المنصات الرقمية تُعيد روائع الدراما العربية إلى المنافسة

عشرات الأعمال الدرامية العربية، تُضاف إلى الفضاء الفني كل عام، مولّدة منافسة حادة على اهتمام المُشاهدين، سواء أثناء عرضها على القنوات التليفزيونية أو بعد توفيرها على منصات المُشاهدة المدفوعة عبر شبكة الإنترنت. 

لكن المُنافسة الحامية لا تتوقف عند ذلك الحد، إذ يفضل عدد كبير من المُشاهدين العودة للاستمتاع بالكلاسيكيات التلفزيونية المُتاحة للعرض على يوتيوب، لتحصد بعضها ملايين المُشاهدات، خاصة بين الأجيال الجديدة، وتتصدر نقاشات رواد مواقع التواصل الاجتماعي وتصبح بعض مشاهدها مادة للرسوم والصور الفكاهية أو ما يُطلق عليه “ميمز”.

مشهد من مسلسل عائلة الحاج متولي
مشهد من مسلسل عائلة الحاج متولي

ملايين المشاهدات  

بين قنوات يوتيوب المزدحمة بمقاطع المسلسلات الدرامية العربية الجديدة، لا تزال قنوات بعض المسلسلات العربية الكلاسيكية تحظى بالاهتمام والتعليقات، خاصة ما يتميز منها بالطابع العائلي الكوميدي، وأعمال الدرامية الاجتماعية.

على سبيل المثال، تحظى الحلقة الأخيرة من المسلسل الاجتماعي المصري عائلة الحاج متولي (2001) بما يزيد عن 7 ونصف مليون مُشاهدة، فيما تُقدر مُشاهدات  الحلقة الأولى من مسلسل يوميات ونيس (1994) بما يقارب مليون ونصف مليون مُشاهدة. وحصد المسلسل السوري العائلي يوميات جميل وهناء (1997) على ما يزيد عن 9 ملايين مُشاهدة، منذ توفير حلقاته بشكل مجاني على الموقع عام 2016. 

إلّا أن ذائقة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، تتسع أيضًا لاستهلاك عدد من الأعمال التاريخية والدرامية، التي حققت إبان عرضها نجاحات مدوية ثم باتت طي النسيان لسنوات قبل عودتها للظهور، كأعمال المُخرج السوري الراحل حاتم علي، ومن بينها مُسلسل الزير سالم (2000)، الذي يصحب المُشاهدين في رحلة عبر الزمن للحياة في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام وتحديدًا زمن حرب البسوس، وتمكن من حصاد ما يفوق 15 مليون مُشاهدة على يوتيوب. 

مسلسل عائلة ونيس-الشرق
مسلسل عائلة ونيس-الشرق

قيمة إضافية

ويرى نقاد أن بعض الأعمال، اكتسبت قيمة إضافية بفضل مرور عقود على إنتاجها، شأنها شأن أعمال المسرحي المصري نجيب الريحاني وأغنيات أم كلثوم، بل أن بعضها بات يحمل أهمية معنوية للمشاهدين، إذ يذكرهم بالماضي القريب.

الناقدة السينمائية المصرية ماجدة خير الله، قالت لـ”الشرق” إن “الأعمال الفنية والإبداعية بشكل عام ليست للاستهلاك الآني، ولا تقتصر إمكانية الاستمتاع بها على زمن بعينه، بل أن قيمة بعضها تزداد مع مرور الزمن”.

وأشارت إلى أن “تلك الأعمال تذكر المشاهدين من الكبار بما مضى، وتثير فضول الأجيال الجديدة، فيسعون إليها لمحاولة فهم الأحداث السابقة”. وزادت: “إضافة للدوافع الشخصية، يسعى الجمهور أحيانًا لمشاهدة الأعمال السابقة للاستمتاع بأداء فنانين فقدناهم أو تحليل أداء آخرين تقدموا في العمر والمشوار المهني”.

نوستالجيا

إضافة إلى ما تقدم، يعمد البعض أيضًا إلى عقد مقارنات بين الماضي والحاضر مُستخدمًا القوالب الفنية، فوفقًا للناقد السينمائي أندرو مُحسن “حظي مسلسل يوميات ونيس باهتمام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لفترة سابقًا، رجوعًا لنزعة أخلاقية تُفضل العمل كأحد الركائز المُشكلة لخلفيتهم القيمية، والذي تحمل أحداثه متناقضات مع الواقع الحالي أو الأعمال الحديثة”.

لكن محسن يعود للتنويه بأهمية أثر عامل “نوستالجيا” أو الحنين للماضي على اختيارات المُشاهدين فيقول: “في مصر النوستالجيا لا تموت، ويمكن رصد أثرها بشكل واضح في مجال الدعاية والإعلانات الذي يستخدم مفردات الماضي لجذب الانتباه، ويتوجه المشاهدون بالطريقة ذاتها لإعادة استهلاك الأعمال التي شكلت وعيهم سابقًا”.

تصميم كارتوني لشخصية المعلم إبراهيم سردينة من مسلسل لن أعيش في جلباب أبي - فيس بوك
تصميم كارتوني لشخصية المعلم إبراهيم سردينة من مسلسل لن أعيش في جلباب أبي – فيس بوك

عصر السخرية 

وفي حين أن الأعمال الكلاسيكية لا تقف عند حدود المُشاهدة والاستمتاع، إلا أن بعضها أصبح جزءاً من الحياة اليومية لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من يستخدمون عبارات ومقتبسات من الأعمال التليفزيونية للتعبير عن احوالهم، أو للتواصل والمزاح عبر الرسوم الفكاهية والصور المصحوبة بنصوص، ما يُعرف بـ”الميمز”.

وأصبحت بعض الشخصيات التليفزيونية شبه التراثية، رمزاً عصرياً شبابياً، وذلك كشخصية المعلم سردينة، تاجر الخردة في المسلسل المصري لن أعيش في جلباب ابي (1996)، الذي أصبحت اقتباساته ورؤاه الحياتية مصدرًا للفكاهة، أما الطريقة الخاصة التي تتحدث بها ثريا أبو الفضل، سيدة الأعمال بمسلسل  الحقيقة والسراب (2003)، أصبحت لسان حال الشابات في التعبير بفكاهة عن قراراتهن المصيرية. 

مشهد من مسلسل لن أعيش في جلباب أبي - فيس بوك
مشهد من مسلسل لن أعيش في جلباب أبي – فيس بوك

ولا ترى الناقدة ماجدة خير الله، أن استخدام الشخصيات التلفزيونية في المواد الفكاهية يعبر بالضرورة عن أراء الشباب في الأعمال الفنية المُقتطعة منها، بل ربما يدل على عمق التأثر ببعضها وتطرح على ذلك مثالًا الصورة الشهيرة للممثلة عبلة كامل المستخدمة مرارًا للسخرية والمقتطعة من مسلسل لن أعيش في جلباب أبي.

وتضيف: “الصورة متداولة بكثافة أصبحت رمزًا للمرأة التعيسة، فالمستخدمون ليسوا ضد عبلة كامل، بل أن أغلبهم يندهش من أدائها متأثر به، ومتأثر بعبارات الغزل الأيقونية فيما بينها وبين نور الشريف في العمل ذاته”. 

الشعبية والإتاحة

في السياق ذاته، يرى الناقد أندرو مُحسن أن عدداً كبيراً من الأعمال التلفزيونية الكلاسيكية الذي عاد للظهور خلال الأعوام السابقة “يحمل عناصر فنية جيدة، وحقق نجاحاً جماهيرياً ملحوظاً إبان عرضه”.

ويدلل محسن على ذلك بمسلسل يوميات جميل وهناء، والذي حقق جماهيرية واسعة في الشام والخليج العربي كذلك، بل أن بعض تلك الأعمال لا يزال يُحدث ضجة جماهيرية عند إعادة عرضة تلفزيونيًا.

وفسر “محسن” ذلك بقوله إن “أغلب تلك الأعمال يحمل الحد الأدنى من الجودة الملائمة لزمن عرضها، سواء على المستوى التقني أو الرؤية الفنية، وبالرغم من التطور في المجال الفني وإنتاج أعمال عالية الجودة خلال السنوات العشر الماضية إلا أن أي منها لم يتمكن من حصاد الشعبية ذاتها”. 

مشهد من مسلسل يوميات هناء وجميل
مشهد من مسلسل يوميات هناء وجميل

ويُرجع مُحسن “الأمر” بشكل ما، إلى آليات إتاحة الأعمال العربية حديثة الإنتاج، التي أصبحت محدودة في ظل شيوع استخدام منصات العرض المدفوع عربيًا كمنصة “Watch it”، ما يجعل العودة لمشاهدة الأعمال الكلاسيكية أكثر يسرًا على الجمهور في ظل شيوع عرضها مجانًا من قبل شركات الإنتاج أو قرصنتها.

ويشير الناقد الفني إلى أن “القرصنة بالضرورة أمر مرفوض، ولكن بعض الأعمال التلفزيونية على وجه الخصوص أصبحت تشكل جزءاً من تراث ووجدان المُشاهدين، ولا يمكن السيطرة على بثها، وخرجت عن حيز الملكية الخاصة للشركات ما بات يشجع البعض على إتاحتها مجانًا على موقع يوتيوب”.