الأردن والمخفي في معارك اللقاح: «الروسي» يتمنع و«الصيني» بالتقسيط الإماراتي وإسرائيل قد تصبح الوكيل الحصري

بسام البدارين

قد يعود «الصداع الفيروسي» والصحي في أقرب فرصة إلى التموقع في المشهد السياسي والقانوني والبيروقراطي الأردني، ليس على خلفية ارتفاع مؤشرات الفيروس مجدداً بعد أسابيع من الاحتواء والسيطرة على عدد الإصابات، لكن أيضاً -وقد يكون الأهم- على صعيد الاشتباك الإيجابي وأحياناً السلبي في ملف اللقاحات. اللجنة الصحية في مجلس الأعيان كان لديها ملاحظات عبرت عن بعضها علناً.
ومجلس النواب الأردني الجديد بصدد تحديد وقت زمني لعقد جلسة مناقشة عامة مع الحكومة ستكون الأولى المعنية بالفيروس ومشكلاته، حيث سيجد وزير الصحة الهادئ والذي يتصرف بثقة الدكتور نذير عبيدات، مع طاقمه نفسيهما في مواجهة الإجابة على أسئلة من ممثلي سلطة التشريع والشعب.
طبيعي توقع أن تكون بعض الأسئلة عادية أو مألوفة، والطبيعي أيضاً رصد بعض الاستعراضات المايكروفونية، إضافة إلى وجود أسئلة لا يوجد جواب عليها عند الطاقم التكنوقراطي المكلف باسم وزارة الصحة، مع أن مجلس النواب يناقش المستوى السياسي، فيما المعطيات والمعلومات وحتى الإجراءات الأعمق عند المستوى السيادي، حيث أجهزة الدولة العميقة وخلايا الأزمة. وحيث يلاحظ القطب البرلماني خليل عطية -كما يبلغ «القدس العربي»- بأن تثقيف الأردنيين بشأن الكمامة والتباعد لم يتحول بعد إلى خطة عمل مؤسساتية شاملة.
«فقط الملك عبد الله الثاني يهتم ويوصي ويحاول تحفيز ثقافة الوقاية عند الأردنيين» كما يلاحظ عطية. وما دون ذلك، ثمة انفلات في المشهد، وجهد أقل على المستوى التنفيذي، وثمة أيضاً بعض الجهل الاجتماعي الذي يحتاج إلى العمل. وستناقش الحكومة نواب الأمة وممثلي التشريع بما يمكن أن يقال لهم.

أما ما لا يقال، فقد يكون الأهم، مع ملاحظة أن وزير المالية الدكتور محمد العسعس تلقى نصيحة خبيرة توصيه بالانتباه إلى أن حساباته الرقمية لأسعار اللقاحات، عليها أن تتسم بمرونة كبيرة ولا تعتمد على رقم واحد، حيث الأسعار في السوق العالمية للقاحات تشتعل. ولدى مسؤول ملف كورونا في وزارة الصحة الدكتور وائل هياجنة، عندما يتعلق الأمر باللقاحات والمطاعيم، معلومات وحيثيات وتقارير. ولدى خلية الأزمة أيضاً معطيات تنتج عنها استنتاجات وخلاصات، فيما اللجنة الوبائية الوطنية بدأت تعبر عن عدم ارتياحها وتنشر خرائط لبؤر فيروسية بدأت تظهر في العاصمة عمان.
والسبب المحتمل هو أن ثقافة المجتمع السلوكية لا تزال بعيدة عن الانتباه والحذر، وقد صرح علناً أحد أعضاء الوبائية بأن الوضع غير مريح بعد أسابيع من ثبات المنحنى، فيما كشف وزير الصحة عبيدات عن وصول عدد الإصابات المفحوصة من سلالة كورونا الجديدة إلى أكثر من 360 إصابة، مع أنها بدأت من إصابتين فقط لمواطنين حضرا من بريطانيا.
بالنسبة لرئيس اللجنة الصحية في مجلس النواب الدكتور أحمد السراحنة، وكما فهمت «القدس العربي» مباشرة منه، ستبدأ اللجنة بعد تفحص المعطيات والبيانات بالاشتباك على أساس دعم وإسناد المجهود الصحي، والتعاون مع الحكومة، موحياً ضمنياً بأن المسألة هنا في إطار الحرص على برامج وطنية فعالة مع الاهتمام بالتوازي بالجزء الرقابي الممكن.
هذا النشاط على جبهة فتح لجان التشريع البرلمانية الصحية للملف والنقاش العام تحت قبة البرلمان قد يكشف للجمهور الكثير من المعطيات المطلوبة خلال الأيام القليلة المقبلة. لكن في المسألة الصحية، ثمة دوماً تفاصيل يصعب تداولها، خصوصاً مع قناعة التكنوقراط الطبي بأن الفيروس كورونا بسلالاته لا يوجد له دواء أصلاً.

الصفدي في موسكو؟

وكل ما هو متاح الآن اللقاح فقط، وقد تطور مفهوم تأمين اللقاح للمواطنين في العالم باعتباره من مؤشرات استقرار الحكومات السياسي، وقدرات أجهزتها ومؤسساتها العميقة وغير العميقة ضمن لعبة توازنات كونية مثيرة جداً، وفقاً للمحلل السياسي الدكتور عامر سبايلة. هنا تحديداً، لاحظ مراقبون أن وزير الخارجية أيمن الصفدي، سافر فجأة إلى موسكو. ومع غياب معلومات مؤكدة عن أجندة سياسية لهذه الزيارة، يمكن توقع أن تكون مرتبطة بحراك دبلوماسي أردني يريد أن ينشط الجبهة في الاتصال والتواصل لأغراض تأمين اللقاح الروسي بعد المشكلات التي واجهتها الحكومة الأردنية في تأمين اللقاح فايزر، إضافة إلى مشكلات الأسعار والتسعير في اللقاح الصيني الإماراتي.
يتردد أن موسكو لا تظهر القدر الكافي من التعاون مع عمان في مسألة اللقاح الروسي، والسبب أنها عرضت في وقت مبكر قبل أسابيع التعاون، فيما تمنعت حكومة عمان لأسباب غامضة، واتجهت اليوم على أمل اللحاق بما تيسر من ترتيبات اللقاح الروسي الذي تزيد فرصته اليوم بالحضور.
العلاقات السيئة في الماضي القريب مع الولايات المتحدة في عهد ترامب ومع اليمين الإسرائيلي بعهدة بنيامين نتنياهو، شكلت مساهمة نشطة في إرهاق حكومة الأردن وهي تعمل على محاولة تأمين حصة من اللقاحات المدعومة أمريكياً، فيما وصلت الشحنة الأكبر ذات المنشأ الصيني رغم أن العلاقات مع الصين ليست فعالة. واحدة من مشكلات تأمين اللقاحات بصورة كافية كان لها علاقة بغياب المؤسسة العميقة الأردنية عن التفاصيل وبالنتيجة، بسبب الإصرار على تنشيط الحلقات التكنوقراطية الفنية فقط.

حق الفلسطينيين بالتطعيم

وهي خطوة ظهرت نتائج سلبية لها مؤخراً، فيما يبدو أن العلاقات المتقدمة سياسياً مع دولة الإمارات لم تقدم في مسألة اللقاح الصيني الإماراتي ما كان يتوقعه الأردنيون بعد. الحسابات سياسية بامتياز في مسألة اللقاح، والمعطيات التي يمكن الانتباه لها مبكراً تتحدث عن نشاط كبير لمؤسسات العمق عند الجار الإسرائيلي، اختطف مبكراً حصة اللقاحات الأكبر في منطقة الشرق الأوسط. والسبب هو اتفاقيات شراكة مبكرة سلمت الشركات المنتجة بيانات كل من يقيم في دولة الكيان وعلى أساس البحث العلمي، وهو ما أغرى الشركات الكبرى المنتجة بسبب تعدد الأعراق في المجتمع الإسرائيلي. ويبدو أن التعاون في مسألتي كورونا واللقاح بين عمان وتل أبيب لم ينجز، بل تجاهلت الثانية الأولى واحتياجاتها بوضوح.
والمعطيات في العمق الأردني ترتاب في أن الشركات الأمريكية والأوروبية الكبيرة قد تمنح إسرائيل الأفضلية، لا بل الوكالة الحصرية للإشراف على توزيع اللقاح في المنطقة، فيما خطفت تركيا بثقلها السياسي مبكراً اتفاقيتين.
الأولى مع الصين، وقوامها تأمين نحو مئة مليون جرعة، والثانية مع روسية في طريقها للإنجاز. وقد تنتهي جهود الدولة التركية في إنتاج لقاح مشترك مع الروس والألمان والصينيين. و في كل حال، برز في الأثناء دفاع ملك الأردن الشرس عن حق الفلسطينيين واللاجئين في الحصول على جرعات اللقاح من الحصة الإسرائيلية، والتي ثبت اليوم للجميع أنها تأمنت بسب مجهود عسكري واستخباري أمني لا علاقة له بالمؤسسات الصحية الحكومية.
المعطيات تشير إلى أن إعلان وزير الصحة الأردني قبل أيام عن تعديل مواعيد وصول شحنات من اللقاح فايزر سببه الأصلي أن الشركات الكبرى تحاول عدم التوسع في إنتاج اللقاح بهدف السيطرة على السوق ورفع الأسعار، وفي أطقم الأزمة الأردنية يبحث خبراء عن طريقة للتعامل مع مثل هذا التحدي، حيث لم يتطعم بعد أكثر من 1% من الأردنيين، وحيث تنتظر عمان في المقابل وصول شحنة جديدة من اللقاح الصيني أو من غيره.
ولا تقدم وزارة الصحة أرقاماً فاصلة، فمخزن اللقاحات قد لا يكفي عدد الذين طلب منهم التسجيل في منصة إلكترونية، والدول الثرية تشتري ما تريد بأسعار عالية سواء من الشركات المنتجة أو حتى من السوق السوداء الموازية، فيما لا تملك الحكومة الأردنية المنافسة في هذا السياق، وتستند إلى المبادرات والاختراقات التي يحققها الملك والقصر الملكي قبل أي اعتبار آخر.
طبعاً، ما يعانيه الأردن هنا تعانيه عشرات الدول الفقيرة. والملاحظات تتراكم مع المعطيات في مستودع تخلو الأرفف فيه من حجم لقاحات كاف، وهنا تحديداً عنصر الاشتباك الأهم.

القدس العربي