“القشابية”.. مدفأة الرجال تتحدى صيحات الموضة بالجزائر

الجزائر ـ حسام الدين إسلام

تعتلي “القشابية” صدارة الألبسة التراثية في الجزائر، والتي ارتبطت بالكفاح ضد الاستعمار الفرنسي (1830- 1962) في البلاد.
ورغم أن “القشابية” لباس رجالي شتوي، لكنه مصنوع بأيادي نسائية من وبر الجمال وصوف الأغنام، ومنتشر بكثافة في الشتاء بالمحافظات الشرقية الجزائرية.
وعادة ما تغزل النساء لباس القشابية على المناسج الخشبية التقليدية، فيما باتت مؤخرا تصنع في معامل النسيج، كمدفأة للرجال في فصل الشتاء شديد البرودة.
وتبدأ مراحل حياكة القشابية بانتقاء وتنقية وغسل الوبر أو الصوف، ثم التجفيف والغزل لاستخراج خيوط النسيج، يليهما الحياكة والصباغة بين ألوان الأسود والأبيض والبني.
وتشكل القشابية بجانب “البرنوس” أشهر الألبسة التراثية للرجال، فيما يعد “الكراكو” و”الملايا” من أبرز الألبسة النسائية في الجزائر.
** ثورية “القشابية”
وارتبط لباس القشابية بالثورة التحريرية، إذ كان لباس الثوار في المدن والجبال والقرى، كما كان مخبأ للأسلحة التي نفذت بها العمليات الفدائية إبّان الاستعمار الفرنسي للجزائر.
وفي تصريح للأناضول، قالت فايزة رياش، الباحثة في التراث الجزائري، إنّ “القشابية جزء من الصناعة التقليدية النسيجية، التي كانت رائجة خلال الفترات القديمة والحضارات الإسلامية”.
وأضافت رياش: “النسيج مادة عضوية يصعب العثور على بقاياها التي تعود لتلك الحقب القديمة، لا سيما قبل الحضارات الإسلامية”.
وتابعت: “صناعة القشابية ازدهرت في المناطق الصحراوية الرعوية بالجزائر، حيث برودة الطقس وانتشار رعاة الأغنام، ويوجد منها القصير والطويل”.
وبشأن مرحل صناعة القشابية، أوضحت رياش أنها تبدأ بانتقاء ومعالجة الصوف أو الوبر الخاص بصغار الجمال، ثم تمريره على آلة “السبراق” (المشط) حتى يلين، ومنها إلى آلة “الخدّام” ليتحول إلى قطع صغيرة، يسهل غزلها لاستخراج الخيوط وتصفيفها عموديا على المناسج التقليدية، انتهاءً بمرحلة الحياكة.
ووفق رياش، عثر على قشابيات قصيرة في سجن سركاجي (أقدم سجون الجزائر) أثناء عملية جرد مقتنياته ليتحول إلى متحف عام 2016، إذ استخدمتها فرنسا لتمييز عملائها (الخونة) من المجاهدين الجزائريين خلال الفترة الاستعمارية.
** تتحدى الموضة
بدوره، اعتبر الصحفي الجزائري المتخصص في الشأن الثقافي صالح سعودي، أنّ القشابية لباس تراثي يرتديه الجزائريون من الطبقات الاجتماعية والفئات العمرية المختلفة، ويسجل حضوره بقوة في مواجهة اختلاف موضة الأزياء في البلاد.
وقال سعودي للأناضول: “حتى الآن يظل التجار المتنقلين يفضلون ارتداء القشابية، لأنها تضمن الدفء وتقاوم البرد الشديد في فصل الشتاء بالجزائر”.
وتابع: “كلّما خفّ وزنها ارتفع ثمنها، فإن أسعار القشابية تختلف حسب نوعية الوبر والصوف المستخدم في صناعتها، والذي يبلغ في بعض الأحيان 80 ألف دينار جزائري (حوالي 350 دولارا)”.
من جانبه أكد طارق بن محمد، صاحب محل لبيع القشابية بمحافظة الجلفة (شمال) أنّ صناعة اللباس التراثي يعد إحدى الحرف اليدوية للنساء لا سيما المسنات في المنازل.
وأضاف بن محمد للأناضول: “الإقبال على شراء القشابية قليل هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، بسبب تأثير وباء كورونا على القدرة الشرائية للجزائريين”.
وأوضح أن أسعار القشابية المصنوعة من الصوف تترواح بين 20 و30 ألف دينار (بين 110 و180 دولارا)، فيما تترواح أسعار المصنوعة من وبر الجمال بين 40 و150 ألف دينار (بين 200 و800 دولار)، أما أفضل الأنواع فهي المصنوعة من وبر “العقيقة” (صغار الجمال) ويصل سعره إلى 150 ألف دينار (حوالي 800 دولار).(الأناضول)