عرضت القناة الـ12 في التلفزيون العبريّ فيلمًا وثائقيًا عن عملية اغتيال ثلاثة من قادة فتح في بيروت عام 1973، وللمرّة الأولى تحدّث قائد العملية الجنرال إيهود باراك عن التحضيرات والتنفيذ للعملية الانتقاميّة، بالإضافة إلى آخرين شاركوا في العملية، التي بحسب الفيلم أعّد لها (الموساد) الإسرائيليّ ثأرًا لمقتل الرياضيين الإسرائيليين في عملية (ميونيخ) عام 1971.
وكشف الفيلم النقاب عن أنّ الموساد زرع جاسوسة إسرائيليّة، يهوديّة من الولايات المتحدّة في الحيّ الذي كان يسكنه القادة الثلاثة: كمال عدوان، كمال ناصر وأبو يوسف النجّار، إلّا أنّه لأسبابٍ أمنيّةٍ، وعلى الرغم من مرور عقودٍ على العمليّة، تحدثت العميلة دون أنْ يُكشَف عن وجهها أوْ اسمها، وشدّدّت العميلة خلال سردها للأحداث على أنّها هي التي أوصلت للموساد (المعلومة الذهبيّة)، وبحسبها فإنّ القادة الثلاثة يمكثون في بيتهم في اليوم الذي تقرر في تل أبيب تنفيذ عملية الاغتيال، زاعمةً أنّها لم تكُن تعرف ما هو السبب الذي دفع الموساد إلى تكليفها بجمع المعلومات عنهم.
وكان واضحًا من إعادة تمثيل تنفيذ العملية توجيه رسالةٍ إلى القادة العرب والفلسطينيين والمسلمين مفادها أنّ الموساد قادِرٌ على الوصول إليهم متى شاء وأينما شاء، إذْ أنّ باراك قال إنّ دخول القوّة الإسرائيليّة إلى بيوت القادة الثلاثة سيؤدّي إلى حالة من البلبلة والإرباك، وأنّه حتى تُعلِن إسرائيل المسؤولية عن تنفيذ العملية سيتبادل الأطراف في لبنان الاتهامات حول الجهة التي نفذّت عملية الاغتيال. “عليهم أنْ يعرِفوا”، قال باراك، “بأننّا سنصِل إليهم في بيوتهم وهم نيام”. وأكّد الفيلم أنّ عددًا من منفذّي عملية الاغتيال، وفي مقدّمتهم باراك، كانوا بلباسٍ نسائيٍّ.
وبحسب الفيلم، فإنّ عميلة الموساد تمكّنت بعد استئجارها شقة في الحيّ الراقي في بيروت، من إقامة علاقة صداقة وطيدة مع الشهيد كمال ناصر، الذي كان يشغل منصب الناطق الرسميّ بلسان فتح، حيثُ أبلغته بأنّها تُحِّب شعره، ومن المشاهد التي تمّ عرضها ظهرت العميلة وهي في بيت ناصر وتتجاذب معه أطراف الحديث، وتعبّر عن دعمها أمامه لقضية الشعب الفلسطينيّ.
ومن خلال متابعة الفيلم يظهر واضحًا وجليًا أنّ القيادة الفلسطينيّة قبل تنفيذ العملية كانت مخترقةً جدًا، إذْ أنّ الإسرائيليين تمكّنوا من جمع المعلومات والتفاصيل عن القادة بسهولةٍ بالغةٍ، كما أنّ الأمن الشخصيّ للقادة الثلاثة لم يكُن موجودًا للدفاع عنهم عند تنفيذ عملية الاغتيال.
بالإضافة إلى ذلك، أبرز الفيلم وحشية القتلة والمُجرمين الذين أمطروا الشهداء بوابلٍ من الرصاص من مسافة صفر، ولم يكتفوا بذلك، بل أطلقوا عليهم النار للتأكّد من موتهم، وقال أحدهم: “إنّ إطلاق النار على المخرّبين بعد القتل كان أكثر من تأكّد من الموت، ولكن لم أشعر بأيّ ندمٍ لأنّه لو لم نقتلهم لكانوا قد خططوا للعملية القادمة”؟.
العملية تمّ التخطيط لها من خلال الموساد الإسرائيليّ، الأمر الذي أكّده “أبطال” الاغتيال، وبرز أنّ الآمر الناهي في اتخاذ القرارات هو الموساد، وليس الجيش الإسرائيليّ، الذي انتدب وحدة النخبة (سييريت مطكال) لتنفيذها، حيثُ تلقّى الجيش المعلومات والتعليمات من الموساد، وكُشِف النقاب عن أنّ مَنْ يُطلَق عليه “سفّاح الموساد”، مايك هراري، هو الذي كان مسؤولاً عن العملية بشكلٍ شخصيٍّ.
وغنيُّ عن القول إنّ الهدف الأوّل والمُباشِر من عرض الفيلم بهذا التوقيت هو توجيه رسالةً إلى العالم برّمته بأنّ جهاز الموساد هو أقوى ممّا تتصوّرون، وعن طريق هذه الرسالة التأكيد أيضًا للإسرائيليين المذعورين بأنّهم محميين من قبل الأجهزة الأمنيّة في الدولة العبريّة وعلى نحوٍ خاصٍّ من جهاز الموساد، “خارِق القدرات” (!).
جديرٌ بالذكر أنّ الفيلم الإسرائيليّ تجاهل كليًا الجانب الفلسطينيّ، كما لم يلتفِت إلى أنّ الحديث دار عن عملية قرصنةٍ إسرائيليّةٍ في قلب دولةٍ سياديّةٍ، لبنان، الأمر الذي يُعتبر خرقًا فاضِحًا لجميع المواثيق الدوليّة، ناهيك عن أنّ الاعتراف بتنفيذ الاغتيال هو إقرار بتنفيذ جريمة حرب وفق كلّ المعايير والمقاييس، وأكثر من ذلك، أنّ المجرمين اعترفوا ومن على شاشة التلفزيون بالقتل، وأسهبوا في شرح جريمتهم النكراء.