في قرية “جَنْبا” الفلسطينية، لا يجد السكان، أي نوع من الرعاية الصحية، بسبب سياسات إسرائيل في المناطق الخاضعة لسيطرتها، حيث لا تسمح بوجود عيادات صحية وتلاحق من يقدم تلك الرعاية.
النساء – وتحديدا الحوامل – أكثر من يدفع ثمن تلك السياسات، فمنهن من يسافرن مسافات طويلة بحثا عن الرعاية الصحية لكن الطريق ليست ممهدة دائما، وبسبب سوء الطرق وبعدها اضطرت نساء عدة لإسقاط أجنتهن أو تفاقم وضعهن الصحي، فيما لا يحصل أطفالهن على اللقاحات الروتينية بانتظام.
وكالة الأناضول، زارت قرية “جَنْبا” جنوب شرق بلدة يطّا في أقصى نقطة جنوبي الضفة الغربية المحتلة بمحاذاة الخط الأخضر التي يسكنها 42 عائلة يتجاوز عدد أفرادها 320 نسمة، وتنقُل صورة الظروف القاهرة التي تعيشها النساء وباقي السكان.
وتبعُد القرية نحو 60 كيلومترا إلى الجنوب من مدينة القدس المحتلة، منها نحو 12 كيلومترا، طرق زراعية وعرة، وهناك يقف الاحتلال الإسرائيلي بالمرصاد لكل محاولة لتحسين حياة السكان.
** الإنجاب في عربة الجرار الزراعي
ليلى أبو عرّام (44 عاما)، لا زالت تذكر مشهد وضع طفلها في عربة الجرار الزراعي قبل 20 عاما.
تقول أبو عرّام: “كنت حاملا ووضعت في الطريق على عربة الجرار الزراعي، وكانت معي حاجّة كبيرة (سيدة مسنة)”.
وتضيف: “الطريق بعيدة وصعبة، لا تطعيمات ولا رعاية للحوامل، فاللقاحات تتأخر شهر وشهرين عندما نذهب لتطعيم الأطفال، وأحيانا تضطر الواحدة منا للبقاء في يطّا حتى تنجب”.
وتشكو أبو عرّام بُعد ومشقة الطريق، قائلة: “شهدنا الكثير من الحالات، صار عندي نزيف واستدعوا لي إسعاف، وصلتُ إلى درجة الموت، عندما نتوجه إلى يطّا الطريق بعيدة جدا، تستغرق ساعتين أو ثلاثة حتى نصل، الشوارع مغلقة والحالة صعبة”.
وتقول السيدة المكناة بـ”أم يونس”، إنها لا تستطيع أن تذهب إلى البلدة (يطّا) وتعود في نفس اليوم، وإنها عدة مرات أسقطت أجِنة في الطريق بسبب التعب.
وتطالب أبو عرّام بتعبيد الشوارع، وبناء مركز صحي وتوفير أدوية مناسبة للنساء الحوامل.
وتضيف: “لا يوجد عيادة حوامل ولا فحوصات للنساء الحوامل، الجيش (الإسرائيلي) يمنع كل شيء، صادروا سيارات ومنعوا أطباء من أن يصلونا”.
كما النساء، لا يحصل الأطفال على تطعيماتهم الصحية بانتظام، وتسير بهم أمهاتهم مسافة طويلة وصولا إلى العيادات الصحية، رغم ما يتخلل ذلك من تعب ومشقة.
** مشهد لا يغيب عن الذاكرة
وكانت الحاجة حليمة أبو عرام، شاهدة على ولادة السيدة ليلى أبو عرام على الجرار الزراعي، وعاشت عقودا من المواجهة المباشرة مع قوات الاحتلال التي هدمت مساكن القرية عدة مرات؛ وفي الكهف التي تسكنه حتى اليوم، وضعت جميع أبنائها الستة.
تقول السيدة البالغة 79 عاما، إن المشهد الذي حدث قبل نحو عشرين عاما، لا يفارق مخيلتها، عندما أنجبت زوجة ابنها (ليلى أبو عرام) طفلا داخل عربة الجرار الزراعي، مستعينة بقابلة محلية.
تضيف أنه كان من حظ، تلك الأم، أن بعض المزارعين تأخروا في أرضهم إلى المساء، فاستخدموا جرارهم الزراعي لنقلها، لكنها لم تكمل طريقها إلى البلدة، وتضيف: “كان تراكتور (جرار) لجيراننا، متأخرين، يقُصون صوف الغنم، ركبت (زوجة ابنها) على التراكتور”.
وعن الوضع الصحي في القرية، تقول المسنة الفلسطينية إن السكان يستخدمون وسائل بدائية في العلاج قبل نقل المرضى إلى بلدة يطّا، مضيفة: “مَن تصيبه سخونة، نضع عليه ماء باردة، حتى نصل يطّا، كنا نحتاج ثلاث ساعات في التراكتور حتى نصل البلدة”.
وتعلمت نساء القرية الدرس من هذا المشهد، وأصبحن يلجأن إلى بيوت أقاربهن داخل بلدة يطّا (نحو 25 كيلومتر غربا)، عند اقتراب موعد الإنجاب، لكن واقع الحال قبل الإنجاب يبقى مليء بالمفاجآت.
كما تضطر النساء للسفر أكثر من ساعة في الطرق الوعرة، وصولا إلى البلدة للحصول على الأدوية ومتابعة ملفاتهن الصحية.
وعن ملاحقات الاحتلال، تقول الحاجة حليمة أبو عرام، إنه لا يسمح لهم بإصلاح الطريق، ويضطرون لإخفاء أغراضهم مع كل عملية هدم: “لم يسمحوا لنا بتسوية الطريق، ولا إحضار سيارة، جعلونا ننام على الأرض، كنا عندما يبلغونا بالهدم نرمي الأثاث في السيل (لإخفائه عن الجنود)”.
وتعمل النساء في “جنبا” إلى جانب أزواجهن في الزراعة وتربية ورعاية المواشي.
** المطلب: مركز صحي وسيارة إسعاف
ويمنع الاحتلال إقامة عيادة صحية في أي من التجمعات الـ 25 شرق بلدة يطّا، كما يمنع تعبيد الطرق الزراعية وتأهيلها.
ويُحظر على السكان تغيير أي شيء في الواقع الذي كان قبل احتلال أراضيهم عام 1967، وأي تغيير مصيره الإزالة ولو كان خيمة، لتبقى الكهوف المحفورة منذ عشرات السنين، الملاذ الآمن لأكثرهم.
يبذل نضال يونس، وهو رئيس مجلس محلي يضم التجمعات الـ25، جهدا كبيرا لتوفير مركز صحي لنحو 15 ألف فلسطيني، ويقول: “هذه منطقة مهمشة فيها أكثر من 25 تجمعا سكانيا تفتقد إلى خدمة صحية متواصلة وشاملة”.
ويضيف: “لا يوجد طرق صالحة، الإصابة البسيطة في هذه المنطقة تعتبر إصابة خطيرة”.
أقصى ما يطلبه رئيس المجلس سيارة إسعاف رباعية الدفع، تصل المصاب أينما كان.
ويضيف: “كثير من الأحبة فقدناهم، لأننا لم نصلهم في الساعات الأولى من الإصابة، ما نطلبه مستوصف صحي ثابت في قرية فيها تخطيط هيكلي، مثل قرية أم الخير (على بعد نحو 15 كيلومترا) وسيارة رباعية الدفع تصل الإصابة”.
ويشغل بال “يونس” حاجة النسوة لرعاية الأمومة والطفولة ومتابعة النساء الحوامل، ويتابع: “هذه الفئة من السكان مهمشة بشكل مطلق، كثير منهن جاءهن المخاض ولم تتوفر لهن فرص الولادة في المستشفى”.
** حياة مهددة بالخطر
وعن حال السكان، يشير يونس إلى أن معظم البيوت البسيطة، التي قبِل الناس العيش فيها، مهددة “حتى شبكة المياه البسيطة من الأنابيب البلاستيكية تم تقطيعها ومصادرتها، وآبار جمع مياه البديلة تم تدميرها”.
ويطالب المسؤول المحلي المنظمات الدولية بمساعدة المواطنين “لحماية الأمور البسيطة التي يسكنون فيها”.
ومطلع فبراير/ شباط كانت قرية “جنبا”، جزءا من ساحة مناورة للجيش الإسرائيلي وانتشرت دباباته بين المساكن، أسوة بتجمعات فلسطينية أخرى يعتبرها الجيش “مناطق إطلاق نار 918”.
ويسيطر الاحتلال الإسرائيلي بالكامل على المنطقة المصنفة “ج”، وفق اتفاقية “أوسلو2” لعام 1995، والتي تشكل قرابة 60 بالمئة من مساحة الضفة، وتشمل صحراء الضفة الغربية كاملة.
وصنفت اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل أراضي الضفة الغربية إلى ثلاثة مناطق: “أ” وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و”ب” وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و”ج” وتخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية.