن خرج مِنها بشَكلٍ مُخجِلٍ ومُهين عبر البوّابات العِراقيّة والليبيّة والأفغانيّة.
فإذا كان السيّد لافرينتيف، مبعوث الرئيس الروسي لسورية، يأمَل أن يُصغِي الجانب الإسرائيلي للقلق الروسي من جرّاء هذه الغارات، فإنّنا نأمل أيضًا أن يستمع هو والمسؤولين الرّوس إلى قلق العرب والمُسلمين أصدقاء بلاده من جرّاء هذا الصّمت القاتِل إزاء هذه الغارات العُدوانيّة الإسرائيليّة، ونحنُ أحدهم.