سكان ووهان في عين عاصفة كورونا بعد عام على الحجر

قبل عام دخل الاقليم الصيني، مهد جائحة كورونا، في حالة الإغلاق التام على مدى أشهر. واليوم بعد مضي سنة على ذلك يقف أهالي المدينة عند ما تغير في حياتهم

ويليام يانغ


يعج ميترو الأنفاق، في صبيحات الأيام العادية بمدينة ووهان، بالناس الذاهبين إلى أعمالهم. ومن الواضح، إذا استثنينا من المشهد الكمامات على الوجوه، أن المدينة التي دخلت السنة الفائتة في حالة إغلاق تام طوال أشهر، قد تعافت الآن من تلك الحالة السوريالية.

في هذا الإطار يقول ليانغ، أستاذ اللغة الإنجليزية في ووهان البالغ من العمر 31 سنة، إن “الناس الآن عادوا للاستماع إلى الموسيقى من هواتفهم، أو التحدث بصخب في عربات الميترو، وهذا لا يشبه أبدا الحالة التي سادت في ووهان قبل سنة”. يتابع ليانغ “ما زلت أذكر كيف غرق الميترو في صمت كامل قبل يوم واحد من دخول ووهان في حالة الإغلاق التام قبل سنة. إذ لم يعد ثمة أحد يصدر صوتا في الميترو، وقد ساد إحساس خوف طاغ في الأجواء”.

ويمثل يوم 23 يناير (كانون الثاني) لبعض الناس، وإلى الأبد، يوما حزيناً للذكرى. في السياق يستعيد أحد سكان ووهان، زهانغ هاي، اليوم المذكور، فيستذكر إصابة والده بفيروس كورونا في مستشفى محلي إثر خضوعه لعملية تقويم أعضاء. وبعد أسبوع من إصابته تلك، فارق والد زهانغ هاي الحياة. ويذكر زهانغ لـ”اندبندنت” قائلاً “ما زلت أعتقد أن الحكومة المحلية في ووهان علمت بخطورة الفيروس قبل أسابيع من إعلانها خطة وضع ووهان في حال حجر مُطبق”. أردف “قرار إعلان خطتهم قبل أيام من تطبيقها سمح لأكثر من 500 ألف شخص بمغادرة المدينة. وأنا على الدوام أتساءل كم واحد من هؤلاء كان مصاباً بفيروس كورونا”.

وكان العمل في شبكة النقل المشترك في ووهان قد عُلِق بعد فرض الإغلاق، وحُظر على المواطنين مغادرة بيوتهم. كما اكتظت المستشفيات المحلية بالمرضى الذين أظهروا عوارض الإصابة بكورونا، وقد طُلب من كثيرين منهم العودة إلى بيوتهم لتعذر وجود أمكنة لعلاجهم في المستشفيات. وعن تلك الوقائع يروي زهانغ “عندما كان شخص في العائلة آنذاك يلتقط الفيروس، كانت العائلة بأسرها لا تلبث أن تصاب بالمرض. ذاك بدا أشبه بدوامة خبيثة تزيد من وقعها الظروف غير الإنسانية التي حلّت في ظل الإغلاق. فالحكومة [الصينية] كانت تضحي بصحة المواطنين كي تحقق هدفها المتمثل باحتواء تفشي الفيروس”.

عودة الحياة الطبيعية إلى ووهان لا تعني تخلي سكانها عن الكمامات في تنقلاتهم والأماكن المغلقة (غيتي)

عودة الحياة الطبيعية إلى ووهان لا تعني تخلي سكانها عن الكمامات في تنقلاتهم والأماكن المغلقة (غيتي)

وبعد أشهر من الإغلاق التام أحكمت السيطرة على تفشي الوباء في ووهان، ورفعت الحكومة حالة الإغلاق في أبريل (نيسان) 2020. بيد أن الخوف الذي ولدته موجة انتشار الفيروس الأولى ظل مخيماً على أشخاص كثيرين في المدينة. وعن الأمر يذكر ليانغ لـ”اندبندنت”: “غدا ارتداء الكمامات روتيناً يومياً طوال السنة الماضية، وبات علينا إبراز (بطريقة المسح، أي الـ scan) سجلنا الصحي في كل مكان نذهب إليه تقريباً. وعلى الرغم من قيام بعض المولات [المراكز] التجارية بتخفيف شروط المسح الضوئي (scan) للسجل الصحي بعض الشيء خلال الصيف، إلا أنها عادت للتشدد مرة أخرى بعدما عادت أعداد المصابين في الصين إلى الارتفاع خلال الأسابيع القليلة المنصرمة”.

وكان الانقطاع عن العالم طوال أشهر قد سمح للكثيرين من سكان ووهان بأن يصبحوا جاهزين لمواجهة أي طفرة جديدة من كوفيد 19 في الصين. عن هذا الأمر يشرح تشين، البائع البالغ من العمر 32 سنة والذي يعيش في ووهان، فيقول “نعرف ماذا ينبغي توقعه في حال عودة الجائحة إلى ووهان. كما نعرف ما الذي تنتظره الحكومة منا. أعتقد أن أكبر ما قدمه إغلاق السنة الماضية يتمثل في تهيئتنا لطفرات جديدة من الفيروس، أو ربما حتى لأوبئة أخرى في المستقبل”.

من جهة أخرى و”احتفاء” بنجاحها باحتواء تفشي فيروس كورونا، نظمت الحكومة الصينية معرضاً كبيراً في ووهان. وقد امتلأت صالة العرض بنماذج مسعفين طبيين يرتدون الثياب الواقية، وبأعمال تجهيزية تستحضر أسرة المستشفيات. ومن محتويات المعرض البارزة أيضاً صور كبيرة للرئيس الصيني، شي جين بينغ، مرفقة بنصوص تحيي “حزمه في اتخاذ القرارات الحاسمة” التي قادت الصين إلى النجاح في احتواء تفشي الفيروس.

إلا أن بعض الأشخاص في ووهان يجدون صعوبة في تقبل النبرة الاحتفالية التي تحاول الحكومة تعميمها في جميع أنحاء الصين. ويقول ليانغ “في هذه الأيام، عند مدخل كل حي في ووهان، تعتمد الحكومة البروباغندا التي تُبرز كيفية قيامها بتجاوز الجائحة. وأنا من جهتي يصعب علي مجرد الإقرار بهذه الرسائل التي تحاول الحكومة تضخيمها، لأننا جميعاً ندرك الثمن الذي كان على المواطنين الصينيين أن يدفعوه طوال تلك العملية (عملية الاحتواء)”.

وما زال زهانغ هاي يعتقد بوجوب محاكمة المسؤولين الحكوميين في ووهان لإخفائهم المعلومات حول الجائحة خلال المرحلة الأولى من تفشي الفيروس. فهو يرى أنهم لو أفصحوا عن الحجم الحقيقي لانتشار الفيروس قبل أسابيع من فرض الإغلاق، لكان من الممكن إنقاذ أرواح بشرية كثيرة في ووهان. ويشير زهانغ إلى أن على “المسؤولين الحكوميين في الصين أن يدركوا وجوب إعطاء الأولوية لحياة المواطنين خلال الجائحة”. يردف، “إن لم تجر معاقبة أحد لإخفائه المعلومات حول الجائحة، فإن أموراً مماثلة سوف تستمر بالحدوث عندما تبتلي الصين بجائحة أخرى”.

أمام هذا الواقع، ومع بدء ارتفاع عدد الإصابات المحلية في أقاليم “هيباي” و”هايلونغ جيانغ” و”جيلين” الصينية، فإن السكان في ووهان شرعوا أيضاً في رفع مستوى تدابير الوقاية من الجائحة. ويقول تشين “الآن بات على المواطنين مسح (إظهار المعلومات عبر scan) سجلهم الصحي في كل الأمكنة التي يقصدونها تقريباً، والعديد من الأحياء دخلت اليوم في حالة نصف إغلاق”. وأردف “نحن جميعاً جاهزون لحجر ثان”.

وإزاء الذكرى السنوية الأولى للإغلاق التام في ووهان يعتقد البعض أن الناس في هذه المدينة اختاروا استبعاد الذكريات السلبية المتعلقة بالحجر الأول. إذ يقول ليانغ في السياق “فيما ستساهم أشياء مماثلة، عندما تحدث في أمكنة أخرى من الصين، بتذكيرنا بما حدث هنا، فإن الكثيرين منا يحاولون النسيان”. لكن الأمر بالنسبة إلى من فقدوا عائلاتهم أو أفراداً منها خلال الجائحة، يبقى بمثابة مهمة غير منجزة، تتمثل بمطالبة الحكومة باعتذار رسمي عما حصل. عن هذا الجانب يقول زهانغ لـ”اندبندنت” “مهما حاولت الحكومة إبطال جهودي الهادفة للوصول إلى اعتذار يقدمونه، فلن أكفّ عن السعي بكل الطرق إلى مطالبة بحقّ أبي الراحل، وحقّ كثيرين غيره من الأبرياء الذين أُزهقت أرواحهم نتيجة تكتم الحكومة خلال المراحل الأولى من الجائحة”. تابع، “يمكنهم محاولة اتهامي بجريمة ما، أو محاولة سجني، لكن هذا لن يوقفني عن المطالبة بالعدالة لأبي. أنا جاهز لأسوأ الاحتمالات، ويدهم مطلقة في ملاحقتي”.     

© The Independent