ثلاثة أخطار مستجدة تحيق بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة

 

عبد الحميد صيام

قد يثير عنوان المقال كثيرا من التعليقات كون الفلسطينيين قد ألفوا العديد من المصائب والتحديات والمخاطر مجمعة ومفرقة. وقد يثير الرقم ثلاثة، نوعا من التساؤل: فقط ثلاثة؟ والجواب هذه مخاطر مستجدة تفرعت عن مخاطر أوسع وأشمل. لكن هذه المخاطر بدأت تتكشف مؤخرا، وقد تتحول إلى مخاطر عظيمة ووجودية، تساهم مع غيرها من المخاطر المعروفة، كالاستيطان ومصادرة الأرض وتهويد القدس وعنف جيش الاحتلال والمستوطنين ومؤامرات الإخوة والأعداء معا، ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. وإليكم هذه المخاطر:

أولا: الانتخابات الفلسطينية المقبلة

الانتخابات المقبلة هل ستتم في مواعيدها كما فصلها محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، الذي يريد تغيير مسمى موقعه ليصبح رئيس دولة فلسطين؟ هناك أخطار محدقة إن تمت الانتخابات وإن لم تتم. هناك حالات انقسام غير معهودة ليس بين فتح وحماس، بل داخل الفصائل وخاصة فتح. الأوامر الواضحة التي أطلقها عباس في اجتماع المجلس الثوري، بإطلاق النار بهدف القتل لمن يرشح نفسه من خارج قوائم قبيلة فتح، ما زال يتردد صداها في كل مكان، وكأن الانتخابات ونتائجها ملك حصري لشيخ القبيلة. لقد نشر أحد قيادات فتح بيانا على صفحته يحمّل الرئيس عباس «كامل المسؤولية في حالة تعرضي وأي أخ حر أبيّ من أبناء فتح الأبية لأي أذى لمن أصدر هذه الأوامر، وإن دمنا في عنقه دون سواه». عباس هو المرشح الوحيد للقبيلة. لكن مروان البرغوثي يصر على ترشيح نفسه من زنزانته، ويؤيده كثيرون من قيادات الانتفاضة الأولى وكتائب الأقصى، والشرفاء الذين تصدوا للدبابات عندما اقتحمت المدن الفلسطينية. أما التيار الإصلاحي بقيادة محمد دحلان، المدعوم من الإمارات ومصر والأردن، فسيدخل كذلك الانتخابات، إلا إذا مُنع مرشحوه بالقوة وهذا يدعو إلى التخوف من قيام حركة اغتيالات واعتقالات، خاصة في الضفة الغربية. وقد استقبلت القيادات الروسية أخيرا وفدا عن هذا التيار بقيادة سمير مشهراوي، والتقى الوفد بنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، ما شكل طعنة لقيادة عباس.
أما حماس فهناك خلافات داخلية حول المشاركة أو عدم المشاركة. والأسئلة التي تطرحها حماس هل يعمل عباس فعلا على رأب الصدع والوحدة الوطنية؟ أم أنه سيستغل الانتخابات لتعزيز شرعيته، ثم يتخلى عنها وينتقل إلى طاولة المفاوضات العبثية؟ وهل سيسمح لمرشحي حماس بالقيام بحملات انتخابية حرة في الضفة الغربية بدون تعرضهم للاعتقال من قبل قوات الاحتلال، أو تعرضهم لمضايقات مخابرات وأمن السلطة؟ هل سيحترم عباس النتائج في ما لو جاءت لغير صالحه في الضفة الغربية، وهل ستحترم حماس النتائج في غزة، فيما لو خسرت الانتخابات؟ هل ستسلم مؤسساتها لماجد فرج وحسين الشيخ وجبريل الرجوب؟ هل ستشارك الشعبية والجهاد في الانتخابات؟ أم يظل يصر عباس على إدخال فصائل في العملية الانتخابية ليس لها وجود إلا على الورق، فقط لأنها تدعم مواقفه في كل الظروف؟ ثم ماذا بعد الانتخابات؟ هل سيكون هناك مجلس تشريعي حقيقي يحاسب ويشرع ويعطي الثقة أو يسحبها؟ أم أنه سيكون مفصلا على مقاس أبو مازن لإعطائه دفعة لاستئناف المفاوضات كما يحلم؟ هل ستعود الوجوه نفسها، المكروهة الفاسدة والمفسدة والمعروفة تماما لدى الشعب الفلسطيني؟

خطر يقف على الأبواب هو استنزاف الفئات المثقفة والمدربة والمهنية من المجتمع الفلسطيني داخل الكيان، وامتصاصه إلى دول التطبيع العربي

أعلن شخصيا أنني ضد هذه الانتخابات، التي في جوهرها إعادة ترميم اتفاقيات أوسلو، ليس لأنني ضد الانتخابات كمبدأ، ولكن كنت أتمنى أن تجري انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، أولا في كل أماكن انتشار الشعب الفلسطيني، تنبثق عنها قيادة جديدة تعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس ميثاقها لعام 1968، وتعيد الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة أرضه، ووحدة قضيته ووحدة سرديته التاريخية، بدل إعادة ترميم القيادات نفسها، التي جلبت لهذا الشعب العنيد كل أنواع المصائب.

ثانيا: تصدع القائمة المشتركة

كنا نراهن على الحركة الوطنية داخل فلسطين التاريخية لِتسلم دور أساسي في قيادة الشعب الفلسطيني في التصدي للحركة الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية العنصرية الإخلائية، بعد ضرب وتشتيت القيادة في الخارج عام 1982، وضرب أو استيعاب قيادة الانتفاضة الأولى عام 1993 في أوسلو. لم يبق إلا فلسطينيو الداخل الذين يواجهون الوحش الصهيوني على أرضية صلبة. الحركة الوطنية في الداخل مقسومة إلى خمسة أقسام، القوميين في حزب التجمع، والوطنيين في الحزب العربي، والشيوعيين في الجبهة والحركة الإسلامية الجنوبية، وهذه الأحزاب الأربعة هي التي شكلت القائمة المشتركة في انتخابات 2015 وفازت بـ13 مقعدا، وفي آخر انتخابات في مارس 2020 رفعت رصيدها إلى 15 مقعدا. أما الحركة الإسلامية الشمالية المحظورة فلم تشارك في الانتخابات، ولا تعترف بنتائجها، ولذلك بقيت تتعرض للاضطهاد والملاحقة والسجن والإقامات الجبرية، كما هو الحال مع الشيخ رائد صلاح وسليمان إغبارية، الرئيس السابق لبلدية أم الفحم، الذي تعرض لمحاولة اغتيال خطيرة الشهر الماضي.
وقد عملت إسرائيل على مسارين لإضعاف القائمة المشتركة: اختراق القائمة عن طريق خاصرتها الرخوة، الحركة الإسلامية الجنوبية، وتأجيج العنف المجتمعي والجريمة في الوسط العربي لإلهاء الناس في موضوع الأمن والثأر والانقسامات القبلية والعشائرية، وهو ما سأعود إليه في مقال مفصل أو أكثر. منصور عباس ممثل الحركة الإسلامية الجنوبية، كان أول من احتضن نتنياهو وظهر معه مصافحا ومادحا، ومؤكدا استعداده لدعم ترشحه مرة أخرى، وقد أعلن رسميا انفصاله عن القائمة المشتركة يوم الأربعاء 3 فبراير، وسيخوض الانتخابات هو وجبهته خارج القائمة المشتركة.. لكن حنين الزعبي، إحدى قيادات حزب التجمع، ترى أن ظاهرة عباس منصور هي نتيجة وليست سببا. «منذ قام بعض رموز القائمة المشتركة (أيمن عودة) بالتوصية لصالح غانتس لتشكيل الحكومة، فُـتح المجال للتملص من القائمة المشتركة». وفي الوقت نفسه انخفض سقف القائمة المشتركة، وانحرفت البوصلة من موقف وطني إلى رزمة مطالب. فإذا كان الخطاب الموجه للشارع العربي خطابا مطلبيا، فما المانع إذن أن ينشق أشخاص أو تجمعات للذهاب نحو من يستطيع تحقيق تلك المطالب. كما أن القائمة المشتركة، تتابع حنين، لم تضع آلية محاسبة لأي فصيل يخرج عن الصف الوطني وترك الأمر هكذا. استغل نتنياهو هذه الخلافات وزار ثلاث مدن عربية منها الطيرة وأم الفحم ثم مدينة الناصرة يوم 13 يناير الماضي، للاطلاع على مراكز التطعيم، والتقى برئيس البلدية علي سلّام، الذي أعلن خلال استقباله نتنياهو، تأييده له في الانتخابات المقبلة، داعياً المحتجين الذين لا يروقهم الحال في العيش داخل إسرائيل، إلى الرحيل. نعم، خرجت مظاهرة من نحو 200 شخص ضد زيارته للمدينة، اعتقل عدد كبير منهم. لكن نتنياهو بكل صلف أعلن في مؤتمر صحافي أن المظاهرة تدل على يأس القائمة المشتركة لانضمام مزيد من الفلسطينيين لحزب الليكود، لأنهم «يريدون حزبا حاكما له قيادة قوية ورغبة في جلب مستقبل من الاندماج والازدهار والأمن». إذا استمر هذا الاتجاه فالشعب الفلسطيني في الداخل أمام كارثة وطنية. نأمل أن يلملم الجميع مواقفهم ويعودوا إلى مصدر قوتهم وهي الوحدة وإلا سيتناثرون وتذهب ريحهم.

ثالثا: فتح أبواب دول الخليج المطبعة للهجرة الفلسطينية من الداخل

أود هنا أن أحذر من خطر يقف على الأبواب وهو، استنزاف الفئات المثقفة والمدربة والمهنية من المجتمع الفلسطيني داخل الكيان، وامتصاصه إلى دول التطبيع العربي في الإمارات والبحرين وغيرهما. لم يكن صدفة أن تقرر دولة الإمارات المتحدة والكيان الصهيوني السماح لمواطني البلدين السفر بدون تأشيرات. ويقوم الآن مئات من الفلسطينيين بزيارة لدبي وأبو ظبي وبدرجة أقل المنامة. قد تكون البداية نوعا من حب الاستطلاع والتعرف على هذه المدن واستكشاف الفرص. فالفلسطينيون داخل الخط الأخضر لا يستطيعون زيارة أي بلد عربي إلا الأردن ومصر، وليس في هذين البلدين ما يغري الفلسطينيين الاستقرار فيهما. أما دول الخليج فهناك ما يجذب الشباب المؤهل، خاصة إذا فتحت له أسواق العمل والوظائف، وبالتالي تتم هجرة الأدمغة الفلسطينية في الداخل، ليستقروا في الإمارات والبحرين، وربما تزيد قائمة الدول المطبعة في السنة أو السنوات المقبلة. ومن يرحل من وطنه ويستقر في بلد آخر في ظروف مريحة تبدأ علاقته، وعلاقة أبنائه بدرجة أكبر، تخفت مع بلده الأصلي بعد أن يستمرئ الحياة في البلد الجديد، وبالتالي تساهم هذه الدول في مخططات إسرائيل بتفريغ فلسطين من بعض سكانها الأصليين، الذين تشبثوا في الوطن منذ عام 1948 وأصبحوا قوة حقيقية، قادرين على التلاحم مع أبناء شعبهم في مشروع وطني شامل ليكونوا رأس الحربة في تحرير الوطن من النظام العنصري الاستيطاني، وبناء الدولة الديمقراطية الحقيقية لكل المواطنين، بدون تمييز قائم على الدين أو العرق أو اللون أو اللغة أو الجنس.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي